هوس الجسد والتجميل على مواقع التواصل (مع فيديو) - Marayana - مرايانا
×
×

هوس الجسد والتجميل على مواقع التواصل (مع فيديو)

بإطلالة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، يتبين جليا أننا انتقلنا من جمالية الجسد إلى عرض الجسد عند الجنسين

كان لحلقة برنامج “على مرمى خبر” الذي تقدمه القناة المغربية M24، المعنونة بـ “كيف تصنع الشاشة معايير جمال النساء”، دورا في استفزاز قلمي حول موضوع لطالما أزعجني ويزعجني وهو هذه المعايير نفسها.

تحدث البرنامج عن ذكورية المعايير الجمالية النسائية وتنميطها عالميا، منذ زمن بعيد، من طرف القوى المسيطرة، لحد فرضت علينا جميعا مع استثناءات لمجتمعات قليلة.

أعتقد أنه ليس بإمكاننا تغيير ولا التأثير في الأمر بحكم تجذره في التاريخ والجغرافيا أيضا. لكن المحير في الأمر هو كون هذه المعايير، وإن كانت تخضع لتسويات مختلفة، كأن يصبح الشعر المجعد للمرأة ولونها الأسمر من ضمن التجديد في هذه المعايير، فإنها استقوت أكثر وأصبح التركيز فيها على “المناطق الأنثوية” أكثر بمحددات جديدة أدخلتنا في عالم لم أجد له نعتا كـ “هوس الجسد”.

بإطلالة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، يتبين جليا أننا انتقلنا من جمالية الجسد إلى عرض الجسد عند الجنسين.. وإن كنت هنا سأتحدث عن المرأة، فهذا لا يسقط عن الرجل احتفاليته وعنايته ببعض أجزاء جسده أيضا وجعلها جاهزة للعرض.

أصبحت المنصات الاجتماعية سوقا لتسويق محددات جديدة “للأنوثة الجسدية”، فما أن تفتح منصات الأنستغرام والتيك توك، حتى يطالعك ذاك الكم الهائل من صور النساء بوضعيات أصبحت “طوندونس”!

كي تصبح الصورة مرئية أكثر وتحصد الآلاف من اللايكات والمشاهدات، يستدعي الأمر ضم الشفاه في شكل قبلة، أو الجلوس أو الوقوف بطريقة تبرز “المقدمة والمؤخرة” بشكل “ناجح”.

يصبح الجمال كل الجمال لمن تتقن فن ذلك؛ أما جمال الوجه، فلم يعد ضروريا وتتكفل به أبسط مساحيق التجميل وأبسط تطبيقات الفلتر.

كما أن إشهارات “التحاميل” و”اللحسات الصحراوية” وغيرها التي تساعد على إبراز هذا “الجمال” تخترق معظم صفحات التواصل والمجموعات النسائية المختلفة.

أما حلقات وإبداعات الجسد الأنثوي في روتيني اليومي، وما تحققه هذه الحلقات من متابعات ومشاهدات قد تفوق المليون أحيانا، رغم كل الانتقادات الموجهة إليه، فهو يُظهر علنا وليس ضمنا انتصارنا… لا للجمال بل للجنس! الانتصار لهوسنا بالتضاريس الجسدية الضخمة والتي لا تمت لمعايير الجمال ولا الأنوثة بصلة بل تشوهها…

كان من الضروري أن ينعكس ذلك أيضا على معجمنا الجمالي للجسد. فالجملة الشهيرة والتي تصل مسامعنا أينما كنا: “على طرف عندها”، باللغة العامية، كتعليق للشباب على فتاة ذات “مؤهلات” تعتبر في سوق الجسد الجديد معيارا للانجذاب للجنس الآخر، أصبحت واقعا لا يمكننا إنكاره للأسف.

المزعج في الأمر هو أنه، من المفترض أننا نتقدم وأن الوعي يرتفع في صفوف الأفراد والجماعات بفضل التغيرات التي نعيشها سواء اجتماعية أو دينية أو ثقافية أو قيمية أو فنية. لكن ذلك لم يرق بمعاييرنا الجمالية للجسد، ولا أتحدث هنا عن معايير ثابتة للجمال الجسدي، فالاختلاف في هذا الشأن يجب أن يكون بديهيا ومسلما به، بل أتحدث عن تركيز معاييرنا أكثر على أجزاء بعينها وفصلها عن باقي الجسد وبالتالي تشويه هذه الجمالية.

أما المؤسف في الأمر حقا، فهو ذلك التماهي الكبير للنساء عن وعي وعن دونه، مع هذا الهوس بالجسد واستعدادهن الكبير لمطابقة تفاصيل أجسادهن لمتطلبات سوق الجمال. سوق لن ينكر أحد ذكورية منشئها، لكن ذلك لا يعفيهن أبدا من مسؤولية تبخيس قيمتهن الإنسانية سواء كان سبب ذلك غياب وعيهن بالأمر وخطورته، أو للهشاشة النفسية والقيمية التي أصبحنا نعيشها أو للرغبة في الربح السهل عن طريق استثمار مهين لمناطق بعينها في أجسادهن!!

وأخيرا، نذكًر مرة أخرى أننا هنا لا نعترض على جمال الجسد أنثويا كان أم ذكوريا، فكلنا نٌسر برؤية الجمال متجسدا في ملامح وجسد شخص ما. لكن اعتراضنا الأكبر أن يصبح هذا الجمال مختصرا في أجزاء معينة ولأغراض معينة!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *