مغربيات الخليج: ناجحات… بتهمة جاهزة - Marayana - مرايانا
×
×

مغربيات الخليج: ناجحات… بتهمة جاهزة

الحلقة المفقودة في حكاية النّساء المغربيات في الخليج هو غياب الإحصائيات الرسمية حول عدد المغربيات في دول الشرق الأوسط، وما هي أصولهن الاجتماعية وما المهن الذي يمتهننها هناك، لأن الإحصائيات هي التي من شأنها أن تساعدنا على الفهم، وتبين أي حضور للمغربيات يغلب في الخليج.
المشكل الآخر، هو أنّ المقاربة الأخلاقية استبدّت بهذا الموضوع، وتمّ إغفال المقاربة الحقوقية، بما أنّ أولئك النساء مغربيات قد تتعرضن للاستغلال وعلى الدّولة المغربيّة توفير الحماية الجسديّة والمعنويّة والقانونية لهنّ، أينما كنّ.

قبل مدة، دارت فعاليات كأس العالم بالدوحة بقطر، ورأينا المغربيات المقيمات بدول الخليج، إلى جانب نساء مغربيات قدمن من كلّ حدب وصوب، يحضرن الملاعب لتشجيع المنتخب المغربي. بدين متحمّسات متزينات بألوان الزيّ الرياضي الوطني. يقفن بالمدرجات يحملن علم المملكة المغربية باعتزاز؛ لكن هل هذا كلّ ما في الحكاية؟

لا، لم تنته حكايتنا هنا، لعلها لم تبدأ بعد…

ثمّة حكاية بشعة على الهامش…وأصلها، أن المغربيات المقيمات بالخليج، لم تتخلصن بعد من نظرة تقزيمية -ومشكلتها أنها إطلاقية-، ترى في إقامة المرأة المغربية في دولة من دول الخليج… مسألة “جنسية” خالصة.

سمعة تكرست في المغرب؟

نتستهلّ الولوج إلى عالم المغربيات في دول الخليج، بكوثر (28 سنة)، وهي صحافية بموقع قناة سكاي نيوز عربي بدبي. تقول كوثر بأمل كبير إنّ الصورة النمطية موجودة، لكنها آخذة، عمليًّا، في الخفوت والتراجع، لأنّ اقتحام المغربيات لهذه الدّول المشرقية شكل إضافات نوعية لتنوع المجتمع وغناه وتعدد روافده؛ وأيضا ساهم في اقتصاد هذه البلدان وفي حركيتها بشكل ملموس. المغربيات اليوم هنّ رائدات أعمال ومثقفات وفنانات وإعلاميات ومهندسات ودكتورات ومحاميات، إلخ،. إنهن تتواجدن في مختلف المهن التي تخطر على البال. لقد سجلن تفوقا تاريخيا لا يحاكم النظرة السطحية عن المغربيات فحسب، بل ينسفها من الداخل.

بالنسبة لكوثر، فإنّ الصورة النّمطية التّقزيمية التي تعتبر المغربيات مهنيات جنس أو مشعوذات، إلخ،  كانت تنتج في هذه الدول في البداية، قبل أن تتغذى في أرضنا وتتكرّس في بلدنا وتُدار من طرف بني جلدتنا. المغاربة حوّلوا عمل المغربيات في الخليج إلى “وكر للدعارة” وليس شيئا آخر، وهذا ما يبرز أنّ الجيل الحالي بدوره يحمل ترسبات هذه الصورة، لأنها ظلّت تستهلك بشكل لا يمكن نهائيا المسّ بـ”صدقيته”. وحده المجيء إلى هذه الدول ورؤية المغربيات تتفوقن في مختلف المجالات، حتى الأَمْنية منها أو الأكثر حساسية، من شأنه أن ينصف المرأة المغربية العاملة هنا.

أمّا ليلى (32 سنة)، مغربية مشتغلة في صالون للتّجميل بالدوحة، فترى أنّ الظلم الذي يمارسه عليها المغاربة، نفسيّا، أقسى مئات المرّات من الحياة الصعبة التي تحياها يوميًّا بقطر. تحكي ليلى لمرايانا بألم: المغاربة يظنون الأموال تتقاطر في هذه الدول. هذه صورة نمطية أيضا لا تقلّ خطورة، لأنها وهم كبير يعيش عليه معظم المغاربة. أشتغل بكفالة، ومشغلي يحجز جواز سفري ووثائقي كلها ويمكنه طردي في أي وقت وإرسالي للمغرب أيضا إذا أراد ذلك. أنا هنا بلا حرية، وأشتغل بثمن بخس (2500 ريال قطري، ما يقابل 6000 درهم مغربية).

“كنت أشتغل بصالونات تمارة. الأثمنة أقل بكثير من أجرتي الحالية هنا بالدوحة. مشغلي يوفر لي السكن؛ وهو ما يجعل المصاريف تقلّ، لكن تكاليف الحياة مرتفعة جدا، وأجرتي بالكاد تكفي. أعيل أسرتي، ومع ذلك، فالمغاربة يحطموننا مجانا، ويعتبروننا “عاهرات” لأننا ذهبنا للاشتغال بالخليج. لا أخفي أنني في مواقف كثيرة أدعي أنني أشتغل في بلد آخر خوفا من الأحكام المسبقة، لأنّ النّظرات تتغير بمجرد القول بأنني أقطن بدولة من دول المشرق. وحين أكون بقطر، أدعي مجددا الانتماء لبلد آخر غير المغرب، توجسا من الصورة الجاهزة في أذهان الخليجيين عنا. الأمرُ ليس سهلاً إطلاقاً”، تقول ليلى.

المشكلة في رأي المتحدثة أنّ “التّرويج لهذه الصّور هو تهريب للنقاش من عمقه. يعني أنه بدل الحديث عن سوء الأوضاع الداخلية بالمغرب وهزالة الأجور وانعدام فرص الشغل الجيدة، إلخ، وعوض التساؤل عن سبب “الهروب” نحو أي بلد كيفما كان بالخليج أو بأوروبا أو حتى تركيا، يتم تجاوز مشاكل التنمية ضمنيًّا، ثمّ يلقون باللائمة صريحا علينا: لقد ذهبن لاحتراف “البغاء” في الخليج. هذه البلدان ليست أفضل من بلدي إلاّ من حيث الدخل، فلا هي تحترم الكرامة الإنسانية ولا هم يحزنون. الإمارات، ربما، أفضل لأن هناك شعوبا من كلّ البلدان ولأن الآفاق امتزجت حتى اقتربت دبي من العواصم الأوروبية على مستوى المزيج الثقافي. لكن الأمر غير ذلك في الدوحة وبقية دول الخليج”.

المغربيات في كلّ مكان

نتحدث إلى بشرى (36 سنة) من مراكش. تقطن بشرى بالرياض بالمملكة العربية السعودية. تعيدنا إلى بداياتها بالهجرة التي امتدت لعشر سنوات ونيف، حين كانت حينها الصّورة النمطية أكثر حدة من اليوم، لأنه وقتها، كانت هناك مغربيات ضحايا للاتجار الدولي بالبشر، وكانت هناك مغربيات أيضا جئن إلى هذه الدول بحثا عن عروض “مذهلة” مقابل بيع أجسادهنّ للخليجيين. لكني وجدت أنّ هناك تزييفا خطيرا للوعي، لأنه ليس المغربيات من تحترفن الجنس حصرا هنا، بل نساء من كلّ البلدان وتحملن كلّ الجنسيات. حينها، بدأت أتساءل: لماذا يسقط كلّ هذا الظلم على المغربيات، فقط؟

بالنسبة لبشرى، التي تشتغل محاسبة في شركة سعودية، فإنّ هذا الظلم الرمزي والنفسيّ تعمّق بسبب حالات معزولة تم رصدها قبل عقود أو لازالت موجودة لنساء محترفات. لكن، لغاية ما، تحولت إلى ظاهرة، أو إلى أصل: وكأن معظم المغربيات يأتين للخليج من أجل الجنس، وأن الاستثناء هو أولئك المغربيات الناجحات في مهن أخرى.

“بيد أنه، في اعتقادي، هذه المفارقة مجحفة أكثر، لأنها ترهن أغلبية المغربيات بالصورة الجاهزة في الأذهان عنهنّ؛ بينما عيشي كلّ هذه السّنين أثبت لي أنّها غير صحيحة. أصادف بروفيلات مختلفة لمغربيات في شتى هذه الدول، في الكويت والبحرين وقطر والسعودية والإمارات، إلخ… صادفتُ أيضا مغربيات تُلقين دروسا دينية، ونساء في مناصب دبلوماسية عليا… المغربيات في كلّ مكان، لسبب وحيد، وهو كفاءتهنّ”، تفيد بشرى.

فاطمة الزهراء (24 سنة) طالبة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، تقول إنها كانت تظنّ في البداية أنّ عملية الاندماج، “بمجتمع يحمل كثيرا من الأفكار الجاهزة عني كمغربية، ستكون صعبة أو مستحيلة؛ لأن الأمر يدخل في نطاق الكرامة بشكل عام. حين تمّ قبولي بالمعهد، فكرت جيدا، وعائلتي وأصدقائي طلبوا مني البحث عن جامعة داخل بلد أوروبي، نظرا للعلاقة النفسية المتأزمة بين المرأة المغربية ودول الخليج”.

تتحدث فاطمة الزهراء بحرقة: أخبرني أهلي وأصدقائي وزملائي أنّ كلّ خليجيّ سيعتبرني بائعة جنس إلى أن يثبت العكس، وسيعاملني على هذا الأساس، نظرا لكونهم يعتقدون أنني قادمة أصلا لتلك الغايات. غير أني حين تشجّعت وجئتُ، لكي أثبت كفاءة المغربيات أكاديميا وأنه تمّ قبولي، وجدت الحياة ليس كما يروّج لها. الناس يعاملونني باحترام أنا وزميلاتي المغربيات. أعتقد أنّ تلك الصورة توجد عندنا نحن فقط.

بكثير من الفخر، تنقلنا محدثنا إلى دهاليز الدراسة حيث “نحمل نحن المغاربة علم المغرب في الأنشطة الجامعية، ونعتزّ جدا بانتمائنا. نحاول تمثيل بلدنا وتقديم نموذج للمرأة المغربية في بلدان إقامتنا. نحن من سنصحح المغالطات النظرية عنا والتعميمات التي لا أسس لها في الواقع الموضوعي. نحن الآن نتواجد بمئات المغربيات في مختلف التّخصصات والأسلاك. كما أجد أنّ فوز مدرسة مغربية مؤخراً بتحدي القراءة العربي، وفوز مريم أمجون في سنة 2018 بلقب بطلة تحدي القراءة العربي، هي نقط ضوء داخل الظلام.

هذه الألقاب، إضافة إلى إقبال إعلاميين بالخليج على استضافة باحثات مغربيات، تعدّها المتحدثة “بمثابة صورة أخرى للمغاربة وللمغربيات، ستتشكل رغما عن الكلّ، في أذهان الخليجيين. كذلك، في الواقع، فأنا أرصد في معيشي اليومي ومع زملائي الطلبة الخليجيين تقديرا خاصًّا جدا، ويعبّرون عن رغبتهم لزيارة المغرب ولاكتشاف ثقافة المملكة المغربية. بيع الجنس موجود في كلّ مكان بالعالم، وليس هناك بلد أكثر من بلد إلاّ من حيثُ البروباغاندا التي تحدث”.

في النهاية، ترى فاطمة الزهراء إنّه من الضروري الترويج لنجاح المغربيات في دول المشرق، باعتباره الردّ الأقوى على كلّ الاتهامات الباطلة التي ترسبت في أذهان المجتمعات “العربية” بشكل عام. تلك السردية التي ظلت تقول إنّ المرأة المغربية أقل كفاءة ولا تحسن الاشتغال إلا عبر جسدها انتهت ولم يعد لها وجود، ولم يكن لها وجود أساسا\ بل كان هناك تعميم مرضيّ وترويج خاطئ لأشياء في حد ذاتها خاطئة.

صورة مجحفة… بلا أسس؟

الباحث السوسيولوجي عزيز مشواط ينظر إلى الأمر نظرة موضوعية بحتة، حيث يمعن في إدراج هجرة المغربيات نحو الخليج، في سياق هجرة تم تسجيلها حتى داخل المغرب من بيئة إلى أخرى. وهذه الهجرات كانت دائما محكومة بهاجس البحث عن فرص عيش أفضل أو البحث عن مدخول أكبر؛ بمعنى أن الغاية تبقى اقتصادية محضة. كما أنّ هذه الهجرة تكون في الأصل مصحوبة بالرغبة في الاستقلال، وإلا لن تتم. لذلك هي رهينة بفردانية ناشئة، إن شئنا، سيما أنها تعكس المستوى الذي بلغته المرأة المهاجرة من التّحرر.

الفرضية التي يمكن الانطلاق منها، وفق ما أفاده مشواط لمرايانا، هو أنه، بعد الانفتاح على فرص العمل في الخارج وكذلك تغير شكل الحياة وارتفاع مستوى الوعي عند النساء بعد حصولهنّ على حقهن في التعليم، ولجن سوق الشغل في فضاء ما داخل بلدهنّ. بعضهن وجدن الأمر مسيّجا إما اجتماعيا أو اقتصاديا، فقرّرن التنقيب عن فضاءات أخرى ممكنة تمنحهنّ حياة أجود بشروط أفضل، والمغربية في هذه الحالات تذهب لأوروبا ودول الخليج ومؤخرا تركيا، خاصة أنّ دول الخليج تقدم عروضا ممتازة وتضمن، أحيانا، نمط عيش ممتاز!

مشواط يجد أنّ الحلقة المفقودة في حكاية النّساء المغربيات في الخليج هو غياب الإحصائيات الرسمية حول عدد المغربيات في دول الشرق الأوسط، وما هي أصولهن الاجتماعية وما المهن التي يمتهننها هناك، لأن الإحصائيات هي التي من شأنها أن تساعدنا على الفهم، وتبين أي حضور للمغربيات يغلب في الخليج. كما أنّ المشكل الآخر، هو أنّ المقاربة الأخلاقية استبدّت بهذا الموضوع، وتمّ إغفال المقاربة الحقوقية، بما أنّ أولئك النساء مغربيات قد تتعرضن للاستغلال وعلى الدّولة المغربيّة توفير الحماية الجسديّة والمعنويّة والقانونية لهنّ، أينما كنّ.

لذلك، يبقى السؤال المطروح دائما هو: ما دور الدولة المغربية في هذا الملف؟

تعليقات

  1. faouzi

    good

  2. ahmed

    good

  3. BEROUAM

    GOOOOOOD

  4. ZAKARIA ben

    nadi and good

  5. Abdelaaziz

    top

  6. nabil

    good

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *