عفراء علوي محمدي تكتب عن مغربيات الخليج: حين سقطت مُشجِّعات ضحايا للتَّشهير والوصم - Marayana - مرايانا
×
×

عفراء علوي محمدي تكتب عن مغربيات الخليج: حين سقطت مُشجِّعات ضحايا للتَّشهير والوصم

أسترجع وأستحضر كيف سقطت مشجِّعات مغربيَّات ضحايا للتَّشهير والوصم، بأبشع الصُّور، خلال مباراة كانت قد جمعت المنتخب المغربيَّ بنظيره الجورجيِّ بالإمارات

أثناء تصفُّحي لموقع “مرايانا”، أولاً من باب الإعجاب بمحتواه الذي يتوافق وقناعاتي بشكل كبير، وثانياً لإشباع غريزة الفضول في نفسي بعد أن شاركت فيه بمقال أول بمناسبة 8 مارس، صادفت روبروتاجاً غنياً ومتكاملاً حول الصُّور النَّمطية والتُّهم الجاهزة التي تُلاحق المغربيَّات اللَّواتي يقطنَّ ويشتغلن بدول الخليج، فعُدت أسترجع وأستحضر كيف سقطت مشجِّعات مغربيَّات ضحايا للتَّشهير والوصم، بأبشع الصُّور، خلال مباراة كانت قد جمعت المنتخب المغربيَّ بنظيره الجورجيِّ بالإمارات.

إتِّهامات باطلة، وقذف في الأعراض مجاناً، وتشهير، وبَذاءة، كلها سمات اتَّصفت بها منشورات لـ“ميزوجينيِّين”، في تعليقهم على صور المشجِّعات، معتبرين أنَّ وجودهنَّ بمدرَّجات الملعب الإماراتيَّ يُثبت، بما لا يدعو معه مجالاً للشَّكِّ، امتهانهُّنَّ للجنس هناك.

لنتأمَّل جيِّداً هذا المعطى الوارد في تقرير لمنظَّمة العمل الدَّولية: “يشكِّل العُمَّال المهاجرون غالبية سكان البحرين، وأكثر من 80 في المائة من سكان قطر والإمارات، بينما يمثِّل العمَّال المهاجرون أكثر من 95 في المائة من القوى العاملة في قطاعي البناء والعمل المنزلي في دول الخليج”.

يُستفاد من هذه الأرقام، الصَّحيحة والموثوقة، أن دول الخليج تُوفِّر مناصب شغل مهمَّة للمهاجرين، في مختلف المجالات ومهما كانت جنسيَّاتهم، ما يجعل نسبتهم أكبر بأضعاف من عدد السُّكان الأصليين، وهذا يعني أن ملايين المهاجرين، نساءً ورجالاً، يزاولون بشكل رسميٍّ مهناً متنوِّعةً في هاته الدول، بعقود عمل مؤقَّتة أو مستديمة؛ ومنهم، بطبيعة الحال، مهاجرون كُثر من الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بالتَّالي، بأَيِّ وجه حقٍّ يسْخر هؤلاء المعلِّقون من المغربيَّات لأنَّهنَّ حاضرات في المدرَّجات الإماراتية لتشجيع المنتخب؟ أيُّ ضمير جعلهم يحكمون عليهنَّ ويتهمونهنَّ بامتهان الجنس فقط لتواجدهنَّ بالخليج؟ أيَّة قذارة دفعتهم لوصم هؤلاء المشجعات وغضِّ الطَّرف عن المشجِّعين الذكور الذين ليس من المستبعد أن يمارسوا، بدورهم، مهناً جنسيَّةً؟

لن نُنكر أنَّ النُّعوت الشَّنيعة تلاحق الفتيات حتَّى داخل الوطن، لتقضَّ مضجعهنَّ في كلِّ وقت وحين، بسبب لباسهنَّ أو شكلهنَّ أو طريقة تعاملهنَّ أو جلوسهنَّ بالمقهى والمطاعم أو “عنوستهنَّ” المفترضة أو طلاقهنَّ أو سكنهنَّ بمفردهنَّ أو اختيارهنَّ الدِّراسة أو العمل بعيداً عن أسرهنَّ، فما بالكم بما سيقوله الذُّكوريون عن أخريات غادرن تراب البلاد للعمل في دول الخليج، والتي عُرف بعضها بانتشار شبكات وفضاءات لامتهان الجنس؟!

أعتقد أنَّ الأوان قد حان للتعامل بصرامة مع مثل هذه التعليقات العنصرية والتمييزية ضدَّ النساء، سواء في الفضاءات الرَّقمية أو الواقعية، مع الضَّرب بيد من حديد على كلُّ من سولت له نفسه إهانة المرأة والحط من كرامتها واعتبارها سلعةً جنسيةً، حتى وإن تعلق الأمر بالنِّساء أنفسهنَّ، اللواتي يتفاعل جزء كبير منهنَّ بسخرية واستهزاء مع هذه المنشورات، مع تزكية مضمونها، عوض استهجانها واستنكارها.

آن الأوان للاعتراف، أيضا، وبعد مرور خمس سنوات من التَّطبيق، بأنَّ القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضدَّ النِّساء يحتاج تعديلاً جذريا وشاملاً. خمس سنوات كانت مدةً كافيةً لتظهر ثغراته وهفواته، وليتضح جليّاً أنَّه قليل النَّجاعة في محاربة السُّلوكيات التَّمييزيَّة ضدَّ المرأة، خصوصاً بمواقع التَّواصل الاجتماعيِّ التي تَستفحل فيها الصُّور النَّمطية المهينة لها، بشكل غير عاديٍّ يصعب قياسه.

تقع المرأة ضحيَّة كلُّ هذا البؤس التَّمييزيِّ، لتعاني من تبعاته المدمِّرة على نفسيتها، في الوقت الذي كان من الممكن أن يكون القانون حلاً مانعاً لحمايتها وصون كرامتها، من خلال تحريك متابعات صارمة وفق أحكام تتضمن عقوبات زجريَّة رادعة، ووفق مساطرَ واضحة وغير معقَّدة، للقضاء على كل التصوُّرات المجتمعية الرِّجعية التي تحطُّ من قيمة المرأة، وتختزل مكانتها الاجتماعية في الجنس والتَّبعية للرجل وخدمته.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *