مجزرة صبرا وشتيلا… جريمة ضد الإنسانية لم تطوها السنوات! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

مجزرة صبرا وشتيلا… جريمة ضد الإنسانية لم تطوها السنوات! 2\2

تعتبر منظمة هيومان رايتش واتش، وكذلك منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” أن المجزرة التي حدثت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين تعدُّ بمثابة جرائم حرب ومن عيار جرائم مرتكبة ضد الإنسانية، وأنه ينبغي تقديم المسؤولين عنها إلى ساحة القضاء ومعاقبة كلّ المتورطين…

رأينا في الجزء الأول سياق احتلال لبنان والتمهيد لتطويق مخيم صبرا وشتيلا، ومخلفات المجزرة وبشاعتها.

في هذا الجزء الثاني، نسلّط الضوء على عدد الضحايا والأطراف المسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن هذه المذبحة.

إلى اليوم، بفضل دمقرطة الفضاء الرقمي، صار بوسعنا مشاهدة بعض الصور التي وثقت الكثير من المشاهد التي تحبلُ بالجثث المرمية والأشلاء المبعثرة في أزقة حي صبرا ومخيم شاتيلا على حدّ سواء.

لاجئون فلسطينيون ولبنانيون وسوريون كانوا يسكنون تلك المنازل قبل أن تسقط على رؤوسهم وتغدو مجرد حطام، وتدثّر أعضاء الإنسان بالطين والغبار، والدماء تسيحُ في كلّ وجهة… في كلّ ركن من الأرض، تلمح قطعةً مبتورة من جسد طفل.

الذي يمكنُ تلمّسه بدقّة، أنّ المجزرة لم تستثن الأطفال ولا النساء ولا كبار السن ولا الرجال العزل… دمّرت كلّ شيء وحولت العائلات إلى مجرد ذكريات تحكى في التاريخ.

هي مأساة حقيقية، وجريمة حرب ستبقى حاضرة بكامل تفاصيلها الدقيقة في ذاكرة العالم الصامت والفلسطينيين وحتى “الإسرائيليين” المناصرين لحقّ الفلسطينيين في الحياة.

في خلاف عدد ضحايا

تمّ تقدير عدد الضحايا في مجزرة صبرا وشتيلا بين 700 و4000. لكن كل التقديرات تبقى غير دقيقة.

مع ذلك، تظل الأرقام التي قدمها الصليب الأحمر الدولي المصدر المعتمد للأعداد الصحيحة.

حينها، ضمن التقرير السنوي للصليب الأحمر الدولي، تمّ تقديم لائحة (أشرف عليها مندوبوه أنفسهم) تضم أسماء الضحايا إلى الدولة اللبنانية في نسختين، بالعربية والفرنسية. لكنّ مسألة نشر اللائحة بقيت بيد الدولة.

في ذات السياق، ثمّة مصادر أخرى تمكّنت من الاطلاع على إحصائيات الصليب الأحمر الدولي، كان أهمها اللجنة الدولية التي جاءت إلى بيروت في أعقاب المجزرة.

في التقرير الذي أعدته اللجنة، والذي اشتهر بماكبرايد، ورد أنّ مجموع عدد الضحايا الذين كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد أحصتهم حتى الأحد 19 شتنبر 1982، بلغ ما يناهز 1500 ضحية، وارتفع العدد في 22 من الشهر نفسه إلى 2400 ضحية. كما تمّ العثور على 350 جثة أخرى إلى غاية 23 شتنبر من نفس السنة.

أرييل “استغلّ الذهول والاحباط والضّياع التام الذي عمّ المسيحيين والقوات اللّبنانية ببيروت الشّرقية بعد اغتيال الرئيس الجميل، الذي كان يشكّل القائد والرمز”.

لكن، رغم كل ذلك، يبقى العدد الدقيق للضحايا مستحيل المنال، لأنّ مئات الجثث دفنت بشكل جماعي وأخرى تم إجلاؤها، فضلا عن المفقودين والمختطفين والضحايا الذين حملهم ذووهم لدفنهم خارج المنطقة، والذين اختفت جثثهم وأشلاؤهم تحت الردم والأنقاض.

الذي يمكنُ تلمّسه بدقّة، أنّ المجزرة لم تستثن الأطفال ولا النساء ولا كبار السن ولا الرجال العزل… دمّرت كلّ شيء وحولت العائلات إلى مجرد ذكريات تحكى في التاريخ.

من يقفُ وراء المجزرة؟

الباحثة الفلسطينية بيان نويهض الحوت أجرت عدة مقابلات مع بعض الناجين من المجزرة وذوي الضحايا، ونشرتها في كتابها “صبرا وشتيلا – شتنبر 1982″. حسب هذه المقابلات، بالإضافة إلى شهادة الكتاب والصحافيين الأجانب، فيما يتّصل بأوصاف ولهجات ولباس وأسلحة وأفعال وأقوال وأسماء وتبجحات وشعارات المسلحين المهاجمين، فإن كل العناصر تشير إلى أنّ هؤلاء المنفذين من الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية وقوات سعد حداد.

لكن… لماذا قد يرتكبُ اللّبنانيون المجزرة في حقّ الفلسطينيين في مخيم صبرا وشتيلا؟

كريم بقرادوني، الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية، وأحد المعاصرين للمجزرة، يقول في مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج “حوار مفتوح” إنّه “بعد اغتيال بشير الجميل بساعات، نزل أرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي، شخصياً إلى المجلس الحربي، واستدعى كلّ القيادات التي كانت متواجدة في المجلس”.

أرييل “استغلّ الذهول والاحباط والضّياع التام الذي عمّ المسيحيين والقوات اللّبنانية ببيروت الشّرقية بعد اغتيال الرئيس الجميل، الذي كان يشكّل القائد والرمز”.

بقرادوني، ضمن شهادته، يحكي أنّ شارون اعتمد على خطاب مؤثّر لتهييج القوات اللبنانية للثأر بعد اغتيال زعيمهم، إذ قال شارون: “أنتم تبكون كالنساء رجلاً صنعكم. تصوروا لو كان أحدكم اغتيل، ماذا كان سيفعل بشير الجميل؟ هل سيبكي، أم سيقوم بالثأر لكم؟ وأنتم ستكونون أهل الثأر، وأنا أخبركم أن المسؤولية تقع على الفلسطينيين وأنا مستعدّ لتسهيل عملية الثأر”.

هكذا، يكون أرييل شارون يتمتّع بمسؤولية غير مباشرة لأنه قدّم الفلسطينيين كهدف، وسهّل لهم الوصول إلى ذات الهدف للقضاء على الوجود الفلسطيني بلبنان، عبر توفير الكهرباء الذي ظلّ مقطوعاً على بيروت لأيام.

صقر أبو فخر يتحدّث، في أحد مقالاته، عن مشاركة نحو 400 عنصر في هذه المقتلة “حملوا، فضلاً عن الأسلحة وكدليل على تحضرهم، السواطير والفؤوس. وهؤلاء القتلة كان منهم من ينتمي، أيضاً، إلى كتيبة الدامور في “القوات اللبنانية” التي تولى فادي فرام قيادتها عقب اغتيال بشير الجميل مباشرة، مجموعة من “نمور الأحرار” التابعة لحزب الوطنيين الأحرار، مجموعة من حزب حراس الأرز الذي يرأسه إتيان صقر، وأفراد من جماعة سعد حداد”.

تعتبر منظمة هيومان رايتش واتش، وكذلك منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” أن المجزرة التي حدثت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين تعدُّ بمثابة جرائم حرب ومن عيار جرائم مرتكبة ضد الإنسانية، وأنه ينبغي تقديم المسؤولين عنها إلى ساحة القضاء ومعاقبة كلّ المتورطين.

في إسرائيل، وفي فاتح نونبر 1982، تمّ إصدارُ أمرٍ للمحكمة العليا من طرف الحكومة الإسرائيلية، بغية تشكيل لجنة تحقيق تعنى حصراً بمجزرة صبرا وشاتيلا.

“المسلحون المهاجمون، فيما يتّصل بأوصافهم ولهجاتهم ولباسهم وأسلحتهم وأفعالهم وأقوالهم وأسمائهم وتبجحاتهم وشعاراتهم،  تشير كلّ العطيات إلى أنّهم من الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية وقوات سعد حداد”.

وقتئذ، ترأس اللّجنةَ رئيسُ المحكمة العُليا، إسحاق كاهان بنفسه، وباتت هذه اللجنة تعرف في الأدبيات الإسرائيلية، بـ“لجنة كاهان”.

في 7 فبراير 1983، أعلنت اللجنة نتائج تحقيقاتها، وقررت أن أرييل شارون، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي وقت اجتياح جيش الدّولة العبرية للبنان، يتحمل المسؤولية المباشرة عن ما جرى في مذبحة صبرا وشتيلا…

أكثر من ذلك، وجّهت اللجنة، عبر تقريرها، انتقادا لضلوع رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ووزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل ايتان وقادة المخابرات، واعتبرت أنهم… “لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت”.

دافع أرييل شارون عن نفسه، ورفض قرار اللجنة، وقدم استقالته من منصب وزير الدّفاع بسبب الضغوطات المتكررة. لكنه عُيِّن، مباشرة بعد استقالته، وزيرا بلا حقيبة، وظل عضوا في مجلس الوزراء دون وزارة…

بعدها… سيتم انتخابه رئيسًا للحكومة، ليرتكب مجازر أخرى كثيرة في حق الفلسطينيين!

في المغرب، كانت مجزرة صبرا وشاتيلا صدمة هزت الوجدان المغربي… خلدتها الكثير من المواقف والمظاهرات والأعمال الفنية، لعل أشهرها، صرخة “صبرا وشاتيلا” لمجموعة ناس الغيوان المغربية التي جاء في بعض مقاطعها:

الدنيـا سكتات لعدا دارت ما بغات

الدنيـا سكتات الصهيون دارت ما بغات

فصبـرا وشاتيــــلا المجـزرة الكبيرة

أطفـال تذبحات شيوخ وعيالات

دنــة دنــة آه دنة

دنــة دنــة آه دنــة

السوايع وقفـات لرواح تحصرات

السوايـع وقفـات لكتوب تـنهـبات

فصبرا وشاتيلا كثراث لقتيلة

فجبال وويدان طيـور وغـابات

دنــة دنــة آه دنــة

دنــة دنــة آه دنــة

لا ضير… العالم الذي لم يسمع أصوات الأطفال تصرخ والنساء تغتصب في مخيم شتيلا بحي صبرا قبل تسعة وثلاثين سنة، لن يسمع بالضرورة بلاغة ناس الغيوان في الاحتجاج ضدّ الظّلم… في أي مكان في العالم!

فإلى متى سيظلّ الظالم في هذا الملف بلا عقاب؟

حين يسمو القانون الإنساني المنتظم الدّولي… بدل قانون الغاب!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *