تاريخ ممطر وحاضر جاف: قلق وانتظار ومطر - Marayana - مرايانا
×
×

تاريخ ممطر وحاضر جاف: قلق وانتظار ومطر

الجفاف، ذلك الوضع المرعب الذي كلَّما استمر إلا وحل الخراب على الفلاحين. هنا سهل تادلة ذلك السهل الذي كان إلى عهد قريب أرضاً خضراء تحيط به الجبال ومياه نهر أم الربيع صار اليوم أرضا يأكلها الفراغ. أمل الفلاحين هنا أمطار تنقذ ما تبقى ومخطط يعيد القليل لسهل كان يُضرب به المثل

السنة الخامسة من الجفاف، رقم صعب يدفع لدق ناقوس الخطر. وهذا ما أعلن عنه الملك محمد السادس من خلال ترأسه يوم الثلاثاء 16 يناير 2024 جلسة عمل خصصت لإشكالية الماء.

مجهودات ملكية

وفقَ بلاغ للديوان الملكي فإن هذا الاجتماع يندرج في إطار التتبع المستمر والعناية الملكية، لمشكل الجفاف بالمغرب. من جهته، قدم وزير التجهيز والماء نزار بركة، عرضا حول الوضعية المائية، والتي عرفت خلال الفترة من شتنبر إلى منتصف يناير 2024، تسجيل عجز في التساقطات بلغت نسبته 70 بالمائة مقارنة مع المعدل، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 بالمائة مقابل 31.5 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.

كما قدم بركة، مخطط العمل الاستعجالي، الذي تم إعداده من طرف القطاعات المختصة لمواجهة الوضعية الحالية، وضمان توفير المياه الصالحة للشرب، لا سيما في المدن والمراكز والقرى التي تعرف عجزا أو من المحتمل أن تعرفه.

سيتم تنزيل المخطط، الذي تم تقديمه أمام الملك، والذي يشمل عدة إجراءات، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة، وإقامة تجهيزات استعجالية لنقل الماء والتزويد به، وكذا اتخاذ إجراءات لتقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك.

كما سيتم تسريع وتيرة إنجاز السدود في طور التشييد، ومشاريع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع، والبرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، وبرنامج إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وبرنامج اقتصاد الماء على مستوى شبكة نقل وتوزيع الماء الصالح للشرب

مرايانا، تقترب من فلاحين صغار، تسمع أنينهم وحديثهم. هي قصص وأحاديث أناس كانوا بالأمس القريب ينتشون بما أنتجته الأرض، هم الآن ينتظرون حلولاً تنقذهم وأراضيهم ومزارعهم.

سهل تادلة: أرض صفراء

في منطقة بإقليم الفقيه بن صالح، يحكي حكيم بن علال قصة صموده أمام تحديات الطبيعة القاسية ومعيشه اليومي مع ظاهرة نقص المياه في قريته. تبدأ الحكاية في مزرعة حكيم، حيث يستيقظ على واقع يتحول يوما بعد يوم إلى كابوس، ويشارك مرايانا تجربته في مواجهة شبح الجفاف الذي يجتاح أرضه وحياته وماشيته.

يقول حكيم: “الأمطار كانت رفيقة حياتنا، لكنها تلاشت تدريجيًا”، يتحدث حكيم بنبرة يعتريها الحزن، واصفا كيف تحولت الأرض الخضراء المنبسطة، إلى سهل فارغ. إنه تحدي صعب يواجهه يوميًا. فضلا عن اللحظات التي كان فيها ينظر إلى سماء الربيع بأمل باستقبال الأمطار التي تعيد الحياة إلى أرضه، لكن شبح الجفاف يخيم على القرية يوما بعد يوم.

يشارك حكيم مع مرايانا تفاصيل أيامه الأخيرة في ضيعته، يصف كيف يبذل قصارى جهده للحفاظ على ما تبقى من محاصيله، وكيف يتوجب عليه البحث عن طرق بديلة للري. يتحدث عن المخاوف المستمرة من فقدان المزيد من الأراضي الزراعية وتدهور الأوضاع المعيشية.

يقول حكيم: “نحن بحاجة لدعم، لا يمكننا مواجهة هذه التحديات بطرق كلاسيكية، نحتاج تدخلاً حكوميا ودعما للفلاحين الصغار، والسماح بحفر الآبار بغية توفير الماء للسقي وللماشية”.

حسب حكيم، فقد كان سهل تادلة معروفا بأنه يضم أراضي القمح والشعير والشمندر وغيرها، كما كانت قرى السهل ومزارعه تتوفر على كم هائل من رؤوس البقر والمواشي، اليوم عدد كبير من القلاحين قاموا ببيع عدد كبير من المواشي بسبب نقص المياه.

نوسطالجيا الأرض والمطر

وأنت تعبر سهل تادلة في الطريق إلى خنيفرة، تمر عبر بقايا واد أم الربيع، الذي كان إلى عهد قريب نهر الفيض والخير، كان ذاك المجرى يسقي أشجار الزيتون والرمان وغيرها… لم يتبق منه الآن إلا القليل.

قرب سد الشهيد أحمد الحنصالي، تلتقي مرايانا الحسين، وهو مزارع ومربي للأغنام والمواشي أو ما يعرف بالكساب. قادنا قدر الرحلة إليه حيث يجلس إلى جانب فلاحٍ آخر. يعيش الحسين بين أشجار الزيتون التي تعتبر مصدر عيشه وسبب وجوده في هذا الموقع الساحر، ومع ضآلة الأمطار، بدا واضحا أن الأشجار تحمل عبء الجفاف.

تأخذنا القصة إلى وقت ليس ببعيد، حين كانت الأمطار الوفيرة تروي تلك الأرض وتحيي أشجار الزيتون. ومع الزمن، تبدأ حكاية الفلاح في التغير، حيث تبدأ الأمطار في الانقطاع وتتحول الأرض الخضراء إلى لوحة ينغمس فيها لون الأصفر.

يسترجع الحسين سنوات مضت ويقول: “كانت تلك الأيام مميزة، كلما نظرت إلى أشجار الزيتون كنت أرى الحياة والازدهار، فمنطقة زاوية الشيخ معروفة بأجود أنواع الزيتون. لكن الواقع الحالي اليوم ليس كما نتوقع، هلك عدد كبير من أشجار الزيتون بسبب قلة الأمطار والظروف البيئية الصعبة”.

حسب الحسين، فالحياة اليومية للفلاح تحولت إلى تحديات مستمرة لتدبير متطلبات الري والحفاظ على الأشجار المتبقية، فالمنطقة تعتمد بشكل كبير على الفلاحة.

ترقب وانتظار

يتطلع الحسين إلى مخطط ملكي استعجالي حول مشكل الجفاف وقلة الماء، كما يتطلع إلى دعم حكومي يُسهم في تحسين نظام الري وتوفير موارد مائية بديلة. يؤكد أن الفلاحين يحتاجون إلى دعم فعّال لمواجهة تحديات الجفاف وللحفاظ على قطاع زراعة الزيتون.

يأخذنا الحسين في جولة صغيرة قرب أشجاره التي بدأت تذبل، فيما جزء كبير منها فقدَ خُضرته فغابت عنه الحياة. حال الحسين كحال عدد كبير من الفلاحين، تجدهم في السوق الأسبوعي والمقاهي التقليدية ينتظرون أن تمطر السماء ماء يروي الشجر، وينقذ ما تبقى مما تبقى من أشجار معدودة على رؤوس الأصابع.

في ظل هذا المشهد، يقف الحسين بين أشجاره معبرًا عن أمله في أن يأتي يوم تعود فيه الخضرة إلى الأرض، ويعود فيه الزيتون إلى شجره . رغم ذلك، يستمر الحسين في العناية بأشجاره بصبر وثقة، وسط ظروف صعبة، في انتظار عودة الحياة إلى هذه الأرض الطيبة.

في أسواق القرى والبوادي وفي المقاهي حيث يجتمع “الكسابة والفلاحة الصغار” لا صوت يعلو على صوت مشاكل الفلاحة وشبح الجفاف وقلة الأمطار في منطقة معروفة بأنها خزان للمياه. هنا حيث الباعة ورواد السوق وغيرهم يترقبون السماء وحلول المطر.

حال الحسين وحكيم كحال العدد من الفلاحين الذين يأملون قليلاً من المطر لإنقاذ ما تبقى من موسم فلاحي يعاني الضياع. حالهم كحال من ينتظر الرحمة، قطرات تشفي الغليل وتروي كل من على الأرض.

الجذير بالإشارة أن المغرب يخطط لإنشاء سبع محطات جديدة لتحلية مياه البحر نهايةَ سنة 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا. فيما تتوافر حاليا 12 محطة لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنويا، وفق معطيات رسمية.

لكن، في ظل الجفاف الذي يعرفه المغرب، لا تزال بعض الضيعات الفلاحية تسرف في تبذير ثروة الماء واستعماله، كما تسرف في حفر الآبار بطرق غير سليمة أحيانا. وهو ما يدفع للسؤال: هل مشكل المغرب ندرة الماء أم ندرة السياسات المائية؟

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *