street photography: فنانون تطاردهم السلطة… وعامة الناس 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

street photography: فنانون تطاردهم السلطة… وعامة الناس 2/2

أحب أن أعيش التجربة داخل الأحياء، الأسواق، الأماكن المجاورة، لأننا دائما ما نتخيَّل أن المميَّز بعيد منَّا، والعكس صحيح. المواضيع القريبة منَّا أكثر تميُّزا واِختلافا. يمكن أن يكون هذا التميُّز في وجهك، في تفاصيلك أنت؛ فلست مضطرا أن تخلق الإبداع عن طريق شخص آخر. تجربتي في التصوير تكاد تكون منفردة، أنطلق من نفسي كموضوع للتصوير؛ فاختيار المواضيع للتصوير لا يكون مدروسا قبلِيا بل وليد اللحظة. تختلف المواضيع باختلاف المصوِّر ونظرته الإبداعية. التصوير فن يحمل رسائل ويُعطي الإمكانية لفتح النقاشات الإبداعية وإيصال الإحساس ومشاركة الذوق الفني. يُساهم في توثيق الحياة المجتمعية لكل مكان

في الجزء الأول، رأينا كيف يُعرف هواة التصوير الصورة وكيف يبدو لهم مشهد ممارسة التصوير، كما تابعنا كيف جمعهم الحب والفن.

في هذا الجزء الثاني سنحاول الكشف عن أبعاد الصورة، وفهمهم لعملية التصوير، وكذا الإكراهات التي يُمكن أن تكون عائقا أمام استمرارهم.

يعتبر ريجيس دوبريه في كتابه “حياة الصورة وموتها” أنه ليست ثمة من صورة بريئة؛ لكن بالطبع، لا وجود لصورة آثمة، لأن من يفرض على نفسه شيئا من خلالها هم نحن، كما يضيف أن الصورة ليست ضارة بطبعها وإنما هي تغذي بجهد قليل أو كثير، نزوعا محاكاتيا لاشعوريا لدى المتفرجين. فكيف يعتبر المصورون الصورة؟ وكيف يختارون زواياها؟

الصورة: فلسفة وأرشفة وأنسنة

كيف يختار عبد السلام موضوعات الصور؟ يقول المتحدث: أحيانا لا يكون الشخص موضوع صورة وإنما لباسه، ثقافته، سلوكه؛ الدافع لاكتشاف عوالمه، وأخذ صور حسب رغبته. لا يمكن أن أصور أي موضوع أصادفه، فالتصوير فلسفة وفن. يختم عبد السلام بالقول” كي تلتقط صورة مُفعمة بالحياة، يلزمك إلهام وصبر ودقة. بعد هذا أتساءل أحيانا، هل أنا حقا صاحب الصورة؟

يسرى من جانبها، تعتبر أن كل صورة هي قصة، ولكل قصة فكرة. نلتقط الصورة بالعين قبل الكاميرا. وما يجعل الشيء أو الشخص جديرا بأن يكون موضوعاً، هو القصة التي تروى في المكان والزمان والإطار والمحيط.

أما خولة، فالتصوير جزء من يومها: “التصوير يُعتبر جزءاً من يومياتي، لأني أخاف أن تمرَّ لحظة دون توثيقها. الأرشفة فِعْل وجودي لديّ”. وعن ممارسة street photography تقول خولة إنه يجعلك على احتكاك دائم مع محيطك وتفاصيله. “التصوير هو محاولة عيش لأنك تكون مضطرا للخروج لأماكن عدَّة لأخذ اللقطات، حينها تستعمل كل ملكاتك من ملاحظة وتدقيق”.

زكرياء الذي كان يهوى ممارسة كرة القدم، حسب قوله، كانت ولادته الجديدة على يد الكاميرا. عبر التصوير، يتذوَّق أشياء كثيرة تبقى عالقة في الذاكرة.  يقول زكرياء: “حيثما كنت أحمل معي عدستي ألتقط بها مشاهد تلتقطها عدسة عيني المليئة بالألوان، وهذا يترجم على الصور التي التقطها. في الشارع، تجربة التصوير مختلفة، يمكن أن تحاور عابراً وفي النهاية تلتقط له صورا تكون ترجمة لحالته. التصوير في الشارع بالنسبة لي فلسفة. للصورة، ما قبلها وما بعدها”.

لمنعم مُقاربة هي الأخرى تكاد تكون فلسفية. يشبه لحظة التصوير برهبة الحب خلال اللحظة التي تختار فيها زوايا التصوير، يكون الحكم للموضوع، هو من يؤثر على أهمية اللحظة. رهبة بدايات التصوير شبيهة برهبة الاعتراف بالحب، تختلط المشاعر حينها… هو الشعور نفسه الذي تشعر به عن التقاط صور معينة.

نحو القداسة

تكاد يسرى ترتقي بالصورة إلى طابق القداسة العلوي…  تقول: “حين ألتقط صورة، أكون في لحظة خشوع، إحساس لا يوصف. تختلف الأحاسيس من صورة لأخرى، من موضوع لآخر، كل حسب الزمان والمكان. من الوهلة، يبدو التصوير بسيطا غير أنه من الصعب إحياء تلك الصورة الجامدة، الرهان هو أنسنة الصورة واللحظة”. تعتبر يسرى أن فلسفة الـ street photography هي نقل للحقيقة، الحياة اليومية أشياء لا تتغير مع مرور الزمن.

بالعودة لخولة، فهي، في حديثها لمرايانا، تقول: “أحب أن أعيش التجربة داخل الأحياء، الأسواق، الأماكن المجاورة، لأننا دائما ما نتخيَّل أن المميَّز بعيد منَّا، والعكس صحيح. المواضيع القريبة منَّا أكثر تميُّزا واِختلافا. يمكن أن يكون هذا التميُّز في وجهك، في تفاصيلك أنت؛ فلست مضطرا أن تخلق الإبداع عن طريق شخص آخر. تجربتي في التصوير تكاد تكون منفردة، أنطلق من نفسي كموضوع للتصوير؛ فاختيار المواضيع للتصوير لا يكون مدروسا قبلِيا بل وليد اللحظة. تختلف المواضيع باختلاف المصوِّر ونظرته الإبداعية. التصوير فن يحمل رسائل ويُعطي الإمكانية لفتح النقاشات الإبداعية وإيصال الإحساس ومشاركة الذوق الفني. يُساهم في توثيق الحياة المجتمعية لكل مكان”.

يتفق منعم مع خولة، ويضيف: وأنت تعبر في الشارع، قد تلمح عينك شخصا مميزا، يقودك ليكون موضوع صورة. ليس بالضرورة أن يكون معيار الجمال هو المميز، قد تكون ملامح الموضوع، الطاقة، شيء يلامس روح المصور. حين أجد هذه الأبعاد حاضرة، أسارع الزمن لأخذ صورة للذكرى.

من جهتها، ترى خولة إن الإحساس الذي يرافقها خلال رحلة التصوير يكون مغايرا عن المألوف، لأنَّه في لحظة التقاط الصورة، تحمل مسؤولية ترجمة أفكارها وتصوراتها الإبداعية عن طريق تلك الصورة، واقتناص اللقطة المناسبة من الزاوية المناسبة التي ستُقنِع خولة وتُشبِع انتظاراتها.

يرى منعم أن لكل صنف من الصور معايير: الأشخاص حسب الوجه وحسب حاجتك، والمعمار حسب الزوايا. القاسم المشترك هو شعور البحث، فضول البحث عن المُمَيَّز. لكن المشاعر الأقوى والأقرب لي هنا، يقول منعم، “هي حين ألتقط صورا لغرباء لا أعرفهم. تكون حينها لقطة لا يمكن تفويتها. هنا، يحصل لدي حديث داخلي بين الرغبة في التصوير وعدمها، إضافة إلى احتمال سيناريوهات، وهذا ما يعطي للحظة الرهبة والخشوع. كلما تملَّكتك مشاعر الخوف والرهبة، إلا وحصل التقارب بينك وبين المشهد الذي تعتزم تصويره. كلما ابتعدت عن التصوير تكون كالذي “اعتزل الغرام”… حينها، تكون عودته صعبة”.

صدام وعدم الاعتراف

عن الإكراهات، تقول خولة: “نتواجد داخل بيئة لا تتقبَّل منطق الفن، فالمنع لا يكون دائما بوليسيا. إذا كنت تريد أن تأخذ بورتريها لشخص ما مثلا، يجب أن تكون قادرا على إقناعه بذكر الأسباب التي جعلتك تختاره دون الآخرين، وغالبا محاولاتك هاته ستُقابل بالرفض التام المرافق بالشتائم. هذه التصرفات تفقِدني القدرة على إكمال ممارسة هوايتي. أما بالنسبة للمنع الذي يمكن التعرض له من طرف السلطات، فقد أصبح فعلا عاديا بالنسبة لي، لدرجة تصل إلى إخفاء آلة التصوير إذا كنت بالقرب من الشرطة، حتَّى وإن لم تكن لديك نية التصوير. فهذه الأفعال الجزرية التي تحدُّ من حرية الإبداع تجعلنا نحسُّ بعدم الانتماء لهذا المحيط وأنَّ إبداعنا مرفوض”.

في المقابل، يقول زكرياء إنه يجد أن هناك تباينا بين القبول والرفض عند طلب أخذ الصور، هناك من يرفض، بيد أن هناك فئة تقبل وفي كل الحالات يورد زكرياء: أتعامل مع كل شيء بلباقة، فالتصوير فن وأخلاق يجب أن يترجمه سلوك المصور.

حسب يسرى، هناك إكراهات بالجملة، منها نظرة الناس والتمييز. في المغرب، إذا كنت أجنبيا، لك الحق الكامل في التقاط الصور. لكن، إذا كنت مغربيا، فغالبا ما سيتم منعك، سواء من طرف السلطات أو الناس، وتبقى تلك النظرة الدونية تلاحقك… تعتقد أن ما تفعله مضيعة للوقت ولا يمت للفن بصلة.

تضيف المتحدثة أنه من الضروري أن يتم اعتبار التصوير الفوتوغرافي فنا قائما بذاته، خاصة بالمغرب، لأن العديد يجهلون هذا الفن. بالنسبة لهم، فإن الفن هو الرسم والموسيقى. أما بالنسبة للوزارة الوصية، فيسود الصمت حيال الموضوع، فضلا عن غياب دعم وغياب الاهتمام، من طرف وزارة الثقافة، بالتصوير الفوتوغرافي.

في النهاية، لابد من التذكير أن التصوير الفوتوغرافي يعدُّ فناً قائماً بذاته، خاصة بالمغرب. وإذا كان البعض يعتبره هواية، فإن فنانين ارتقوا به إلى درجة التسامي، حيث تصير الآلة الفوتوغرافية شيطانا يطارد معيش المغاربة تحت مظلة الستريت فوتوغرافي. فما أفق الحكاية؟ ربما، لا جواب في الأفق مادامت الوزارة الوصية يسودها نوع من الصمت حيال الموضوع.

لقراءة الجزء الأول: هواة التصوير الفوتوغرافي: فنانون بالفطرة، محبون للحياة… ،موثقون لِلَّحظات 2/1 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *