المرأة الأردنية والنّرجيلة: هل يمكن أن يكون “تدخين الشيشا” معياراً قيميًّا للمساواة؟ - Marayana - مرايانا
×
×

المرأة الأردنية والنّرجيلة: هل يمكن أن يكون “تدخين الشيشا” معياراً قيميًّا للمساواة؟

هل المرأة الأردنيّة، بتدخينها للأرجيلة، تنفلت من توقيعات الوصاية التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى في مجتمعات الشرق الأوسط؟ وهل تدخين الشيشا بكل حرية يعدّ مساواة داخل نسق يرى الأمر عاديا في جزء كبير منه؟

… قد يكون الأمر محزنا، أن نبحث عن صورة لتحرر المرأة الأردنية، فلا نجد غير التدخين.. لا نجد غير عملية تدمير للذّات، في صورة تدخين يقضي رويدا رويدا على أكثر أجهزة الجسم الإنساني حيويةً: الرئتان.

من أكثر المشاهد التي تشدّ مغربيا يزور الأردن لأول مرّة، هو الشراهة التي يتميز بها الأردنيون في التدخين بشتى أشكاله. بمجرد ولوج مقهى ما في “وسط البلد”، ستجد على الأقل ثلاثة نساء أو أكثر تدخّن الأرجيلة: بمفردهنّ أو بصحبة أزواجهنّ وبحضور أطفالهن. يفتح هذا عين الزائر من بلدان المغرب الكبير على مجموعة من التّساؤلات: كيف تدخّن المرأة الأردنية “الشيشا” بمعية زوجها؟ أو الأخت بصحبة شقيقها؟

حين تسأل، يقولون “إنها ثقافة معروفة بالأردن، وأنّ ثمة عائلات أردنيّة تنفقُ في الأرجيلة أكثر ممّا تنفقه في الأكل والشّرب”. هذا يدفع للتّساؤل مجدداً: هل المرأة الأردنيّة، بهذا السلوك، تنفلت من توقيعات الوصاية التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى في مجتمعات الشرق الأوسط؟ وهل تدخين الشيشا بكل حرية يعدّ مساواة داخل نسق يرى الأمر عاديا في جزء كبير منه؟

من جهة أخرى، قد يكون الأمر محزنا، أن نبحث عن صورة لتحرر المرأة الأردنية، فلا نجد غير التدخين.. لا نجد غير عملية تدمير للذّات، في صورة تدخين يقضي رويدا رويدا على أكثر أجهزة الجسم الإنساني حيويةً: الرئتان.

الأردنيات والشّيشة

هذا الروبورتاج الذي تنجزه مرايانا من العاصمة الأردنية عمان، ليس ابناً للأيديولوجيا، التي تنتصر لفكرةٍ ما، مهما كانت قدرتها على نسف الإنسان قوية. بمعنى آخر، ليس همّنا أن نصفّق للمرأة الأردنية التي تدخن، فقط لكونها تدخن، كإشارة على تحررها، لأن التحرر في الأصل، ثقافة لا علاقة لها بسلوكيات معينة كشرب الكحول أو التدخين. كثير من أعتى المحافظين، يشربون ويدخنون و… يفعلون كل شيء، في السر، كما بيّنا دوما في مرايانا. كما أن كثيرا من الحداثيين لا يشربون ولا يدخنون. الحداثة لا ترتبط إذن بالكحول أو الشيشة أو السجائر… لكن، أليس حريّا بنا، أن نترك هذه التفاصيل جانبا ونرصد العلاقة التي تجمع الأردنيات بالشيشة بحثا عن الروابط الأصلية الممكنة؟

رزان المومني، صحافيّة أردنية متخصصة في شؤون المرأة، تعتبر أنه من حيث الكمّ، “تبدو ثقافة النرجيلة منتشرة بشكل سلس وجميل في الأردن”؛ مشددةً أنه “من جهة أخرى لازالت هناك نظرة مجتمعية قديمة تجاه نرجيلة المرأة حصراً. نظرة بالضرورة سلبية وذكورية فيها الكثير من التنميط”.

توضح المومني في تصريحها لمرايانا معتبرةً أنّه في بعض الأوساط، خصوصا التقليدانية في التوجه الفكري والفقيرة من حيث الدخل الاقتصادي، “تكاد تسمع الشتائم المتعددة والصارخة حال سؤال جمع من الناس عن رأيهم بالفتاة التي تدخن النرجيلة. نجد هذا متفشيا في الأرياف وأطراف المدن والقرى بمختلف محافظات الأردن”.

غير أنّ كل هذا، حسب المومني، “لم يعطّل رغبة الأردنيات في فرض خياراتهن وأنماط العيش، التي يرغبن بها”، وتزيد المتحدثة قائلة إن “هذا الأمر بمثابة بشرى للسير نحو مجتمعات مدنية تحترم خيارات كل الناس، بما فيهم النّساء. لهذا، يبدو أنّ مختلف أشكال الوصاية، والتدخل التحكمي بخيارات النّساء في مجتمعاتنا… آن له أن يزول”.

تحكي الصّحافية المتخصصة في قضايا المرأة، أنّ الإعلام، الذي ينتصر للفكر القبلي العشائري في الأدرن، حاول في كثير من المرات أن يتطرق لهذه المسألة المتعلقة بالمرأة الأردنيّة والنّرجيلة، لكن ليس من باب صحيّ، مثلاً، يبين أضرارها على النساء كما على الرجال على حد سواء؛ بل من منطلق ميزوجيني يرى أن المرأة لا ينبغي أن تدخن الأرجيلة أصلاً”.

تقدم هنا المومني مثالاً لإحدى القنوات الأردنية الشهيرة التي استغلت وفاة امرأة أردنية بسبب النرجيلة بعنونة الخبر بسؤال يشي بالكثير من الذكورية المضمرة: “لماذا أصبح من الطبيعي رؤية فتاة تدخن النرجيلة؟”. هذا العنوان، تقول المتحدثة، جعل المشاهدين ينسون خبر الموت وسبب الموت الذي يهدد معظم الأردنيين، فصاروا يناقشون خيارات المرأة المتوفية، فخصّوها بوابل من الشتائم والكراهية والاضطهاد… حتى بعد موتها.

لننزل إلى الميدان ونرَ كيف يتمثل الناس ما قالته المومني. نتوجه نحو مقهى جفرا، أحد أشهر المقاهي في وسط البلد. نجد هناك نساء كثيرات يدخّن. تقصد مرايانا سيدة تدخن نرجيلة. يبدأ الحديث، ومن ثمّ الإفصاح عن كون هذه الثقافة غريبة عن المغرب، بلد الصحافي. ابتسمت السيدة ناهد (34 سنة)، ثمّ قالت: الأمر عاديّ عندنا. منذ كنت صغيرة، ووالدي يعدل الشّيشة وتجلس معه والدتي ويتناوبان عليها وهما يتبادلان أطراف الحديث. لكنني، شخصيا لا أكثر منها خوفا على صحتي.

تضيف ناهد، موضحة لمرايانا بأنّ هذا الوضع ليس متعلقا بالأردن حصراً، “بل أيضاً عائلتي في فلسطين تخبرني دوما أن النساء في العائلة يدخننها. وصديقاتي السوريات بدورهن يؤكدن ذلك في سوريا، ومؤخرا العراقيات. كلهن يشددن أنّ الأرجيلة صارت شيئا طريفاً يدوّن حكايات النساء، ليس المعاصرات فقط، بل أيضا بعض النساء التقليديات، كوالدتي التي تدخنها منذ سنوات طويلة”.

الشّيشة والحرية؟

فتاة أردنية أخرى، واسمها ياقوت (26 سنة)، تعتبر أنّ تدخينها للشيشة يدخل في صميم حريتها. تقول ياقوت ّ: “مسك الأرجيلة وتدخينها يشعرني بنوع من التحرر، من السيادة على ذاتي، ومن القدرة على تحمل مسؤولية كافة قراراتي”. كما تضيف: “أعي جيدا الضرر الصحيّ للنرجيلة، ولكنني لا أناقشه كثيراً، هذا ليس شيئا جديداً، فكافة علب السجائر مطبوع عليها أن “التدخين يقتل”. لهذا، هو قراري في النهاية إن اخترتُ… أن أموت”.

ياقوت فتاة محجّبة، لكنها تؤكد أنّ “تدخين الأرجيلة شيء، والحجاب شيء آخر، ولا يستدعي الخلط، كما يفعل الكثيرون هنا عندنا في الأردن، فتكون أسئلتهم مستفزة أحيانا: “لماذا أنت محجبة وتدخنين؟”. هذه الأسئلة، وفق تعبير ياقوت، هي تغاضي عن مجموعة من الحقائق، منها أنّ أمهاتنا، تأتين لتدخين النرجيلة بعد صلاة العشاء مثلاً. هي، إذن، محاولات فاشلة لربط الدين بالتدخين عموما وتدخين المرأة للنرجيلة على وجه الخصوص.

هل ياقوت تحررت فعلا من قبضة الجماعة؟ تجيب ياقوت: “الامتثال لأوامر الجماعة موضوع صار يحزم حقائبه ليغادر بلا رجعة”، وذلك لأنه، تقول المتحدثة، كثير من الإناث في الأردن صرن يقتحمن سوق الشغل، وبالتالي صرن تتمتعن بالاستقلال، يعني الحجر أو الإجهاز على خيارات النساء لم يعد شيئا متداولا كثيرا هنا في العاصمة عمان”. بالمقابل، توضح ياقوت، أنّ “النرجيلة أصلا ليست شيئا خطيرا مجتمعيا، وصار تدخينها نمطا مألوفا هنا في العاصمة حيث التمدن والتحضر والانفتاح على الحداثة”.

في النهاية، توضح يوقوت أنّ “الأرجيلة تعطي طعما خاصا لجلسات الحديث ومجامع السمر، سواء في العائلة أو بين الأصدقاء في المقهى. وهي ليست خشنة مثل السجائر، وتدخينها سهل، لذلك نقدم عليها نحن النساء”، وتضيف: “تدخين الفتاة للنرجيلة وخروجها مع صديقاتها والذهاب لمقاهي وسط البلد، هو ليس أمرا متاحا لكل أردنية، حتى لا نسقط في التعميم، فالأمر في النهاية يظل رهين درجة التكوين داخل المحيط العائلي ومدى التشبع بقيم الحرية واحترام خيارات الفتاة داخل الأسرة”.

لا ينبغي أن ننسى أنّ منظمة الصحة العالمية أوضحت في تقرير لها، صدر في نونبر 2022، أن “66.1% من الذكور الأردنيين يدخنون منتجات السجائر والأرجيلة، مما يعادل ثلثي ذكور المجتمع الأردني! بالإضافة إلى 16.4% يستخدمون السجائر الإلكترونية”. (لم تستطع مرايانا الحصول على أرقام بخصوص مختلف أشكال التدخين لدى النساء)

التقرير الذي بُني على نتائج مسح أجرته منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة الأردنية، بلغ إلى خلاصة أن الأردن هو الأول على مستوى العالم في نسبة التدخين بين الذكور في الفئة العمرية بين 18 إلى 69 عاما.

في التقرير، نجد شيئا أكده كثيرون ممن تواصلت معهم مرايانا في الأردن، وهو أن العائلة الأردنية تنفق شهريا على التدخين 73.6 دينار (104 دولارات)، وهو أكثر مما تنفقه كل عائلة على كل من الفاكهة (26.6 دينار)، والألبان والبيض (38.2 دينار)، والخضار والبقوليات (42.1 دينار) واللحوم والدواجن (50.4 دينار شهريا).

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *