من العيطة إلى أغاني الألتراس.. حناجر غاضبة صنعت تاريخ الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر (1/2) - Marayana - مرايانا
×
×

من العيطة إلى أغاني الألتراس.. حناجر غاضبة صنعت تاريخ الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر (1/2)

من حنجرة خربوشة إلى أهازيج المدرجات، سعت الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر لجلاء الأغلال، وحلم أصحابها بمغرب أفضل.
أغان… جاء أغلبها كرد على الأوضاع الاجتماعية المتردية أو تعبيرا عن تحولات مجتمعية عميقة.

أحمد مستاد

لكل حقبة زمنية ترانيمُ غضبها. منذ أن خرجت الموسيقى من نفق الترفيه لتُفرخ العديد من الأغاني ”الملتزمة”؛ منها من ارتبطت بكيانات حزبية ونقابية، ومنها من عبرت بعفوية عن غضب الشعوب وتطلعها للاستقلال والتحرر والازدهار.

المغرب كان أيضا ملاذا للأغنية الاحتجاجية؛ فمن حنجرة خربوشة إلى أهازيج المدرجات، سعت الموسيقى الاحتجاجية في المغرب المعاصر لجلاء الأغلال، وحلم أصحابها بمغرب أفضل. جاء أغلبها كرد على الأوضاع الاجتماعية المتردية أو تعبيرا عن تحولات مجتمعية عميقة.

حتى لا نقع في فخاخ اجترار ما قيل سابقا حول الأغنية الاحتجاجية في المغرب، يرمي هذا المقال-في جزأين- إلى تمحيص جانبين: ارتباط رواد أربعة أمثلة من الموسيقى الاحتجاجية بالسياسة والسياسيين ومدى مساهمتها في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية للمغرب والتعبير عنها.

العيطة… وعي سياسي فطري حاول مجابهة أهوال السياسة

العيطة مثل الحياة؛ تستحق أن نحتفي بها كل يوم. حسن نجمي يعرفها بأنها: ”النفس الساخن الصاعد من الدواخل..هو الذي أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية”1.

ارتبطت العيطة بالظاهرة القايدية؛ خصوصا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (بالتزامن مع فترة الاستعمار). يبقى أشهر تجلٍّ لهذ الارتباط، قصة القايد عيسى بن عمر العبدي وحادة الزيدية المعروفة بخربوشة. هذه الأخيرة كانت صوت انتفاضة قبيلة ولاد زيد ضد القايد عيسى، قبل أن تلقى حتفها على يد القايد المتسلط.

شاهد أيضا: فيديو. فيلم وثائقي عن أنطلوجيا العيطة

يذهب حسن نجمي، الباحث في مجال العيطة، إلى أن ”القايد عيسى بن عمر، رغم شخصيته الدموية، فإنه كان شغوفا بفن العيطة وأسهم في انتشارها وتطويرها”.

الباحث نفسه يؤكد أن القايد التهامي الكلاوي المزواري ”كانت له فرقته من شيخات العيطة وأشياخها والتي كانت تؤدي، فضلا عن غناء العيطة، قصائد الملحون”.

نستشف من هذين المثالين أن القواد في عهد الحماية اهتموا بفن العيطة، فجغرافية نفوذهم كانت مرتبطة بمجتمعات شفوية. لذلك، فالسلطة سعت إلى احتواء هذا الفن وتسخيره لمصلحتها.

على عكس ما يظنه البعض إذن، فتاريخ  العيطة ليس محايثا للنضال، رغم سخائها في تسخير هذا الفن لجلاء الاستعمار؛ بل كانت الشيخات أيضا صوتا مؤنسا في حفلات القواد وداعما لهم.

الظاهرة الغيوانية.. ترانيم صادقة صدحت في سنوات الجمر

لا شك أن الظاهرة الغيوانية وليدة ظرفية تاريخية عرف فيها المغرب غليانا على المستوى السياسي.

يذهب علال البحراوي إلى أن ”ظهور الغيوان تزامن في الثقافة المغربية مع المد الإيديولوجي الذي كان يعطي الأولوية في النقد والتحليل للاعتبارات السياسية والفكرية”2.

الباحث نفسه اعتبر أن الفرقة عملت على استمداد كلماتها من الغناء الشعبي الغميس وتجويدها وإعطائها صبغة نضالية كما جاء في بوح العربي باطما.

اقرأ أيضا: العربي باطما… نغمة مهمومة مثل صيف…

لقد كان الوعي السياسي للمجموعة فطريا دون أن يتأتى من تكوين أكاديمي متين. فأعضاؤها ”لا كانوا ممن يقف خلفهم حزب أو قبيلة، بل انبثقوا كلهم من صميم الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة” 3.

رغم هذا، لم يسلم ”ناس الغيوان” أيضا من تحامل شريحة من الساسة، حيث دعاهم البعض إلى اتخاد مواقف سياسية صريحة.

في نفس الصدد، ذهبت العديد من الأبحاث إلى أن المجموعة كانت مدعومة بلفيف من اليساريين والمثقفين.

ادريس تازرني، الباحث في الظاهرة الغيوانية، يرى أن العديد من السياسيين والمنظمات الطلابية وجدوا في الفرقة صوتا يعبر عن همومهم: ”كان فكر اليسار سائدا وهو الأكثر تداولا وتفاعلا، وبالتالي من الطبيعي أن يجد الفرد المنتمي لأحزاب وتنظيمات اليسار نفسه قريبا من المجموعة أو المجموعة تمثله، بالنظر إلى طبيعة المواضيع التي كانت تعالجها.”

وعن العلاقة بين السلطة المغربية والفرقة الموسيقية يرى نفس الباحث أن: ”المجموعة ظهرت في وقت سياسي حرج جدا فكان من الطبيعي أن تراقب السلطة السياسية تحركات المجموعة وأغانيها”.

الراب المغربي.. أصوات فتية ارتفعت خلال “العهد الجديد”

تعني كلمة الراب ”الكلام والتلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع القافية، وتعني كذلك الشعر الإفريقي المقفى Rhytmic african poetry”

الراب وليد ثقافة ”الهيب هوب” العالمية. هذه الأخيرة بزغت من حي برونكس في مدينة نيويورك في سبعينيات القرن الماضي، لتختار في لحظة من مراحل تطورها الحمولة الاحتجاجية، حاملة في كلماتها هموم ومشاكل المسحوقين.

تزامن ظهور الراب في المغرب مع الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب في تسعينيات القرن الماضي. حيث ظهرت فرق مثل” Double A” و ”Dragon blanc” و”Casacrew”.

لقد ساهمت أيضا ”أحداث 16 ماي” وتحرير قطاع السمعي البصري (ظهور العديد من الإذاعات الخاصة) في انتشار هذا الفن بشكل لافت.

اقرأ لنفس الكاتب: ملاعب كرة القدم… الملاذ الجديد للاحتجاج السياسي والاجتماعي في المغرب.(1/2)

في المقابل، لم يهادن الراب المغربي السلطة، حيث قوضت العديد من الأغاني بعض مقدسات الدولة؛ آخرها أغنية ”عاش الشعب” التي أثارت ضجة كبيرة.

لم تتورع أغاني الراب المغربي في النقد اللاذع للسلطة: ”منبت الأحرار في النشيد راه غير كلمة مشرق بالنسبة ليا غا حلمة أ يما”، فهذه الكلمات أودعت مغني الراب ”مستركريزي” السجن. لتثار بعد الواقعة نقاشات واسعة حول حرية التعبير في المغرب وحدودها.

تطور الأغنية الاحتجاجية بالمغرب، سيرتبط بتطور السياقات الثقافية والمجتمعية والسياسية، ليعلن عن ميلاد نوع جديد من الأهازيج الغاضبة.

نتحدث هنا عن أغاني الألتراس، وهو ما سنتابعه في الجزء الثاني من هذا الملف.

 

لقراءة الجزء الثاني: أغاني الألتراس..آخر الملتحقين بنادي الأغنية الاحتجاجية 2/2

 

مراجع

1– غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب-حسن نجمي

2– الأغنية الاحتجاجية بالمغرب موروث ناس الغيوان-علال ركوك ص12

3– الأغنية الاحتجاجية بالمغرب موروث ناس الغيوان-علال البحراوي ص14

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *