المساواة في الإرث في المغرب: عن آيات الإرث والوصية والتعصيب - Marayana - مرايانا
×
×

المساواة في الإرث في المغرب: عن آيات الإرث والوصية والتعصيب

منظومة الإرث المعمول بها الآن تحتاج إلى تحديث وتعديل لتحقيق المساواة بين الجنسين وإنصاف المرأة. الإرث ليس من الشعائر التعبدية الرئيسية في الإسلام، بل هو معاملة تتطلب مراعاة مقاصد الشريعة والعدالة الاجتماعية. تاريخياً، شهدت أحكام الإرث تطورات تبعاً للتغيرات في المجتمع والزمان.

في الأوساط الاجتماعية والسياسية المغربية، يثير موضوع المساواة في الإرث بين الرجال والنساء جدلاً واسعاً. وفي هذا السياق، تقدمت تنسيقية المناصفة بوثيقتين نشرتا على موقع www.parity.ma :

  • مشروع قانون لتعديل بنود مدونة الأسرة يهدف إلى اعتماد الوصية لتحقيق المساواة في توزيع التركة وإلغاء التعصيب بالرد.
  • مذكرة من أجل المناصفة في الإرث

جاء مشروع القانون باقتراحات لتفعيل توصيات المذكرة، إذ تضمن مجموعة من التعديلات التي تخص بعض بنود مدونة الأسرة المغربية، بما في ذلك تعديلات على الأحكام المتعلقة بالتعصيب والوصية والتركة. يهدف هذا القانون إلى إلغاء التعصيب بالرد وبتحقيق المساواة بين الرجال والنساء في تقسيم التركة، مع الحفاظ على الاحترام الكامل للقيم الثقافية المغربية.

يشدد المشروع على أهمية الوصية كأداة لتحقيق المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، ويقترح تأطيرها قانونياً واعتماد مطبوع نموذجي للوصية لضمان العدل والمساواة بين الذكور والإناث. كما يحث مشروع القانون أيضاً على حماية الوصية والهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء.

إن تحقيق المساواة في الإرث ليس فقط مسألة عدالة، بل هو أيضاً ضروري لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي. يمكن أن يساهم هذا التغيير في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع وتمكينها اقتصادياً، وبالتالي سيكون له تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب. لذا، فصناع القرار في المغرب مطالبون بالنظر إلى هذا المشروع بجدية والعمل نحو تحقيق المساواة في الإرث. إنها فرصة للمغرب ليكون رائداً في هذا المجال ويظهر التزامه بالعدالة والمساواة.

إن المغرب اليوم قادر على تحقيق هذا التحول الهام، فلنعمل إذا معاً لبناء مستقبل أكثر عدلاً وتقدماً للجميع.

المذكرة، مرافعة من أجل المساواة في الإرث

تتناول المذكرة في مقدمتها نضالات الحركة الحقوقية في المغرب لأكثر من عقدين من الزمن من أجل تحقيق المساواة بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات. كما تطرق تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي في يوليوز 2015 لموضوع “المساواة والمناصفة في المغرب”، وأوصى بتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك المساواة في الميراث.

لكن، رغم الخطابات الملكية والدعوات لتعزيز دور المرأة في التنمية الاقتصادية، استمر طلب تحقيق المساواة في الميراث في التأرجح نظرًا لحساسية الموضوع. لذا، عبّرت “تنسيقية المناصفة” عن أهمية تعديل مدونة الأسرة لتحقيق المساواة في الإرث، وصاغت مذكرة تدعو إلى جعل القوانين متوافقة مع قيم الإسلام السمحة ومبادئ حقوق الإنسان.

في 2022، فتح خطاب العرش المجال لتعديل جذري لمدونة الأسرة ولتحيينها على ضوء مقتضيات الدستور والمعايير الدولية، وتم التأكيد على ضرورة مراجعتها لتحقيق المساواة وإلغاء الأحكام التمييزية ضد النساء. إن المساواة في الإرث تمثل جزءًا من هذا التحديث وتتطلب تنسيقًا وتحيينا شاملاً للقوانين الوطنية مع قيم العصر وحقوق الإنسان.

يؤكد الاعتبار الديني على المساواة بين الإناث والذكور وعلى ضرورة تحقيق العدالة والقسط. لذا، يجب تحقيق مقاصد الشريعة وتحديث الأحكام لضمان عدم تجاوزها لمصالح المجتمع وقيمه. أصبح اليوم من المستعجل مراجعة منظومة الإرث لتحقيق المساواة والعدالة للمرأة، ويعد تعديل مدونة الأسرة وفقًا لمقاصد الدين ومتطلبات العصر خطوة أساسية في هذا الاتجاه. كما يجب أن يراعى التوازن في حقوق الأفراد في الأسرة والمجتمع.

تتناول المذكرة من أجل المناصفة في الإرث مقاربة الدراسة القرآنية المقاصدية وتطبيقها على نظام الوصية والإرث في إطار مدونة الأسرة. إذ يتجلى هدف الإسلام في تحقيق العدالة والمساواة بين الذكور والإناث وتمكين الإنسان. ويسعى الدين إلى تحقيق مصالح الأفراد ونفي الضرر. كما تُناقش الدراسة التحديات في فهم التراث الديني وتطبيقه، مشيرة إلى ضرورة التوازن بين حقوق الرجل والمرأة وحفظ مصالح الأسرة.

الوصية واجبة

تعرف المذكرة الوصية كتوجيه كتابي يصدره شخص قبل وفاته لتوزيع ثروته بين الورثة وغيرهم من الأقرباء. تعتبر الوصية واجبة في الإسلام ويحث عليها القرآن في آية من سورة البقرة، تفرض على كل شخص كتابة وصية تقسيم ثروته.ا بين الوالدين والأقربين بالعدل والمعروف، وتحدد الحقوق والواجبات المتعلقة بذلك.

هناك تفسيرات وأقوال مختلفة حول حديث “لا وصية لوارث”، وهناك شكوك في صحته ورواته والبعض يعتقد أنه لا يمكن نسخ حكم قطعي من القرآن بحديث ضعيف أو موقوف على صحابي. إذن فصاحب.ة الثروة له.ا الحق الأول في توزيعها بشكل ملائم بين المقربين منه.ا، ما لم ي.تكن غير مؤهل.ة لاتخاذ هذا القرار بحكم سفاهته.ا.

التسوية والتفضيل

تدعو هذه المذكرة إلى المساواة في توزيع التركة والثروة بين الأبناء ذكورا وإناثا، وتؤكد أن هذا المبدأ له أسس قوية في الدين وفي المنطق. تقدم المذكرة نصوصًا من الحديث تؤكد على ضرورة مساواة الأنثى والذكر في العطاء، وتوضح أن النبي محمد دعا إلى تسوية العطاء بين الأبناء. وتشير المذكرة إلى أن معظم الفقهاء يؤيدون مسألة المساواة في العطاء بين الأبناء، مع التنبيه إلى وجهات النظر المختلفة. إن مقاصد الشريعة تدعو إلى التحلي بالعدل والمساواة في توزيع التركة والثروة بين الأبناء، والامتناع عن التفضيل غير المبرر؛ فللكل الحق في توزيع ثروته بين أبنائه وأقاربه بالتساوي، لأن العديد من الأحاديث النبوية تدعو إلى التسوية بين الأبناء في العطاء، بل وتدعو بعضها إلى تفضيل النساء في هذا العطاء.

كما يسمح بترك وصية للزوجة تتيح لها التمتع بجزء من التركة. هذا يعني أن الزوج لديه الحق في تحديد وصية لزوجته لضمان حقها في التركة والممتلكات بعد وفاته.

أما بالنسبة للذرية الضعاف، وهم/ن الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات اللواتي تعاني/ الذين يعانون من ضعف مادي أو معنوي بسبب الإعاقة أو الفقر أو غيرها، فالشريعة تسمح للمالك أن يمنح هؤلاء نصيبًا خاصًا في التركة لتحقيق العدالة، وهذا يمكن أن يسهم في تحقيق العدالة في توزيع التركة والثروة بين الورثة، إذ تعتبر الحاجة والضعف معيارا لتحديد من يستحق التفضيل في التوزيع، بينما لا يتعلق الأمر بالجنس (ذكرا كان أو أنثى).

آيات الإرث لم تنسخ الوصية

المذكرة تناقش الادعاءات المتعلقة بنسخ آيات الوصية بآيات الإرث وتوضح عدم صحة هذا الادعاء. القرآن لم ينسخ آيات الوصية بل تعامل معها كجزء أساسي من نظام توزيع التركة. إن آيات الإرث تتضمن حدودًا لتوزيع التركة، ولا تشكل أحكامًا مطلقة، وهذا مؤكد من قوله تعالى: “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ”، مما يعني أنها قواعد تحكم في الحدود المسموح بها للتوزيع.

يؤكد القرآن على أهمية الوصية في منظومة توزيع التركة، حيث تحمل قيمة أكبر من نظام الإرث، إذ تعطي الفرصة للشخص لتوجيه جزء من التركة وفقاً لإرادته. نظام الإرث يعتبر مجرد حدود للتوزيع، وليس قاعدة مطلقة. من الآيات التي تؤكد ذلك هي الآيات التي تنتهي بـ “مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ”، مما يشير إلى أهمية الوصية في تنظيم التركة وإعطاء الأفراد حرية توجيه جزء منها.

المذكرة تبرز أن نظام الإرث ليس قاعدة ثابتة ومطلقة، بل هو حدود توزيعية يمكن تخطيها. هذا يعني أن هناك مجالا للاجتهاد في تطبيق نظام الإرث، مع مراعاة المصلحة العامة والمقاصد الشرعية. بشكل عام، تؤكد المذكرة على أهمية الوصية والحدود في توزيع التركة، وتسلط الضوء على الدور المحوري للوصية في تحقيق العدالة والمساواة بين الذكور والإناث، وتبين أن نظام الإرث ليس قاعدة مطلقة وصلبة، بل يمكن تطبيقه بمرونة بما يتناسب مع الظروف والمقاصد الشرعية.

النص يعترض على الفقهاء الذين اعتبروا آيات الإرث نسخًا لآيات الوصية ويستند إلى قراءة حداثية للموروث الديني. كما يشير إلى أن آيات الوصية بدأت بالفعل “كتب” مما يشير إلى الوجوب، فيما آيات الإرث تبدأ بـ “يوصيكم” مما يشير إلى الاستحباب. كما أن تفسير الفقهاء كلمة “ولد” بـ “ذكر” فقط، أدى إلى ظلم للمرأة في مجال التركة وانحياز غير مبرر للجنس الذكر.

إلغاء التعصيب بالرد

التعصيب في اللغة يشير إلى قرابة الرجل لأبيه، وقد تم استخدام هذا المصطلح في الفقه للإشارة إلى أن بقية الميراث يذهب إلى العصبة من الذكور بعد أن يأخذ الأقارب حقوقهم الشرعية، استنادًا إلى حديث منسوب للرسول مدرج في صحيح البخاري.

مع ذلك، تشير المذكرة إلى أن مفهوم التعصيب غير موجود في القرآن وأن هناك آيات كثيرة تظهر أهمية الأقربين في التوزيع دون تحديد الجنس، ويُشير إلى آيات تؤكد على تساوي الرجل والمرأة في إرث المتوفى.

يُذكر أن مفهوم التعصيب نشأ بسبب الصراعات السياسية بين بني العباس والعلويين حول الخلافة بعد وفاة الرسول، وأنه لا يتماشى مع القرآن وأصول الدين، وأن نتائجه هي تهميش النساء وظلمهن منذ فترة طويلة.

التعصيب هو توزيع الإرث بناءً على العصبة، أي تخصيص أجزاء معينة لأفراد معينين بناءً على صلتهم القرابية (مثل الأبناء والإخوة الذكور)، وهو نظام يمكن أن يؤدي إلى تحكم الذكور في معظم الإرث وتحجيم حقوق الإناث.

الرد هو توزيع الإرث بناءً على الفروض بغض النظر عن العصبة، ومن بين الأحاديث النبوية التي تدعم مفهوم الرد على التعصيب:

قول النبي محمد: “من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلاً فإليّ”، مما يعني أن الأموال تذهب للورثة من ذوي الأرحام.
قصة سعد بن أبي وقاص الذي نصحه النبي بأن يترك ماله لورثته الإناث، وهذا يشير إلى قبول الرد.
حديث عمرو ابن شعيب عن جده أن النبي ورث البنت من أمها كل المال، مما يشير إلى الرد.
حديث واثلة بن الأسقع حول ميراث كل المال ولد الملاعنة لأمه، ولا يكون كله لها إلا بالرد.

لذا، فإن القوانين في بعض الدول الإسلامية (مثل الأردن وتونس وسوريا) قد اتبعت هذا المفهوم في قوانينها الشخصية.

تشريع المساواة في الإرث بين الإناث والذكور إنصاف للمرأة

تفسر الآية الأولى في موضوع الإرث من طرف الفقهاء عادة على أن الذكر يرث مثل حظ الأنثيين، مما يؤدي إلى فهم أن حصة الذكر تكون ضعف حصة الأنثى. لكن الراحل محمد شحرور قدّم رؤية جديدة مستندة إلى التحليل اللغوي والدلالات اللغوية للآية. في رؤيته، يقترح محمد شحرور أن النص يشير إلى حصة مماثلة للذكور والإناث.

هذا التحليل يمتد لحالات أخرى محددة للإرث تُفسر كنماذج من حالات خاصة. كما يُشير الراحل محمد شحرور أيضًا إلى أن بعض الأقارب مثل الأعمام والأخوال لم يتم ذكرهم في آيات الإرث، مما يشير إلى عدم وجود حصص لهم في التركة. هكذا، يبدو جليا أن الفهم التقليدي للآية الأولى ليس الوحيد الممكن، وأن هناك رؤى أخرى تستند إلى تحليل اللغة والسياق.

إن منظومة الإرث الحالية لم تعد تحقق العدالة، بل تؤدي إلى مظالم كبيرة ضد الإناث، حيث يتم حرمانهن من حقوقهن وممتلكات الأسرة.

الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن النساء يتحملن مسؤوليات كبيرة في الأسرة، بينما لم يعد جل الذكور يتحملون تكاليف العائلة؛ فالإناث يشاركن في تمويل منزل الأسرة وتحمل أعباء مالية وقروض بنكية، بينما يُنكر لهن حقهن العادل في التركة.

إن قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” لم تعد منسجمة مع الواقع الاجتماعي، حيث يحصل البنات على نصف أو ثلثي الممتلكات التي شاركن في تمويلها أو شرائها. هذا يجعل بقية التركة يذهب للعصبة القريبة من الذكور، مما يؤدي إلى مشاكل وتعقيدات قانونية. لذا، لم تعد هذه المنظومة تحقق مقصد العدالة المرجو من الشريعة الإسلامية.

إن تطبيق قاعدة التعصيب يؤدي إلى مظاهر ظلم تجبر العائلات على اتخاذ إجراءات غير قانونية لحماية حقوق الإناث، مثل البيع الصوري أو الهبة أو الوصية. هذا يبرز رفض المجتمع للظلم المستمر في منظومة الإرث التي لم تعد تتوافق مع السياقات الاجتماعية الحديثة. من الضروري مراجعة منظومة الإرث وضمان حقوق الإناث والتخلص من الظلم والاضطهاد. لقد تبين أن قاعدة التعصيب لا تمت للشريعة الإسلامية بشكل مباشر، ومن المناسب اعتماد مبدأ الرد الذي يعتمد على تقديم أصحاب الفروض في توزيع التركة.

منظومة الإرث المعمول بها الآن تحتاج إلى تحديث وتعديل لتحقيق المساواة بين الجنسين وإنصاف المرأة. الإرث ليس من الشعائر التعبدية الرئيسية في الإسلام، بل هو معاملة تتطلب مراعاة مقاصد الشريعة والعدالة الاجتماعية. تاريخياً، شهدت أحكام الإرث تطورات تبعاً للتغيرات في المجتمع والزمان.

خلال الفترة النبوية، تغيرت قوانين الإرث بحسب السياق الاجتماعي. في البداية، كان الوراثة تتم بالهجرة والإخاء. لاحقاً، تم تغيير هذه النهج إلى النسب بعد نزول آية “وأولوا الأرحام بعضهم أولى….”. القرآن الكريم لم يحدد تفصيلات الوراثة، بل ترك المجال للترتيب بين الأفراد بناءً على الظروف.

تعتمد منظومة الإرث الحالية على الأعراف القديمة وتمييز الذكور عن الإناث، وهذا غير ملائم في الزمان الحاضر. لقد جاء القرآن بأحكام تسعى إلى تحقيق المساواة، وأعطى الإناث حقوقهن في التركة. من الواجب الآن تحقيق التوازن وضمان حقوق الإناث في التركة. يجب أن تلتزم الفتاوى بالواقع الاجتماعي وتتطابق معه. على هذا الأساس يجب كذلك تحيين مدونة الأسرة للتأقلم مع تطورات المجتمع وقيمه.

المساواة في الإرث، تفعيل لمقتضيات الدستور والمواثيق الدولية

تضمن الدستور المغربي لعام 2011 تعهدات قوية بحماية حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. يؤكد الدستور على التزام المملكة بحماية حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والعمل على تطويرهما وتعزيزهما، ويؤكد على مساواة جميع الأفراد أمامه. كما يلزم الدستور الدولة بتحقيق المناصفة بين الذكور والإناث، ويعزز حقوق الرجل والمرأة بالمساواة في جميع المجالات.

المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب تؤكد أيضًا على المساواة بين الذكور والإناث وعلى حقوق المرأة. تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق المساواة بين الجنسين والحق في الملكية وحقوق اقتصادية. يلزم ميثاق الأمم المتحدة الدول بتحقيق المساواة بين الذكور والإناث في جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تتطلب اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة من الدول اتخاذ تدابير للقضاء على التمييز وتحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين. تحث هذه المواثيق الدول على تجسيد مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الدساتير الوطنية وتشريعاتها، وضمان حقوق المرأة في جميع المجالات. كما تلزم الدول باتخاذ تدابير قانونية لحظر التمييز وتوفير حماية فعالة للمرأة من أي تمييز، وتشجب المواثيق أشكال التمييز ضد المرأة وتدعو لاتخاذ إجراءات للقضاء عليه.

إن المغرب ملزم بتلك المواثيق الدولية وعلى الحكومة أن تعمل على تنفيذها من خلال تحديث التشريعات والسياسات لتحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة.

التمييز في الإرث تفقير للإناث

يشهد المجتمع المغربي تطورًا بارزًا ودورًا متزايدًا للمرأة في العمل والمشاركة في الاقتصاد الأسري، حيث تتحمل النساء أعباء مالية واجتماعية أكبر. تتجلى هذه المشاركة في العمل في مختلف القطاعات مثل الصناعة والزراعة والخدمات المنزلية وغيرها، ومع ذلك، ما زالت هناك تحديات تؤثر على دور المرأة الاقتصادي وتمنع تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.

التمييز بين الذكور والإناث يؤثر بشكل سلبي على دور المرأة ويقيّد وصولها إلى الموارد والعمل المأجور وريادة الأعمال. تقل نسبة النساء العاملات في الأعمال المأجورة وتكون أجورهن أقل من الرجال. كما يؤثر التمييز في قوانين الميراث في تفقير النساء ويحد من فرصهن في امتلاك العقارات والأراضي والمشاركة في الأعمال التجارية. هذا التمييز يؤثر أيضًا على تملك النساء لرِؤوس الأموال والاستفادة من القروض، مما يقيّد قدرتهن على الاستثمار والنمو الاقتصادي.

التحديات تشمل أيضًا العادات والتقاليد التي تؤثر على توزيع الميراث وتمنع النساء من الحصول على حصتهن. يجب على المجتمع العمل على تغيير هذه العقليات وتعزيز المساواة بين النساء والرجال في جميع المجالات، بما في ذلك الميراث.

لتحقيق المساواة الاقتصادية وتعزيز دور المرأة، يجب أن يتبنى المجتمع قراءة حديثة للنصوص الدينية وتطبيقها بطريقة تعزز العدالة بين الرجال والنساء. يجب أن يتخذ القانون إجراءات إيجابية تعزز المساواة في المجال الاقتصادي وتحقق توزيعًا عادلًا للموارد بين الذكور والإناث.

إن الدولة المغربية تصبو اليوم أكثر من أي وقت مضى لإنصاف النساء و لرفع الحيف التاريخي الذي رزحن تحته منذ عقود، بسبب القراءات الذكورية لتراثنا الثقافي والديني. لقد حان الوقت اليوم لتحيين كافة القوانين على ضوء الدستور والتزامات المغرب الدولية التي تمنع التمييز بسبب النوع في كل الميادين والقوانين. إن المساواة في الإرث بين الذكور والإناث أصبحت ضرورة مجتمعية واقتصادية وثقافية لإنصاف الإناث وحمايتهن من الفاقة ومن العنف ومن التهميش الاقتصادي ومن التشرد، ولإتاحة نفس الفرص لهن كالذكور للولوج للموارد ولتمكينهن من وسائل امتلاك وإنتاج الثروة، من أجل الإسهام الفعال في تنمية الاقتصاد الوطني.

توصيات المذكرة

انطلاقا من الاعتبارات الدينية والقانونية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي تطرقت إليها، توصي المذكرة بضرورة التنصيص في التشريع المغربي على:

1 – جواز تقسيم صاحب الملك للتركة بين ورثته في إطار الوصية والهبة والصدقة.

2 – اعتماد الوصية قاعدة لتقسيم الإرث بالمساواة بين الجنسين. (يمكن، هنا، النظر النموذج المقترح في موقع www.parity.ma)

3 – تأطير الوصية قانونيا بما يضمن المساواة في القسمة بين الجنسين بدون تمييز.

4 – حماية الوصية، الهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء.

5 – المساواة في الإرث بين الذكور والإناث.

6 – إلغاء التعصيب.

7 – اعتماد قاعدة “الردّ” في تقسيم التركة عند وجود بنت/بنات في الأسر التي لم تُرزق ذكورا.

8 – التنصيص قانونيا على أن القرابة هي معيار الحق في الإرث وليس العقيدة.

9 – مواءمة المدونة مع الدستور الذي ينص على المساواة بين الجنسين.

10- ضرورة تحديث المناهج التعليمية وتطويرها بما يسهم في خلق جيل مؤمن بمبادئ المساواة وحقوق الانسان ومنفتح على المتغيرات العلمية والتكنولوجية في العالم.

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *