الطعام في الثقافة الأمازيغية: تضامن وألفة واحتفاء بالأرض والتراب - Marayana - مرايانا
×
×

الطعام في الثقافة الأمازيغية: تضامن وألفة واحتفاء بالأرض والتراب

المطبخ الأمازيغي طقس جماعي، احتفال بالوحدة والجماعة ، وتيمن باستمرار الحياة الجميلة والمستقبل الأفضل للجماعة أو القبيلة فهو فرصة للفرح واستشراف المستقبل المنشود عند الأمازيغ.

الطعام ليس مجرد وجبة، هو عند شعوب كثيرة ثقافة وهوية، وهو، لأجل ذلك، في أحيان كثيرة، مدخل لفهم ثقافة شعب وهويته.

في الثقافة الأمازيغية، يحتل الطعام مكانة مهمة ويحظى بعناية فائقة لما له من أهمية. يحضر الطعام في كل المناسبات، فرحاً كانت أو عزاء أو حفلات خاصة.

فما هي رمزية الطعام والطبخ عند الأمازيغ؟

وظيفة تحالفية

تفيد دراسة للباحث الحسين دمامي بمجلة أفراك، والمنشورة بموقع تويزة بعنوان “دراسة أنثرولوجية لثقافة الطعام” أن العشيرة، إذا كانت تقوم إيديولوجياً على تبجيل القرابة الدموية والانحدار من نفس الجد المشترك ولو أسطوريا في المجتمع القبلي التقليدي، فإنها ملزمة، لتظل على قيد الحياة، أن تبرم تحالفات. هاته التحالفات تصبح سارية المفعول حينما يقتسم أو يتشارك المتحالفون في الطعام ليس للأكل فقط.

يشير الباحث إلى أن الأمازيغ يعتقدون أن للأكل دوره السحري في حماية التحالف ومعاقبة أي طرف يخون العهد أو الرابطة الأخوية المصطنعة بالطعام، علما أن الطعام يحض على الأشكال الثنائية للتحالف في المستويات الدنيا للبنية الاجتماعية من خلال زواج فردين من أسرتين، إلى المستويات العليا في التحالفات بين القبائل.

من جهة أخرى، إذا ما اتجهنا للمعتقد القبلي، فإن للطعام في القبيلة الأمازيغية رمزية الوحدة والعقاب، وهي شبيهة بثنائية الخير والشر. الخير يتجلى في أن الطعام يرمز للوحدة والألفة والصداقة، أما العقاب فيرمز لعقاب من خان الطعام المشترك.

في هذا الصدد، يقول الباحث الحسين دمامي: “تظهر وظيفة الطعام التحالفية والعقابية حينما يردد الناس أنهم اشتركوا في الطعام، بما يعنيه من تشكيل صداقة أو تحالف صغير”.

حسب ذات المصدر، فإنه إذا ما وقعَ الخصام بين المتعاقدين المقتسمين للطعام، وتضرر أحد الأطراف، فهو لا يلجأ للعنف، بل ينطلق من اعتقاد يفيد أن الطعام المشترك سينتقم بإلحاق مصيبة بالخائن لمقتضيات تشارك الطعام، أو يلحق به ضربة أو لعنة.

الدائرة: الوحدة والأزل

علي خداوي، باحث في الأنثروبولوجيا والثقافة الأمازيغية، يقارب مع مراياناَ موضوع المطبخ الأمازيغي، معتبرا أن هذا الأخير جزء لا يتجزأ من الهوية الأمازيغية، فهو كغيره من مقومات الثقافة والحضارة الأمازيغية يتموقع في صلب القيم الجماعية.

يقول خداوي: “المعروف عند الأمازيغ أنهم كانوا يقومون بكل شيء جماعة؛ الحصاد، الزراعة، الرقص الطبخ. هذا الأخير يعكس كسمولوجيات الأمازيغ، بل حتى تصورهم للزمان والمكان والموت والحياة.

تشير شهادات شفهية كثيرة إلى أن الدائرة ترمز عند الأمازيغ إلى الكمال والوحدة والمطلق، والدوامة، هي رمز للصلابة التي لا تنكسر. نجدها في الحلي والوشم والزرابي وتحضر في الطعام.

عن حضور الدائرة في الأطعمة، يقول خداوي: “حضور الدائرة ينعكس على الأطباق، حيث نجد تازْلافْتْ، أو ما تعرف بالقصرية التقليدية. إنها باختصار تحضُر في الأطعمة الجماعية وفي الاحتفالات المرافقة لها كأحيدوس الذي يكون بشكل دائري جماعي.

حسب المتحدث، إذا ما ربطنا الدائرة مع مفاهيم الثقافة الامازيغية، فإنها ترتبط بما يسمى “آسْݣاسْ” ومعناها،” آس” أي اليوم و “آݣ” أي في “آس” اليوم، ومعناه اليوم في اليوم. هو تصور يحيل على أن الزمان ينطلق من نقطة ويعود لها بشكل دائري، وهذا تفسير آخر يحيل على رمزية الدائرة في الثقافة الأمازيغية.

احتفاء بالأرض والانسان

بالعودة للمطبخ، نجد أن من بين الأكلات التي ترمز للشكل الجماعي والدائري، هناك الكسكس الذي يلتف حوله الناس من كل جانب، وهذا يعكس كذلك نوعا من المساواة من خلال تقسيم اللحم بشكل متساوي بين الجميع.

يؤكد الباحث أن الأكل عند الأمازيغ مرتبط بالأرض والطبيعة. ما يأكله الأمازيغ مستخرج من الأرض. لذلك، طقوس الأمازيغ تدور حول الأرض وخيراتها. هذا الطقس الذي يكون دائما بشكل جماعي يرمز في دلالاته للوحدة الوحدة والتلاحم، وهذا ينعكس على باقي الأنشطة ليس فقط الطعام أو الرقص.

خداوي، بهذا الرأي، يوافق الطرح الذي تقدم به الباحث الحسين دمامي، الذي اعتبر أن القيم الثقافية والمعتقدات الدائرة حول الطعام، تعتبر من وجهة معنوية أكثر عنفا من الضغط المادي، مثلما تساهم في الحفاظ على النظام الأسري، كقبيلة مجهرية والقبيلة كأسرة كبيرة. بل إن تسمية الأسرة في الأمازيغية لها ارتباط بمعجم الطعام.

طقس تضامني

من جهته، يوسف أوموهو، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الأول وجدة، تخصص دراسات أمازيغية، يتجه خلال حديث لمرايانا إلى مقاربة تضامنية لرمزية الطعام، مشيرا إلى أن الأطعمة في الثقافة الأمازيغية في مجملها فعل تضامني.

يقول الباحث: “يمكن أن نقارب الأكل والطعام عند الأمازيغ من زاوية التضامن والتآزر وتقسيم المهام، حيث تتكلف الأمهات بإعداد الطعام، لأن هاته الأطباق عادة ما ترتبط بالاحتفال، فبالتالي، تكون كميتها كبيرة، ولا يخلو إعدادها والاستعداد لها بشكل جماعي من التعاون والفرحة والفرجة.

حسب أوموهو، يعد الآباء والرجال ما يلزم هذا الطعام من إعداد خارجي، وتحضير وزراعة وغيرها؛ حيث يشتغل كل من موقعه في جو من التعاون والنشاط.

يحتفي الطعام الأمازيغي بالأرض وما تنتجه، من خضر وفواكه وقمح وشعير وزيتون. لذلك، نجد أن المطبخ الأمازيغي يرتبط جدليا بالأرض والتراب، وهو ارتباط بالهوية والثقافة.

في هذا السياق، يقول المتحدث: “إذا ما اعتبرنا الطبق الأمازيغي الجماعي احتفالاً بالجماعة، فهو كذلك تيمن باستمرار وحدتها من خلال الأطعمة التي تنتجها الأرض. فالطعام الجماعي هو فرصة للفرح واستشراف مستقبل جميل، ومحاولة لتجديد النوايا والبحث عن الجمال الجماعي”.

الجدير بالذكر أن هناك تطورا ملحوظا اليوم في هاته الأطباق مع الحفاظ على جوهرها ورمزيتها. هذا التطور كان مقابل مسايرة التحولات من خلال إدخال تعديلات على الأطعمة وغيرها.

كثيرة هي الأطعمة التي دخلت عليها تعديلات كثيرة، إما لتنال إعجاب فئات أكبر، أو بغية الإسهام في ترسيخها من خلال تعديلات طفيفة. غير أن الثابت هو رمزية هاته الأطعمة التي لا زالت الأسر تجتمع حولها إلى يومنا هذا.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *