أسبوع في الأردن… سيرة التاريخ وهواجس الحاضر 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

أسبوع في الأردن… سيرة التاريخ وهواجس الحاضر 1/2

يتغزلون بالبتراء ويسمونها ”المدينة الوردية” نظرا للون صخورها، أو”عروس الصحراء”.
بداية اكتشاف واحدة من عجائب الدنيا مع “السيق”، المسار من مدخل البتراء إلى “الخزنة”، ساحر جدا، يمتد على طول كيلومتر ومئتي متر. كتل صخرية شاهقة وعملاقة، تشكل مسارا ملتويا تضيع فيه العين في الجمال.

”العمل يملأ الجيب. السفر يملأ الروح”.

مجهول

في عالم يتهافت فيه الناس على السعادة، يمكن أن أنخرط في سياحة الهواجس… هكذا فكرت وأنا أرخي سمعي بخشوع لأردنيين يبوحون بمقتهم لإسرائيل، وهم يتأملون بمرارة ما يرونه أرضا لفلسطين، من نوافذ مدينة العقبة، ومياه البحر الميت.

رحلة إلى الأردن…

ماذا أقول بعد كل ما قيل؟ صراحة، أجدني محرجا!

ملايين من العيون ذرعت وادي رم، مريخ الأرض، لتسيح في رحابة الصحاري، وتنفد لجوهر الإنسان البدوي.

ملايين من الأجساد انبهرت وهي تلتوي في مشيها في معبر السيق في البتراء لتقتفي إرث الأنباط.

ملايين من العقول حارت وهي تكتشف أن مكانا مثل جبل القلعة يختزل تاريخا عريضا من العصر البرونزي إلى العصر العثماني.

رغم كل هذا، ألتمس لنفسي عذرا، ماذا عن الجوانب الحميمية للسفر في الأردن؟ ذلك الوعي الشرق-أوسطي الذي يغمرك وأنت تنصت للاجئين الفلسطينيين، والمهاجرين المصريين، والبدو في الصحاري، والمتهكمين من تاريخ “الثورة العربية الكبرى”.

سمع قلبي أكثر مما يحتمل من أجساد تعيش في الأردن وقلبها في فلسطين، واستمتعت كثيرا ببلد جعله تعاقب الحضارات متحفا عريضا في الهواء الطلق.. ينتشلك، ولو لوهلة، من تغول الحداثة والعمران.

من باريس إلى عماّن… بداية رمادية

كالعادة… سماء باريس غاضبة. جو يحرض بشاعرية على الكآبة.  قلبي أقرب للمدن المتمردة والصعلوكة مثل نابولي، وكازابلانكا، ومارسيليا. لذلك، تغمرني الغبطة عندما أغادر العواصم.

المدرج الروماني في عمان
المدرج الروماني في عمان

فوائد قوم عند قوم مصائب، تزامن مجيئي للأردن مع عودة المنتخب الأردني المحتفل بوصافة الكأس الآسيوية لكرة القدم. هذا الحدث الجلل جعل المسار القصير من المطار إلى وسط عمّان يمتد لأكثر من ساعتين ونصف بسبب الازدحام المروري.

حبا فيه، ارتأيت أن يستهل بطني الرحلة. البداية مع الأكلة الشعبية الأولى في الأردن: المنسف. يتشكل أساسا من اللحم، والأرز، ولبن المنسف.

المنسف، على غرار الكبسة، والرفيسة بـ”الكورداس” (المغربية) (مزيج من اللحم والشحم والكثير من التوابل)، يندرج في لائحة الوجبات-القنابل، الأطباق التي تشعر بعد الانتهاء منها أن جسما دخيلا يعشش في معدتك. رغم تحذيرات الأطباء، يمكنني أن أحاججهم بشعار: الانتصار اللحظي للغرائز أهم من التفكير في الرهانات الصحية للمستقبل.

كان الليل مطبقا عندما عرّجت على شارع   الرينبو Rainbow. يرفل بمقاهٍ ومحلات عصرية. له حمولة تاريخية لاحتوائه على مبانٍ عريقة، وأسواق قديمة.

شعرت بالمرارة عندما قرأت “رام الله”، و ”عسقلان”، و”الشيخ جراح” المعلقة في الأعلى بالمحاذاة مع سلال.

ارتأيت شراء الشماغ الأحمر عوض الكوفية. أحمل القضية الفلسطينية في قلبي، لكنني أفضل عدم إظهار موقفي في الفضاء العام، لأنني لم أقدم شيئا ملموسا لدعم هذه القضية.

كثيرون ممن وشموا شي جيفارا، ويعتمرون الكوفية، ويلوحون بشعار النصر، لا يمكنهم إطلاق رصاصة واحدة، أو كتابة سطر واحد في مشروع فكري ينتصر لقضاياهم!

زيارة البتراء… متعة عجائب الدنيا

أحيانا، تتمادى الحياة في العبث لتذكرنا أنها أقوى منا: أخبرني سائقو التاكسي في البتراء أن إسرائيل (الدولة التي يلعنها الأردنيون كل يوم) تساهم في إنعاش السياحية عبر وكالات أسفارها التي تقترح على زوار الدولة العبرية زيارة للبتراء.  الحرب في غزة أثرت كثيرا على القطاع السياحي في البلد.

يتغزلون بالبتراء ويسمونها ”المدينة الوردية” نظرا للون صخورها، أو”عروس الصحراء”. بداية اكتشاف واحدة من عجائب الدنيا مع “السيق”، المسار من مدخل البتراء إلى “الخزنة”، ساحر جدا، يمتد على طول كيلومتر ومئتي متر. كتل صخرية شاهقة وعملاقة، تشكل مسارا ملتويا تضيع فيه العين في الجمال.

المرحلة الشاقة هي تسلق الكتل الصخرية لمدى ساعة للوصول إلى الدير، ثاني أشهر معالم البتراء. حتى على بعد أمتار من الوصول، سيخبرك البائعون أن الركوب على الحمار سيوصلك بسرعة البرق. أقّدر رفض معظم السياح لهذه الفكرة بسبب ظروف عيش ومعاملة هذا الحيوان، وهو الأمر الذي لاحظته أيضا عندما زرت الأهرامات.

تحظى البتراء بمعالم أخرى مثل المعبد الكبير، والمذبح، وقصر البنت.

عند العودة للفندق، واصلت اكتشاف المطبخ الأردني مع ”المقلوبة”، طبق صحي مقارنة مع نظيره المنسف. يتشكل من الأرز والخضر والدجاج.

وادي رم… سحر الصحراء

بعد أن أفشي لهم بجنسيتي، يتجاسر علي البعض (كلهم “عرب”)، ويسهب في الحديث عن السحر، والمغربيات و… الأمر لا علاقة له بحرية التعبير، بل أقرب للتنطع والوقاحة.

استقبلني سلمان، صاحب الفندق-المخيم بطيبوبة وكرم، يتنسب لعائلة بدوية عريقة. حديثه فيه مزيج من الزهد والدقة، دون ذلك التكلف والمجاملات الزائفة التي يتفنن فيها بعض سكان المدن.

الغرفة الفندقية هي خيمة منثورة وسط مخيم تحتضنه جبال شاهقة. افتح الباب وستحييك النجوم من السماء.لا أنترنيت ولا شبكة. فرصة لـ “يستمع الإنسان لعظامه” وأفكاره وذكرياته.

تمرغت خلف سيارة “الجيب” لسلمان، وبدأنا نخترق صحراء وادي رم. يتهافت السياح -وأنا واحد منهم-لالتقاط الصور مع الأقواس الساحرة للمكان، أو التزحلق في جبل الرمال كأطفال أشقياء. يتمتع المكان بتضاريس هائلة يشبهونها بتلك المتواجدة في القمر. من أبرز معالمه: جسر البردة، ومواقع تصوير فيلم “لورنس العرب”.

برد الصحراء قاسٍ… استشعرت فيه أن ملابسي وأغطيتي شفافة أمام غزوات الرياح.

ارتأيت أن يرافقني عبد الرحمان منيف وروايته “الأشجار واغتيال مرزوق”. دأبت، في رحلاتي، على اختيار الكبار من طينة كونديرا ومنيف. الأمر أشبه بأن ترافقك حبيبة، شاعرة وآسرة.

كان جورج وسوف يبعث بنسمات الحب، عندما انخرطت في الحديث مع مصري من الصعيد هاجر للأردن بحثا عن لقمة العيش. عندما يعيش الرجل أكثر مما يجب، تصير نظراته حادة ونافدة. حدثني عبد الرحمان عن ثقافة الثأر في الصعيد، والتكلفة الباهظة للزواج، وتفضيل الصعيديين للزواج من أبناء جلدتهم.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *