#ألف_حكاية_وحكاية: التجسس على الجبنة - Marayana - مرايانا
×
×

#ألف_حكاية_وحكاية: التجسس على الجبنة

حكاية جديدة من #ألف_حكاية_وحكاية…

ميسور، بداية الثمانينات. كنت في طور الدراسة الإعدادية، وكنا نسكن الحي الإداري، قرب بيت مدير الإعدادية ونائب التعليم.

كنت أيامها أشتغل لحساب تلاميذ الداخلية من أجل الحصول على أخبار في غاية من الأهمية: أخبار وصول المواد الغذائية إلى مقتصدية الداخلية. كنت أمدهم بالأخبار وهم يتكفلون بعدها بالتظاهر من أجل الحصول على تلك المواد الغدائية. كانت مهمتي حيوية للغاية، فبدون تلك الأخبار، لم يكن بمقدور أبناء الداخلية أن يتحركوا ويناضلوا من أجل تحسين غذائهم.

حين يصل الخبر، يتكثل أبناء الداخلية ويستعدون للمعركة: إضراب إلى أن تنزل الجبنة في أطباقهم.

الأمر كان بسيطا للغاية. كنت أطلب من أمي أن نذهب لشرب الشاي عند زوجة مدير الإعدادية. نذهب هناك، وننتظر موعد التسوق. التسوق بالنسبة للجميلة فوزية، زوجة المدير، هي اللحظة التي تعطي فيها القفة لابنتها حليمة وتقول لها:

–      “خذي من كل شيء ما يكفي لشرب الشاي… أما العشاء فسيحمله أبوك حين يعود”.

كان الأمر طبيعيا للغاية. حليمة تذهب بالقفة إلى المقتصدية، ثم تعود بالعجب العجاب: جبن ومربى وزبدة هولندية وخبز أبيض وبيض. حين تعود، أعرف أن المواد الغذائية قد وصلت. أبقى عند فوزية إلى أن أنال حظي من الأكل، فهي تضع أمامنا أشياء لا نأكلها طيلة الوقت.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الكيس والأنكيس

بعد الأكل، أنصرف بسرعة وأذهب للقاء الطيبي؛ وهو تلميذ مقيم في الداخلية. أخبره بوصول الجبنة والمربى…

حين يصل الخبر، يتكثل أبناء الداخلية ويستعدون للمعركة: إضراب إلى أن تنزل الجبنة في أطباقهم.

في تلك الفترة، كنت أخبأ عواطفي تجاه الطيبي ولا أجعل شيئا يبدو علي تجاهه. أحادثه عن الجبنة ويحادثني عن الثورة والجماهير الشعبية. أنظر الى عينيه الذابلتين وأحلم معه بسعادة لم أعرف طريقها بعد.

كان يحادثني عن حبه للرياضيات وللمهدي بنبركة. كنت أحدثه عن اجتماعات النقابة في بيتنا وكيف أن شرف خدمتهم موكل إلي.

من حين لآخر، كان الطيبي يسرق من الداخلية قطعة جبن “البقرة الضاحكة” ويعطيني إياها وهو مستغرب كيف أكون ابنة مسؤول محلي ولا آكل الجبنة كل يوم.

أدخل بأطباق مليئة وبكؤوس وقطع لذيذة من كبد الدجاج بصلصة الطماطم وأنتشي لرائحة الشراب القوية. كنت أحس أنني أساعد الثورة في القيام، في انتظار أن أقوم بثورتي الخاصة ضد النقابيين الذين حولوا بيتنا إلى غرزة حشيش وخمر.

من حين لآخر، كان الطيبي يسرق من الداخلية قطعة جبن “البقرة الضاحكة” ويعطيني إياها وهو مستغرب كيف أكون ابنة مسؤول محلي ولا آكل الجبنة كل يوم.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: يوتوبيا في القرن الواحد والعشرين

كانت هناك أشياء كثيرة لا نفهمها مثل سر الفوارق الطبقية. كنا نتساءل: لماذا يسمح الله بكل تلك الفوارق بين الناس؟ ما حكمته في ذلك؟ لماذا يولد البعض في قصر والبعض الآخر في سكن عشوائي، كما هو حال الطيبي؟

لم تكن حالتي سيئة، فأبي يستفيد من سكن وظيفي أنيق في الحي الإداري. كان الطيبي يشعرني بالأهمية ويقول لي ضاحكا: “أنت ماتاهاري الداخلية”… كنت سعيدة بمهمتي في التجسس على الجبنة، وسعيدة بالشاي عند الجيران وأكل الجبنة والبيض المقلي؛ إلى أن اكتشف المدير أنني أنا التي أوصل أخبار الجبنة إلى تلامذة الداخلية.

فرض علينا حصارا، وصرنا لا نتردد على بيته من أجل الشاي. اخترعت وسيلة أخرى لأعرف بوصول الجبنة. كنت أرافق صديقتي ابنة نائب التعليم في تسوقها هي الأخرى من المقتصدية، وأشاهد بأم عيني أطنان الأكل المرصوف في مطبخ الداخلية، وأستغرب متسائلة: إذا كان كل هذا الأكل يأتي من جهات متعددة، فلماذا يبيت أبناء الداخلية جائعين؟

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: تاناتوس… موسم الموت

كنت أمتلئ بالصراخ وأنضم إلى تظاهرات التلاميذ وأنا ساخطة على كل شيء، ولاشيء يعجبني في الحياة، بدءا من النهب حتى نحافتي الفظيعة والناموس الذي يزعج  نومي.

توطدت العلاقة بيني وبين الطيبي وصرنا صديقين. لم يكن الجنس قد دخل بعد ضمن اهتماماتنا وظل رابطنا طاهرا أخويا. كنا نتعاون على الدروس. أساعده في الفرنسية ويساعدني في الرياضيات التي كان نابغا فيها. كان يتمنى أن يصير أستاذ رياضيات وزعيما سياسيا مثل المهدي بنبركة. كنت أتخيله أستاذا وقائدا وطنيا، إلى أن أتاني ذات يوم وهو باك:

–      “أبي سقط من العمارة التي يبنيها وسط المدينة. تهشم رأسه وعلي أن أعود إلى قريتي. أنا أكبر إخوتي، وعلي أن أشغل مكان أبي”

غاب الطيبي وغاب معه الشغب والتجسس على الجبنة، وظل الصراخ في داخلي.

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *