مجزرة صبرا وشتيلا… مرايانا تنبش في أكثر الجرائم بشاعة في القرن العشرين… 1\2
من البشاعة التي تنقل عن مجزرة صبرا وشتيلا أن “امرأة قتلت وهي تعد الطعام لأسرتها، وأسرة تَم رشها بالرصاص وهي تتناول طعامها، وبقيت الأطباق نصف ممتلئة، وفي بيت ثالث، وفي غرفة مظلمة، خمس جثث تلتصق ببعضها لرجل وامرأة وصبيين وطفل رضيع، قتلوا وهم نائمين فوق فراش على الأرض”…
طيلة ثلاث وأربعين ساعة، بدءاً من غروب يوم الخميس 16 شتنبر 1982، إلى غاية ظهر السبت 18 من نفس الشهر والسنة، كانت النساء، في مكان ما، تُطعنّ بالسّكاكين، والشّيوخ يذبحون والأطفال يقصفون بالقنابل والدبابات والمدرّعات.
كانت مذبحة صبرا وشتيلا، التي امتدت لثلاثٍ وأربعين ساعة، عنواناً للبشاعة وحازت بجدارة على توصيف “أكثر المجازر همجيةً في القرن العشرين”.
يقعُ حيّ صبرا ومخيم شتيلا في منطقة سكنية شعبية في مدينة بيروت اللبنانية، على مقربة من عدة أحياء صغيرة أخرى.
أدى نزوح الفلسطينيين إلى لبنان، منذ نكبة 1948 واحتلال فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل، إلى إعمارهم لمخيم شتيلا في قلب حي صبرا، حتى بات المخيم يحمل اسم “صبرا وشتيلا”.
في ذكرى هذه الجريمة مكتملة الأركان ضدّ الإنسانية، مرايانا تنبش في أحداث المجزرة.
سياق المجزرة
سنعتمد في هذا الباب على المعطيات الواردة في كتاب “صبرا وشتيلا – شتنبر 1982″، للباحثة الفلسطينية بيان نويهض الحوت، باعتباره من أهم المراجع، التي تطرّقت بالتفصيل لمجزرة صبرا وشتيلا.
تبدأ الحكاية قبل المجزرة بثلاثة أشهر، وتحديداً خلال السادس من يونيو 1982. حينها، أقدم الجيش الإسرائيلي على اجتياح لبنان من الجنوب حتى وصل إلى مشارف العاصمة بيروت وعمل على تطويقها برا و جوا، طيلة الأشهر الثلاثة.
شاهدة: “كان ابن عمي، وعمره 9 شهور، يبكي. فعلق أحدهم: لم أعد أطيق صوته، وأطلق النار على كتفه. بدأت أبكي، وقلت له: انه الوحيد الباقي من عائلتي. أخذه وقطعه من فوق رجليه نصفين”.
في الأدبيات السياسية العربية، تسمى هذه الحرب بـ“الاجتياح الغادر للبنان”، أو “الحرب الإسرائيلية- العربية السّادسة”، بينما أطلق عليها الجانب الإسرائيلي تسمية “عملية سلامة الجليل”.
الحرب ستضع أوزارها بُعيدَ اتفاقية قادَها المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، المنحدر من أصل لبناني، فشاعت الاتفاقية بين العوام باسمه.
النقطة الأساسية ضمن الاتفاقية، هي ترحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت نهائياً. تعهدّت الولايات المتحدة الأمريكية، بمعية بعض الدول الغربية، على أن تتكفل بنقلهم في حماية تامة لهم ولسلامتهم، وبالمقابل تأمين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد مغادرة مقاتليها.
التزَمت القيادة الفلسطينية بالاتفاقية، وبدأت عملية إجلاء المقاتلين بأسلحتهم منذ الحادي عشر من غشت 1982.
في الوقت الذي كان يغادر فيه المقاتلون بيروت تباعاً عبر البرّ والبحر، تحت أنظار فرنسية وإسرائيلية، كان اكتساح الكيان الصهيوني للبنان يزداد.
في الثالث والعشرين من غشت، تمّ انتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية، وهو زعيم “القوات اللبنانية” والقائد العسكري لحزب الكتائب، الذي تلقى دعما عسكريا وسياسيا من إسرائيل خلال الحرب الأهلية بلبنان منذ منتصف السّبعينات.
عمّ الخراب بيروت بسبب القصف الإسرائيلي وانقطاع الماء والكهرباء. وفي غضون ذلك، استمرّ الاحتفال بفوز الجميل بـ“بيروت الشرقية” وعمّ الغضب والرفض “بيروت الغربية”.
غادر المقاتلون دون معرفة الوجهة، يقتادون من منفى إلى آخر ومن مهجر إلى آخر، تاركين خلفهم ذويهم وحلم العودة لفلسطين والوطن… لكنّ السؤال الذي لم يطرح حينها: من سيحمي المخيمات بعد رحيل كل المقاتلين عن لبنان ورحيل القوات الإيطالية والفرنسية والأمريكية، التي رأت حينها أن مهمتها انتهت بخروج المقاتلين؟
تمّ اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، بعد تفجير مقر القوات اللبنانية في حي الأشرفية ببيروت الشرقية. بعد الاغتيال، حاصر الاحتلال الإسرائيلي بيروت من كلّ الجوانب، وطوّق مخيم صبرا وشتيلا الذي كان يضمّ فلسطينيين.
تذرّع الجيش الصهيوني بأنّ 2500 مقاتل فلسطيني لازالوا في بيروت ولم يغادروا. كانت هذه الذريعة الأولى لاحتلال بيروت، وبالتبع، إحكام القبضة على مخيم صبرا وشتيلا، في انتظار القضاء على هؤلاء المقاتلين.
أمّا الذريعة الثانية، والتي بثّتها وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ هناك “حمام دم” سيقع في بيروت الغربية بين مسيحيين ومسلمين، أي بين أنصار الرئيس المنتخب المقتول وعناصر الحركة الوطنية اللبنانية.
تشير الكاتبة بيان نويهض الحوت بأنّ شيئا من تنبؤات الجيش الإسرائيلي لم يحدث، فلم تقم أية حرب أهلية بين المسيحيين والمسلمين. بالموازاة، لم يتمّ العثور على أي من المقاتلين الـ2500 الذين ادعت إسرائيل وجودهم بلبنان، لا في مخيمات صبرا وشتيلا، ولا في بيروت الغربية كلّها.
لكن “حمام الدم” كان نبوءة صادقة… لكن، بعناصر مغايرة.
حمام الدم في النهاية، كان إشارة إلى المجزرة الفظيعة التي خطط لها وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون، ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال رفائيل (رفول) إيتان؛ والمفارقة أنه تمّ تنفيذها من طرف ميليشيا “القوات اللبنانية” وغيرها من الملشيات والعناصر المؤازرة لها… في حقّ سكّان مخيمات صبرا وشتيلا.
المجزرة: كثيرٌ من الوحشية!
بعد ظهر الأربعاء، أحاطت الدبابات بمخيمي صبرا وشتيلا وبدأت تطوّق المكان بالمدفعيات، بينما كان الجنود الإسرائيليون، ومعهم بعض الملشيات اللبنانية، يقومون بتفتيش البيوت المجاورة للمخيمات، ثم اتخذوا مواقع لهم في المباني القريبة والمطلة على المخيم. عند حلول الظلام، قطعت القوات الإسرائيلية التيار الكهربائي مجددا عن بيروت الغربية. [1]
تنقل بعض الأبحاث أنّ سكان المخيمات، حينها، وجدوا أنفسهم محاصرين بما يربو عن الـ150 دبابة و100 ناقلة جنود و14 عربة مدرعة تحمل مجموعة من المدافع المختلفة و20 جرافة (بلدورز). [2]
و… انطلقت المجزرة يوم الخميس الموالي، أي الذي يصادف 16 شتنبر 1982.
مجزرة فظيعة خطط لها وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون، ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال رفائيل (رفول) إيتان؛ وتمّ تنفيذها من طرف ميليشيا “القوات اللبنانية” وغيرها من الملشيات والعناصر المؤازرة لها… في حقّ سكّان مخيمات صبرا وشتيلا.
من البشاعة التي تنقل أنّ “امرأة قتلت وهي تعدّ الطعام لأسرتها، وأسرة تمّ رشّها بالرصاص وهي تتناول طعامها، وبقيت الأطباق نصف ممتلئة، وفي بيت ثالث، وفي غرفة مظلمة، خمس جثث تلتصق ببعضها لرجل وامرأة وصبيين وطفل رضيع، قتلوا وهم نائمين فوق فراش على الأرض. في بيت رابع، طفل رضيع يتحرك بين ذراعي أمه المقتولة، وجثة رجل معلقة تترنح من إحدى النوافذ. في بيت آخر، امرأة حامل بقر القتلة بطنها وأخرجوا الجنين من أحشائها، وحولها برك من الدماء المتجمدة التي تؤكد أنّ عمليات التعذيب قد تمت قبل القتل”. [3]
فتيات تعرّضن للاغتصاب… ومحافظ نقود الضحايا وُجدت مرميّة في كل مكان حول الجثث، وتمّ ربط ذلك بعمليات السطو التي أقدم عليها الجنود في حقّ سكان المخيم.
كما أشارت الصحافة الدولية حينها إلى وجود الأعيرة النارية الفارغة وعلب الذخيرة الفارغة والأوراق الملونة التي تغلف ألواح الشوكولاتة… وكلها مصنوعة في إسرائيل وعليها كتابات بالعبرية[4]. كان ذلك، وفق تقدير باحثين، راجعا إلى الدعم الذي قدمه الجانب الإسرائيلي للقوات اللّبنانية أثناء تنفيذ المجزرة.
كانت آثار الجرافات على الطّريق الرملية تؤدي إلى أماكن القبور الجماعية، إذا حاول القتلة إخفاء الجثث بنسف المنازل فوقهم، أو بردمها بالجرافات وسط الأنقاض، أو بحملها بواسطة الجرافات إلى شاحنات نقلتها إلى أماكن مجهولة، أو بدفنها في قبور جماعية، يضمّ كل منها ما بين 80 إلى 200 جثة، تجمدت فوقها الدماء وأسراب الذّباب.
يورد صقر أبو فخر شهادة إحدى الناجيات الفلسطينيات التي روت ما رأت، فقالت: “كان ابن عمي، وعمره 9 شهور، يبكي. فعلق أحدهم: لم أعد أطيق صوته، وأطلق النار على كتفه. بدأت أبكي، وقلت له: انه الوحيد الباقي من عائلتي. أخذه وقطعه من فوق رجليه نصفين”.
في الجزء الثاني، نقف بالتفصيل على عدد الضحايا، وكذلك الأطراف المسؤولة عن هذه المجزرة.
هوامش:
[1] صفاء حسين زيتون، عن كتاب “صبرا وشاتيلا المذبحة 16 ـ 18 أيلول 1982”.
[2] المرجع نفسه.
[3] نفسه.
[4] نفسه.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- الطائفية في لبنان… من الجذور إلى المأساة 5/1
- ثورة لبنــــان الجميلة
- العيد والحرب: كيف حولت رغبة الإنسان في التجديد، العالمَ، من الفرح إلى الدمار؟ 2/1
- “حُروب الرّدة”: حين كشف أبو بكر عن وجهه الآخر! 2/1
- “لا أرحام بين الملوك”… عندما قتل الخلفاء العثمانيون إخوتهم
- المُلك عقيم… وحشية العرش العثماني 1/5
- حربُ الثلاثين عاما… حينَ حوّلت الطائفيّةُ أوروبا إلى قارة جرداء! 1/3
- شارلمان والد أوروبا وقاهر المسلمين… صورة أسطورية كتبت على ضوء الإيديولوجيا