هواة التصوير الفوتوغرافي: فنانون بالفطرة، محبون للحياة… ،موثقون لِلَّحظات 2/1 - Marayana - مرايانا
×
×

هواة التصوير الفوتوغرافي: فنانون بالفطرة، محبون للحياة… ،موثقون لِلَّحظات 2/1

إن الصورة هي الحركة التي ينظر إليها من وجهها المزدوج: هي ارتحال أجزاء من مجموع يمتد في المكان، وهي تغير يحدث في كل يتحول في الديمومة.

تجدهم في الساحات العمومية، في المناطق الأثرية والسياحية، وأحيانا في الجبال، يحملون كاميرا أو اثنتين. يلتقطون صوراً أفرادا وجماعات. قد يستوقفك أحيانا في الشارع، يطلب منك السماح له بأخذ صور…

فن جديد قديم اهتم به شباب، وجدوا في الكاميرا رفقة آسرة. صارت بالنسبة لهم الصورة رسالة، شأنها شأن القصيدة عند الشاعر والكلمة عند الأديب.

كثيرة هي المرجعيات التي تُعرف الصورة، نورد منها ما أورده جاك آمون، كونها نسخة عن مظهر من مظاهر العالم، يلتقطها الفنان أو شخص آخر، برهافة إحساس لينقل لنا معلومات ومشاعر. الصورة صنع العالم، وإذا ما توجهنا إلى هواة الستريت فوتوغراف فسنجد أنفسنا أمام تعاريفَ كثيرة، كل منهم يؤولها حسب نظرته للحياة.

بعث وإحياء وملاذ آمن

عبد السلام وْحايا، مصور فوتوغرافي من بوتفردة (إقليم بني ملال)، مولع بالتصوير. قبل أن يمتلك كاميرا، بدأ التصوير بالهاتف، هكذا وصف عبد السلام لمرايانا بداياته الأولى مع الكاميرا، التصوير عنده ممارسة يُفرغ عبرها طاقته السلبية، علاج نفسي.

يقول عبد السلام، التصوير يجعلك تولد كل يوم من جديد، تتعرف على عقليات المارة، يجمعك بالشرطي، الطبيب، العامل، إلى جانب أجناسَ أخرى. اليومَ تكونت لدي قناعة حول عقليات مختلفة. لقد مكنني التصوير من الانفتاح أكثر. يورد المتحدث: “لا ألتقط الصور فقط، بل أحاول أن أتعرف على موضوع الصورة، أتعرف على الأشخاص عن قرب، أكتشف تجاربهم، أستفيد منهم على الرغم من وجود بعض العراقيل إلا أنها في حد ذاتها دروس لي”.

في ذات المنحى، يُحاول زكرياء جعفاري، مصور فوتوغرافي من مدينة زاوية الشيخ، تعريفَ التصوير بكونه شبيهاً بالمسرح، بفنون كثيرة. يتكون بداية في مخيلة الفنان/ المصور لينطلق في ترجمة الإبداع والفكرة على أرض الواقع. الانطلاق من الموضوع وفهمه وقراءة أبعاده ضرورة ملحة، كل هذا لإخراج صورة مفعمة بالحياة وإيقاف لحظة لتظل راسخة في الوجود.

خولة باكو، طالبة صحافية عاشقة للتصوير، ترى، في حديثها لمرايانا، أن التصوير يُعتبر “متنفَّسا يُساعدني على الإحساس بالانتماء للمجتمع الذي أعيش فيه، يُخوِّل لي إمكانية صقل ميكانيزمات الملاحظة وتحليل ما يراه الآخرون طبيعيا”. التصوير بالنسبة لخولة لا يعني تجميد اللحظة، بل إحياءها عن طريق مشاهديها وتعدُّدِ قراءاتها.

حب عذري

من ناحية أخرى، تقول يسرى، مصورة فوتوغرافية من الدار البيضاء، لمرايانا، إن التصوير فن تواجد على مر السنين. هو نقل للقصة، توثيق للحظة توثيق لما حدث ويحدث. التصوير عند يسرى وِفق حديثها لمرايانا هو شغف، ملجأ من مشاكل الحياة، عالم تحس فيه بالأمان، تعبر خلاله عن نفسك وأحاسيسك.

منعم ابن أحمد، مصور فوتوغرافي بتمارة، يعتبر، في المقابل، أنَّ التصوير الفوتوغرافي نوع من الحب، وفي نفس الوقت، وسيلة للتعبير عن هذا الحب. هو كذلك فن، شأنه شأن، الفنون الأخرى. لكن الفكرة الأساسية أن جميع الفنون، باختلاف مظاهرها، هي عبارة عن وسيلة ينقل بها الفنان ما بداخله إلى المتلقي أو الجمهور ويجعله يشعر بأحاسيسَ معينة، وهُنا يُخلق جسر من التواصل ينبعُ من الإحساس الذي وصل له المصور أو الشاعر أو الأديب.

إذا أردنا النظر إلى الصورة كتجريد، فإن لدى سعيد بن كراد قول مهم، قدمه في كتاب “سيميائيات الصورة الإشهارية”، حيث يعتبر أن: “للصورة مداخلها ومخارجها. لها أنماط للوجود وأنماط للتدليل. إنها نص، وككل النصوص تتحدد باعتبارها تنظيما خاصا لوحدات دلالية متجلية من خلال أشياء أو سلوكات أو كائنات في أوضاع متنوعة. إن التفاعل بين هذه العناصر وأشكال حضورها في الفضاء وفي الزمان يحدد العوالم الدلالية التي تحبل بها الصورة. فالصورة، خلافا للنص الذي يتوسل باللغة في إنتاج مضامينه، لا تستند في إنتاج دلالاتها إلى عناصر أولية مالكة لمعاني سابقة (الكلمات مثلا)، وإنما تستند إلى تنظيم يستحضر الأسنن التي تحكم هذه الأشياء في بنيتها الأصلية”.

القاسم المشترك بين يسرى وخولة، وعبد السلام وزكرياء ومنعم؛ هو الحب: حب الصورة، حب الكاميرا وحب توثيق الحظة، لا يخلو تعريفهم لفن التصوير من معاني الحب والجمال وإيقاف اللحظة لتوثيقها، كما هو الحال بالنسبة للفن. أجمعوا أنه ممارسة فنية وكأن الصورة قطعة موسيقية أو ربما قصيدة شعرية.

قد نجد عند جيل دولوز ما يفيدنا في هذا الصدد! يقول الفيلسوف “إن الصورة هي الحركة التي ينظر إليها من وجهها المزدوج: هي ارتحال أجزاء من مجموع يمتد في المكان، وهي تغير يحدث في كل يتحول في الديمومة”، هكذا، يشكل لنا رأي جيل دولوز نوعا من الحضور “الطريف” و”العفوي” عند فناني الستريت فوتوغراف، حيث يعتبرونها ممتدة في الزمان والمكان، كما هو الحال بالنسبة ليسرى.

لقراءة الجزء الثاني: street photography: فنانون تطاردهم السلطة… وعامة الناس 2/2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *