إصلاح التعليم… مسلسل قديم ومخططات استعجالية قيد التوقف
بين 1912 و 2024 محطات ووقائع عنوانها البارز إصلاح التعليم، إصلاحات سياسية وأخرى بيداغوجية ومنهجية، بين مطالب التجويد وسياسات الوزراء والمخططات الاستعجالية ثابت واحد ومشترك واحد وهو أن كل الإصلاحات مرحلية تنتهي صلاحياتها بانتهاء مدة مهندسها.
واقع التعليم اليوم لا ينفصل عن واقع باقي القطاعات، شلل وغياب رؤية… وأزمة ممتدة في الزمان.
منذ 1956، شهد قطاع التعليم إصلاحات متعددة، وشهدت الساحة التعليمية تحولات عدة، كان مصيرها في الغالب، الفشل. ما تجيده الدولة في قطاع التعليم، هو العناوين الرنانة؛ مخطط استعجالي، إصلاح شامل وغيرها. كان هذا رأي خالد، طالب جامعي، تفاعلا مع النقاش الدائر حول الإصلاح البيداغوجي الجامعي.
خللٌ بيداغوجي
بالعودة للإصلاحات البيداغوجية التي تهم قطاع التعليم العالي، يقول عبد الناصر الناجي، رئيس مؤسسة أماكن لجودة التربية والتعليم، إنه سجَّل باستغراب، التخلي عن الإجازة المهنية رغم أنها شكلت أحد المسارات الأساسية لربط الجامعة بسوق الشغل.
حسب الناجي، إذا كانت المسالك المهنية قد شكلت السنة الماضية 54 في المائة من مجموع المسالك المعتمدة، وهو ما يؤكد حضورها في خارطة التكوين الجامعي، فإن عدد الطلبة الذين يدرسون بها لا يتجاوز 3 في المائة من مجموع طلبة الاستقطاب المفتوح.
ما يفسر إلغاء الإجازة المهنية، وِفق المتحدث، هو عدم توفر شروط الجودة داخل مسالكها، خاصة ضعف الكفاءة المهنية للمؤطرين وعدم توفير التداريب المهنية للطلبة، وربما سيمهد هذا الإلغاء لتكليف قطاع التكوين المهني بهذا النوع من التكوينات، في إطار إرساء محتمل للتكوين المهني العالي.
تخلَّت الوزارة عن المشروع المؤطر لنهاية التكوين في سلك الإجازة، وعن الأنشطة التطبيقية التي تشمل الأعمال الميدانية والمشاريع والزيارات الدراسية، وتعود أسباب الحذف إلى عدم توفر المستلزمات التأطيرية والتدبيرية الضرورية، الشيء الذي كان يؤدي عَمَليا إلى عدم تطبيق هذه المتطلبات، أو إنجازها بشكل سطحي مخل بشروط الجودة.
يورد الناجي أن ما يستدعي الانتباه هو الحفاظ على هذه المكونات في التعليم العالي الخاص، بإصرار من القائمين عليه، وهو ما يؤكد من جهة، أهميتها في المسار التكويني للطالب، ومن جهة أخرى، توسيع الهوة بين التعليم العام والتعليم الخاص فيما يتعلق بجودة التكوين.
الإصلاح الجديد سيعرف إدخال وحدات خاصة بالمهارات الناعمة، التي سمتها الوزارة مهارات القوة، ووحدات تهم اللغات الأجنبية، ثم تبني نظام الأرصدة القياسية وملحق الدبلوم. غير أن إدخال الوحدات الجديدة، سيؤدي إلى إضعاف نسبة حضور الوحدات المعرفية، الشيء الذي قد يؤدي إلى ضعف التحكم في الكفايات المعرفية لدى خريج الإجازة.
يقول الناجي إن حصة وحدات اللغات الأجنبية أصبحت أقل مما عليه في الإجازة الحالية، الشيء الذي يطرح التساؤل حول قدرتها على تمكين الطالب من المستوى المأمول، خاصة وأن النسبة الكبرى منها ستدرس عن بعد.
جدير بالذكر أن نظام الأرصدة القياسية، حسب الناجي، يطرح أكثر من علامة استفهام حول المدة الزمنية لكل رصيد، والتي لا تتعدى 10 ساعات في الضوابط البيداغوجية الجديدة، في حين تصل إلى 30 ساعة في أوروبا.
يُشار إلى أن منهجية إعداد المسالك الجديدة اتسمت ببعض الانزياح عن أحكام القانون الإطار 51.17؛ انزياح تَجَسد أساسا في عدم تفعيل الإطار الوطني للإشهاد، الذي ينبغي أن يحدد مخرجات التعلم على شكل كفايات بالنسبة لكل شهادة وطنية، وعدم إسناد العملية إلى اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات، وضعف إشراك الفاعلين الاقتصاديين في بلورة مضامين التكوين بسبب غياب آلية للملاءمة بين الجامعة وسوق الشغل، فضلا عن ضعف تفعيل الاستقلالية البيداغوجية للجامعة.
حسب المتخصص في الشأن التربوي، فنحن بحاجة للإصلاح لأن أزمة الجامعة تتعقد يوما عن يوم، وهذا الإصلاح موجود في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 وفي القانون الإطار. لكن ما نحتاجه أكثر، هو ترجمة هذه التوجهات الكبرى إلى مخططات تنفيذية شاملة لإصلاح التعليم بجميع مكوناته. هذه المخططات ينبغي أن تتسم بالاستمرارية من حكومة إلى أخرى، بدل تبني منطق القطيعة مع ما سبق كلما تولت الشأن العام حكومة جديدة.
مسار متعثِر لأزيد من قرن
انطلق إصلاح التعليم بالمغرب سنة 1912، حيث كان التعليم يعتمد على المساجد والكتاتيب القرآنية. بعد توقيع معاهدة الحماية، قام الاستعمار الفرنسي بإصلاحات في قطاع التعليم. سنة 1956 تميَّزت بتشكيل أول وزارة وصية على القطاع. سنة 1957، سيتم إحداث اللجنة العليا لإصلاح التعليم، التي تبنت مبادئ التعريب، التوحيد، المغربة والتعميم.
أُحدثت لجنة التربية والثقافة سنة 1959، ثم المناظرة الوطنية سنة 1964، وصولا لسنة 1967 والتي سيتراجع فيها المغرب عن مسألة تعريب التعليم. بعدها، سيعقد المغرب مناظرة إفران سنة 1970.
خلال سنة 1973 شهد المغرب البرنامج الاستعجالي، ثم، سنة 1980، ستُعقد المناظرة الثانية بإفران؛ دعت إلى وضع تصور شامل لإصلاح التعليم. كما تم إصدار مشروع إصلاح التعليم؛ والذي دعا حينها لتوجيه المتعلمين للتكوين المهني. في السنة ذاتها، أُصدر المخطط الثلاثي، والذي نص على ضرورة تعميم التعليم في القرى المغربية وتحديد سقف ولوج الطلبة الى المدارس العليا، وتحديد مدة التكوين الجامعي في 4 سنوات.
سنة 1994، دعا الملك الحسن الثاني إلى تشكيل اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم، والتي ألزمت تعليم الأطفال ما بين 6 و16 سنة، والإقرار بمجانية التعليم. غير أن البنك الدولي سيطالب المغرب بإعادة النظر في مسألة مجانية التعليم سنة 1995.
سنة 1999، سيتم تشكيل اللجنة الملكية الاستشارية للتربية والتكوين، والتي أصدرت الميثاق الوطني للتربية والتكوين (دخل حيز التنفيذ سنة 2000). بعدها، سيتم تشكيل المجلس الأعلى للتعليم؛ والذي سيتحول لاحقا إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2014؛ ليتم بعدها بسنة إصدار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية يليها قانون الإطار 51/17.
ضبابية وبرامجُ مرحلية
في هذا الصدد، يقول الفاعل التربوي عبد الوهاب السحيمي، في حديث لمرايانا، إن الإصلاحات التي يتم تنزيلها في قطاع التعليم، سواء قطاع التربية الوطنية أو التعليم العالي، تتسم بعدم الاستمرارية، ولا تعمل على تنزيل إصلاح بعيد المدى؛ لأن هذا هو الاصلاح الحقيقي.
حسب الفاعل التربوي، لا يمكن إصلاح التعليم بالاستعجال كما هو الحال بالنسبة للبرنامج الاستعجالي والميثاق الوطني للتربية والتكوين. يجب أن نأخذ الوقت لفتح نقاش على قواعد متينة، على أن يتم الاشتغال عى هذا الورش لسنوات؛ بالعودة القانون الإطار 51/17 الذي وُضع ليكونَ ملزماً لكل الحكومات المتعاقبة.
يقول السحيمي: لقد سبق للوزير السابق، سعيد أمزازي، وضع مجموعة من الأسس كالبكالوريوس، ومجموعة من الإجراءات من أجل إرساء الإصلاح الذي جاء به القانون الإطار.
حسب المتحدث فالوزير الجديد، عبد اللطيف ميراوي، تراجع عمَّا جاء به أمزازي؛ حيث سحب البكالوريوس وتراجع عن مشروع الأنوية الجامعية (الأنوية الجامعية عباة عن ملحقات جامعية تابعة ماليا وإدارياً وبيداغوجيا للكليات وهي عكس الكلية المتعدة التخصصات التي تتميز باستقلاليتها)؛ وهذا افتقار لإستراتيجية لتنزيل الاصلاح.
وِفق الفاعل التربوي، لا زال كل وزير يعتقد أن الإصلاح يرتبط بولايته الحكومية، وهذا معيق لتنزيل أي إصلاح لقطاع التربية والتكوين. إلى جانب عدم جعل العنصر البشري في صلب الإصلاح، حيث يتم تجاهل التلميذ والأستاذ، الأطر من إداريين، تقنيين، أطر التفتيش، التوجيه والتخطيط وغيرهم.
يتفق مُعظم الفاعلون التربويون على أن أزمة التعليم تكمن في أنها مرتبطة بشكل كبير بسياسات تعليمية مرحلية، في الوقت الذي يجب أن تكون هاته السياسات التعليمية قارة عوض السياسات التعليمية التي تنتهي مع كل وزير.