شباب مهاجرون: ماضٍ سيء، حاضر مجهول… ومسارات هجرة “سرية” جديدة 1/2رحلة الألف ميل نحو "الحلم المنشود"
شباب مهاجرون….
من المغرب نحو تركيا، ومنها نحو أوربا.
ومن أكادبر، طانطان وجنوب المغرب نحو جزر الكناري
مسارات هجرة “سرية” جديدة صارت عنوان رحلة شباب مهاجرين نحو حلم منشود ضاقت به حجرات البلد.
“ليتَ وطننا يشعر بنا. حين نقرر الهجرة، نقرر الانفصال عن أمنا الأرض، الإبحار في الظلمات. قد نصل وقد نكون طُعما للأسماك أو أجساداً عارية ملقاة في الحدود، وأحيانا رهائن في السجون. بعد محاولتين فاشلتين أنجح في الهروب من “جحيم البلاد”. أكتب لك الآن من ألمانيا، بعد رحلة دامت حوالي 4 أشهر”.
كان هذا حديث رشيد من مدينة فاس، الذي قرر أن يغادر وطنه بحثا عن أفقَ أرحب. عن بلدَ يسعُهُ، يسع أفكاره، اختلافاته، هويته، كل ما كان يحلم به رشيد هو وطنٌ يسع الجميع، إلا أن ضيقه دفعه لخوض تجربة الهجرة غير النظامية وِفقَ تعبيره.
رحلة الألف ميل نحو “الفردوس”، يعبُرها الشباب المغاربة بحثا عن لقمة عيش يعيلون بها أسرهم. مرايانا رافقت شباباً مهاجرين، أعادوا سرد رحلة الألف ميل، رحلة كان سردها متعبا، وكان طريقها محفوفا بالمخاطر، فما بالك أن تخوضها.
نقف في كثير من الأحيان، نسترجع أنفاسنا… ثم نستمر في سرد تفاصيل الرحلة.
الهجرة، من المشاكل التي يعاني منها المغرب. سواء على مستوى المهاجرين الوافدين على المغرب، أو الشباب المغاربة الراغبين في مغادرة البلاد، إما عن طريق ركوب الأمواج، وهي الطريقة الأقدم، وإما عبر سلك طُرقَ جديدة؛ عبر تركيا، وأحيانا ليبيا، أو عبر طرقٍ أخرى كجزر الكناري.
رحلة الشتاء والصيف
رشيد شاب من مدينة فاس اشتغل في السياحة، أجبرته كورونا على القعود في البيت، ليُسرِحه مُشغله بعدها. يقول لمرايانا: “بعد تسريحي من العمل، راودتني فكرة الهجرة. لم يدم التفكير طويلا… سرعان ما أخذت الطائرة إلى تركيا بمعية صديقين. وصلنا العاصمة التركية، تواصلنا مع الوسيط، وهو دليلنا في الرحلة، والذي سيقودنا إلى “الحراك” الذي سيعبر بنا الحدود التركية”.
يحكي رشيد تفاصيل الرحلة: “نُقلنا في سيارة للنقل المزدوج إلى نقطة حدودية، مكثنا ليلتين في أجواءَ قاسية. كنا في انتظار “الحراك” الذي نقلنا إلى مدينة أدرنة التركية، وهي مدينة حدودية تقع شمال غرب أوروبا، تحدُّها اليونان وبلغاريا، تبعد عن اليونان بـ 7 كيلومترات وعن بلغاريا بـ 20 كيلومترا”.
أدرنة هي مدينة تركية ارتبطت بالهجرة. تعد أكبر مركز يضم مهاجرين من جنسيات مختلفة، والراغبين في العبور براً إلى بلغاريا أو اليونان. داخل هاته المدينة، تتوزَّع قوات الأمن التركية من شرطة وحرس للحدود. توجد نقاط تفتيش في مداخل المدنية تمنع كل من يحاول الدخول دون جواز سفر. أحيانا، تعتقل الكثير من المهاجرين ثم تعيدهم إلى بلدانهم.
المسافة بين أدرنة وصوفيا تقدر بحوالي 74 كيلومتر، إلا أن الزمن هنا شبيه بالزمن الميت. قد تستغرق الرحلة أياما من السير، خاصة إذا فضَّل المهاجرون إكمال الرحلة على الأقدام إلى صوفيا. يتجه بعدها رشيد نحو صربيا بعد أن تفرقت مجموعته بين من سلكوا طريق اليونان ومن اتجهوا نحو صربيا.
العبور إلى صربيا كلَّف رشيد حوالي 1500 يورو. يقول رشيد: “مكثت هناك حوالي 4 أشهر، قضيت بعضها في ملجأ صغير، وأياما أخرى متشردا، بحثا عن منفد للوصول إلى النمسا التي كانت بدورها نقطة عبورٍ إلى ألمانيا حيث استقر بي المقام”.
الصحراء: ملاذ جديد للمهاجرين
بعد رشيد، تحدثت مرايانا إلى عبد الرحمان، وهو شاب من إقليم خنيفرة. يقول: “تجربتي في الهجرة ليست وليدة اللحظة، فقد سبقَ وخضتُ تجارب عديدة، وصلت روسيا ومحيطها. عدتُ إلى المغرب قبلَ سنوات لأعيد التفكير في الموضوع من جديد. التجربة هاته المرة مُختلفة تماما عن التجارب السابقة”.
رحلة عبد الرحمان، انطلقت من أكادير نحو جزر الكناري. هناك من يجرب الهجرة من الأقاليم الجنوبية كطانطان، غير أن هاته الرحلة، على الرغم من أنها قصيرة، فهي محفوفة بالكثير من المخاطر. قد يتعرض القارب للإتلاف، خاصة القوارب المطاطية. فضلا عن صعوبة الطريق حيث إن هناك نوعا من الأسماك يستطيع قلب القارب.
انتظر عبد الرحمان ومن معه قدوم “الرايس”، وهو قائد الرحلة، إلى أن أتى بقاربين. واحد يُقل الطعام والبنزين، وآخر سيُقِلُّهُ مع مجموعته. صعدت النساء أولاً. كانوا جميعا حوالي 50 راكبا وراكبة، لتبدأ الرحلة المحفوفة بالمتاعب، وِفق ما حكى عبد الرحمان لمرايانا.
حسب المتحدث، يوم الأربعاء كان موعد الانطلاق من منطقة قريبة من مدينة أكادير. بدأت الرحلة في الليل. قضينا ثلاث أيام وسط البحر. انتهى الزاد، الماء، وجدنا أنفسنا في مواجهة البحر ومحاولة البقاء على قيد الحياة. بيننا نسوةٌ لم يستطعن الصمود أمام هذا الموقف.
ما الداعي إلى الهجرة من الجنوبِ عوض الشمال الذي يعد البوابة الأقرب إلى أوروبا؟ يجيب شادي بخاري، وهو باحث في قضايا الهجرة وعضو فرع الرباط للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ يقول لمرايانا إن المسارات التي يسلكها المهاجرون قد تغيرت مباشرة بعد عودة العلاقات المغربية الإسبانية. صرنا نلاحظ عملية جزر في المناطق الشمالية، نظرا للحراسة الشديدة التي صار ينهجها المغرب.
حسب شادي، فقد بدأ المرشحون للهجرة في اتخاد مسار آخر، عبر المخاطرة بأرواحهم من كل من أخفنير والعيون ونواحيها. على طول الساحل، تخرج بشكل مكثف قوارب الهجرة وهي متجهة نحو جزر الكناري (لاس بالماس).
استنطاق وترقب
ليس كل الشباب يسلكون طريق الهجرة غير النظامية، هناك من يسلك طرقا أخرى، قد تختلف من ناحية الشكل، غير أن المضمون يبقى واحدا، وهو معاناة الوصول وصعوبة الوثائق وغيرها. هنا نلتقي عثمان. قاده قدره للعبور من دول عديدة. رحلته تختلف عن رحلة رشيد وغيره، إلا أن القاسم المشترك هو الرغبة في معانقة الحلم المثبت على الضفة الأخرى؛ حيث حقوق الإنسان والكرامة والمواطنة التي يحلم بها كل مهاجر.
خلال حديثه لمرايانا، يقول عثمان، وهو شاب مجاز من مدينة فاس، متخصص في التواصل وفاعل حقوقي ومدني: “أنا خريج الجامعة المغربية والمدرسة العمومية. كنت آملُ أن أشتغل في بلدي ويكون لي إسهام في نهضته رفقة شباب وشابات الوطن، لكن منعتني الاكراهات وتداخل المادي بالمعنوي”.
حسب عثمان، “هاته الإشكالات إضافة لأخرى موضوعية، دفعتني لاتخاذ قرار الهجرة، الذي لازمني بعد النقطة التي أفاضت الكأس، بعدما اشتغلت مع جمعية حقوقية حوالي سنة ونصف، إلا أنهم تماطلوا في تأدية الأجور، مما فرض عليَّ خوض معركة نضالية، وصلت حد الإضراب الجزئي عن الطعام، وكان هذا أكثر دافع نحو الهجرة”.
يواصل عثمان: “بدأت أجرأة الفكرة. اتجهت لإحدى القنصليات بالرباط التي تنتمي لمنطقة شنغن. بعد ذهاب وإياب، بدأت جمع الوثائق اللازمة. هنا، أصطدمت بعائق المواعيد البيروقراطية التي أثقلت كاهلي. غير أني، بعد شد وجذب، استطعت حجز موعد”.
تجدر الإشارة إلى أن دول منطقة شنغن هي: النمسا، بلجيكا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، اليونان، المجر، أيسلندا، إيطاليا، كرواتيا، لاتفيا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، النرويج، بولندا، البرتغال، سلوفاكيا، سلوفينيا واسبانيا، السويد، سويسرا.