أسلاك شائكة، غثيان، سجائر مفقودة ومتاهات القنصليات: هكذا تمر الرحلة نحو الحلم 2 - Marayana - مرايانا
×
×

أسلاك شائكة، غثيان، سجائر مفقودة ومتاهات القنصليات: هكذا تمر الرحلة نحو الحلم 2\2

مسارات متعددة هي…
من شمال المغرب، من جنوبه ومن الشرق، برا، سيرا على الأقدام، في قوارب موت معلن… أو عبر سيارات، أو من خلال طرق أخرى…
في النهاية، كلها أوجه لعملة واحدة… هي رحلة بحث عن ملاذ جديد، ووطن يسع أحلاما ضاقت بها الأرض.

تابعنا في الجزء الأول كيف تولَّد حلم الهجرة لدى رشيد وعبد الرحمان وعثمان. القاسم المشترك بينهم جميعا كان هو القهر وصعوبة العيش، وأحلام تتساقط يوما بعد يوم. لم يكن بوسعهم الانتظار طويلاً، يعرفون أن الرحلة شاقة وقد تكون تذكرة لا عودة، إلا أن الإصرار وما عاشوه بالنسبة لهم، دفع لمزيد من السير إلى الحلم الأوربي.

الأرض المجهولة / Terra Incognita

وفق حديثه لمرايانا، قضى رشيد مع مجموعته رحلة شاقة إلى صوفيا (عاصمة بلغاريا)؛ بين المطرقة والسندان: مطرقة البرد وصعوبة التضاريس والأسلاك الشائكة في الحدود الممتدة على طول الطريق، وسندان جنود الحدود البلغارية الذين طاردوهم واعتقلوا مجموعة ثانية كانت تلحق بهم.

طول الحدود بين بلغاريا وتركيا يبلغ حوالي 513 كيلومتر، وقد أقامت بلغاريا 165 كيلومترا من الأسوار على الحدود مع تركيا، كما بنت المجر حاجزا بطول 175 كيلومترا على طول حدودها مع صربيا.

يقول رشيد عن صعوبات الرحلة إنها كانت رحلة الموت: “كنت أقول إني قد أموت كل لحظة، عند كل معبر، في القطار… في كل مرة نلتقي شبابا من جنسيات مختلفة، نتقاسم هموم الطريق، أتسلح بأمل الحلم المنشود، وهو العبور نحو الضفة الأخرى. عند وصولي، تواصلت مع أحد أفراد العائلة بالعاصمة الألمانية. مدَّ لي يد العون وبدأت أستقر شيئا فشيئا.  وعدت أسرتي أن أساعدهم حال أستطيع”.

عن رحلة رشيد، ومسارات تركيا ودول البلقان، يقول شادي بخاري، الباحث في قضايا الهجرة، إن هذا المسار هو الأصعب، فالعبور إلى اليونان أو غيرها من تركيا، محطة صعبة. السلطات اليونانية ترتكب أعمالا وحشية في حق المهاجرين العابرين لأراضيها، ووسط الغابات المخيفة، كثيرا ما يلقى المهاجرون حتفهم بسبب قسوة المناخ. أحيانا، يتيه المهاجرون بين هاته المسالك الوعرة، إضافة إلى تعرضهم للاحتجاز، ليكون إطلاق سراحهم مشروطا بتقديم أموال، كما هو الأمر في ليبيا.

نضال في سبيل حلم

في المقابل، عاش عثمان رحلته رفقة أسئلة وأجوبة وردودَ أفعال.

يقول عثمان لمرايانا: “يوم الموعد/ مقابلة الحصول على الفيزا، انهالوا عليَّ بالأسئلة. حاولت أن تكون أجوبتي مقبولة ومعقولة، انتظرت بعدها 15 يوما لأتلقى اتصالا هاتفيا يخبرني بضرورة القدوم لسحب جواز السفر، لأتفاجأ أني حصلت على التأشيرة، بعدما كنت أظن أنها مستحيلة، خصوصا أني كنت عاطلاً عن العمل”.

“تُهت بين الشعور بالفرح لأني سأتجه نحو الحلم الأوربي، وبين الحزن لما آلت إليه أوضاع الوطن الجريح. أخذت تأشيرتي، اتجهت نحو العائلة، ودعت الأحباب، الرفاق، الوطن، بكيت كثيرا. حينها، اتجهت من الرباط نحو فرنسا، لتبدأ بعدها إجراءاتٌ داخل مطار شارل ديغول، حيث سُئلت عن سبب زيارتي”… كان هذا حديث عثمان بعد حصوله على التأشيرة.

يقول المتحدث: “بعد دخولي التراب الفرنسي، كانت لي رحلة ثانية في اليوم الموالي للاتجاه نحو دولة أخرى. حصلت على تأشيرة تُخول لي الدخول لبولونيا حيث اتجهت نحو جمعية حقوقية للاستفادة من دورة تكوينية في مجال حقوق الإنسان، ثم توجهت نحو ألمانيا ثم الدولة التي أقيم بها حاليا.

يورد عثمان: داخل الدولة التي سأستقر بها، وجدت صعوبة في الاندماج. إلا أني بدأت أتلقى تكوينا في اللغة، وفي نفس الوقت انخرطت في جمعية كمتطوع لمساعدة المهاجرين. هذا مكنني من اكتساب تجربة في اللغة والتواصل. إصراري كان أقوى وحلمي أكبر من أن تحطمه هواجس اللغة والتأقلم.

إغماء وشرود وفقدان أمل

عودة لعبد الرحمان، الذي سلكَ طريق الجنوب، والذي يورد لمرايانا: “قطعنا مسافة قصيرة. شعرنا أن عطبا أصاب القارب، سنكتشف أنه في المحرك. بعدها، بدأ الماء يصعد نحو القارب. سارعنا، يدا واحدة، إلى إفراغه. هذا على مستوى مشاكل المحرك. أما الركاب، فذلك أمر آخر، البعض يصاب بالهلوسة ويحاول الارتماء في البحر، ومنهم من يصاب بحالة بكاء شديدة، فضلا عن الإصابات بالإغماء والغثيان”.

يقول عبد الرحمان: “أتذكر خلالَ الرحلة أن أحد الركاب حاول القفز بحثا عن السجائر “خليوني نمشي نجيب الكارو” وهذا عائق آخر، فوجبة الكثيرين هنا هي علب السجائر، وأن يقتسم أحدهم معك سيجارته كأنه يقتسم الرغيف، ربما لها أكثر من دلالة وكأنهم يقولون وأنت تدخِن سيجارتك فكر بغيرك”.

مشاكل الرحلة حسب عبد الرحمان لا تعد ولا تصحى؛ فبعض الركاب يهاجرون للمرة الأولى، ومن سمع ليسَ كمن عاش التجربة التي تعاش ولا تحكى. يقول المتحدث: “أتذكر أن أحدهم خُيل إليه أنه أمام منزله فحاول القفز للوصل إليه. مشاهد تحبس الأنفاس، تدمع العين، فيما هناك من التزم الصمت يترقب حركات القارب، يحلق في السماء وعينه تحكي قصصا عديدة”.

وفق المتحدث، النوم خلالَ الرحلة شيء صعب. كيف يمكن أن تنام وسط هذا الجو. نسرق بضع دقائق نهارا ودقائق ليلاً كي ننام. ثم ماذا يلوح في الأفق؟ لا شيء… لا نرى غير زُرقة الماء. كان الأمر صعبا، خصوصا في تلك الليلة التي صادفنا أمواجاً تسببت بمرض بعض الركاب الذين أصيبوا بزلة برد حادة. حاولنا مساعدتهم وتدفئتهم بالغطاء والملابس، دون جدوى.

يقول عبد الرحمان: “حين تكون في البحر، يتملكك الخوف وشعور ممزوجٌ برغبة الوصول وتحدي الطريق؛ إلى أن وصلنا يومَ الأربعاء. قبل الوصول، استبشرنا خيرا: ما هي إلا ساعات قليلة حتى نُعانق اليابسة، لتبدأ مرحلة أخرى… هي انتظار تقديم المساعدات، إما بانتظار القوات البحرية، أو طلب النجدة من القوارب. لحسن حظنا أننا انتظرنا قاربا به مغاربة قدموا لنا المساعدة.

حسب المتحدث، “عند وصلونا إلى جزيرة تينيريفي قرب لاس بالماس، استقبلنا متطوعون من الصليب الأحمر. بدأنا العلاج أولاً، عرضونا على أطباء متخصصين، تأكدوا من سلامتنا، قدموا الدواء للمرضى ومن هم في حالات حرجة، ليقدموا لنا بعدها الطعام والملابس”.

بعدها، يواصل عبد الرحمن: “تأتي جمعية مهتمة بالمهاجرين تأخذنا إلى منطقة أخرى، تقدم لنا الطعام والملابس وتوفر لنا الإقامة. قضيت ثلاثَ أشهر هنا في هذا الملجأ، والآن يجري الاستعداد لنقلنا لإسبانيا. أنا سأتوجه إلى مدريد لأقيم هناك ثلاث أشهر تحت رعاية جمعية أخرى تساعد المهاجرين في السكن ووثائق الإقامة”.

يتفاعل شادي، المتخصص في قضايا الهجرة مع هاته الرحلة قائلا: “أصبح التوجه من طريق الجنوب محفوفاً بالمخاطر، هناك من يصل وهناك من يغرق بهم القارب. نظرا لكون المحيط الأطلسي شديد الهيجان مقارنة مع البحر المتوسط. بالتالي، يكون المهاجرون في عداد المفقودين، ويصعب التعرف على مصيرهم الحقيقي. كما أننا قد لا نتمكن من معرفة ما إذا توفوا وسط البحر، والمشكل هنا في اعتقادي مرتبط بتماطل السلطات المغربية والإسبانية معا في إنقاذ المهاجرين”.

حسب شادي، هناك مهاجرون آخرون يسلكون طُرق الجزائر؛ مؤكدا أن أغلبهم ينتمون للجهة الشرقية. يمرون من وجدة عبر مغنية ثم وهران. غير أن المشكل هنا، في حالة تم القبض على المهاجرين، فإنهم يجدون أنفسهم أمام تُهم ثقيلة من قبيل الاتجار في البشر. أما فيما يخص المهاجرين المغاربة في ليبيا، يورد المتحدث، فهم يتعرضون للتعذيب في السجون الليبية، ومنهم من يلفظ أنفاسه جراء التعذيب والجوع والحرمان من أبسط الحقوق.

هي مسارات متعددة، سواء كانت من شمال المغرب، أو شرقه أو جنوبه. برا، سيرا على الأقدام… أو عبر السيارات المعدة لذلك، أو من خلال طرق أخرى كما هو الحال بالنسبة لعثمان. كلها أوجه لعملة واحدة… هي ملاذ جديد ووطن يسعهم جميعاً.

 

لقراءة الجزء الأول: شباب مهاجرون: ماضٍ سيء، حاضر مجهول… ومسارات هجرة “سرية” جديدة 1/2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *