الباكالوريا والعنف الرمزي: بين التبخيس والتهويل وأعطاب المناهج، يتيه المعلم والمتعلم - Marayana - مرايانا
×
×

الباكالوريا والعنف الرمزي: بين التبخيس والتهويل وأعطاب المناهج، يتيه المعلم والمتعلم

تهويل إعلامي وتبخيس على مواقع التواصل الاجتماعي لموضوع البكالوريا، من خلال نشر مقاطع مضحكة وبث مقتطفات وبثر سياقاتها، بغرض الفرجة وتبخيس الباكالوريا، أو إيجاد مبررات للراسبين. تهويل تنخرط فيه صفحات ومواقع يضعنا أمام سؤال: أي إسهام للإعلام في هذا العنف الرمزي على الباكالوريا؟

كلما حل موعد امتحانات الباكالوريا، عاد النقاش القديم/ الجديد حول هاته الشهادة، فتظهر الصور والفيديوهات الساخرة مما يُحدث تبخيسا لها في أعين المتعلمين، ويحدث العكس مع التهويل الذي تساهم فيه الوزارة الوصية والأسر والأطر التعليمية. تهويل ينعكس سلبا على نفسية التلميذ.

ترهيب دون ترغيب

لم يعد للباكالوريا قيمة. هكذا لخَّص عبد الرحمان، وهو أب تلميذ اجتاز امتحانات الباكالوريا بفاس. يقول الأب إن الضغط الذي عاشه ابنه كان رهيبا، والعُنف الذي مورس على المتعلمين، منذ بداية السنة، كان قاسيا. كانوا يشعرون أن الباكالوريا حاجز ومعيق، أو ربما مرحلة حاسمة تحدد كل مصيرهم… وهنا يحدث سوء الفهم.

يؤكد عبد الرحمان، وهو أستاذ متقاعد، أن هذا التهويل من الأطر التعليمية، ومن خلال المناهج الدراسية وعدد الدروس وغيرها، فضلا عن المراسلات والاستعدادات، يدخل المتعلم في حالة من الارتباك، بل ويتجاوزه للأستاذ والأطر التعليمية، فيصبح الأستاذ مُلزماً بإتمام الدروس والاستعداد للمراجعة والإسراع لإتمام الموسم الدراسي، وهذا يؤثر سلبا على نفسية المعلم والمتلقي في الوقت نفسه.

العنف الرمزي، حسب عبد الرحمان، يُقابله استخفاف في ضِفَّة أخرى، على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الرقمية، وهذا في حد ذاته إشكال يسقطنا في آلية التعامل مع الباكالوريا: إما أننا نتعامل معها بنوع من التهويل أو التبخيس.

ينطلق عبد الرحمان من تجربة ابنه الذي عانى، وفق تعبيره، مع محيطه. تسربت إليه أفكار التهويل، وكلما اقترب موعد الامتحان إلا وزادت حدة الضغط، مما جعله، أحيانا، يعاني من الأرق المزمن،  وأُدخله في كوابيس ونوبات خوف في الأيام الأخيرة من الاستعدادات.

يضيف الأب أن فئة كبيرة من الأطر هولت من الحدث، وسعت إلى ترهيب التلاميذ من أجل الحصول على الشهادة، وبنقط مرتفعة. هذا الترهيب يقابله الخوف لدى المتعلم، وهذا ما حدث مع إبني، يقول عبد الرحمن، وأثر سلبا لو لم أتدارك الأمر في النهاية.

تهويل علمي وتبخيس إعلامي

يعتبر الأستاذ الجامعي المتخصص في علم النفس وعلوم التربية، محمد لهبوب، أنه عادة ما يصاحب امتحانات البكالوريا نوع من التهويل والتضخيم، تساهم فيه الأسر والآلة الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤثر سلبا على المترشحين والمترشحات من جهة، وعلى الآباء وأولياء الأمور من جهة أخرى.

الباكالوريا، حسب لهبوب، هي شهادة العبور من التعليم المدرسي إلى التعليم العالي، أو من مرحلة الدراسة إلى بداية الحياة المهنية، وهو ما يبرر ارتفاع الطلب الاجتماعي عليها، ويجعلها تكتسي أهمية كبيرة لدى الآباء والمتعلمين والأطر التعليمية.

حسب المتحدث، النظرُ لامتحانات الباكلوريا على أنها أكثر من مجرد اختبارات، مثلها مثل اختبارات المراقبة المستمرة، يسقطنا في نوع من التهويل والتضخيم، الذي لا يخلق سوى أشكالا من القلق والتوتر، وارتفاع منسوب الخوف من الاختبار وضعف التركيز، وهو ما يؤثر على جودة الاشتغال المعرفي والمنهجي للمتعلمين أثناء اجتياز الاختبار، بل يمكن أن يؤثر سلبا على صحتهم الجسدية، وعلى الشهية وإيقاعات النوم.

بالمقابل، يرى المتخصص أنه بإمكان امتحانات البكالوريا أن تُؤخذ لدى بعض الفئات بنوع من التهوين والاستخفاف وسوء التقدير، خاصة في ظل ما يتم استعراضه على تطبيقات التواصل الاجتماعي من مظاهر الكسب والاغتناء بوسائل أخرى غير الدراسة والشواهد الدراسية، فتنظر هذه الفئة لشهادة البكالوريا نظرة استخفاف، على اعتبار أن ما يتحقق من غنى وثراء بوسائل أخرى لا يمكن أن تحققه شهادة البكالوريا.

استعراض نتائج الباكلوريا، بنوع من الفلكلورية والبهرجة، وِفق الباحث في علم النفس، يمارس نوعا من العنف الرمزي على الذين لم يتمكنوا من تحصيل نتائج ومعدلات محترمة، سواء بالنسبة للمتعلمين أو بالنسبة لآبائهم. يمكننا استشعار هذا العنف المُمارس عن غير وعي، يقول لهبوب، لا سيما في سياق هيمنة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، وهيمنة المقارنات على مجموعة من المستويات؛ في المعدلات (ميزة/بدون ميزة) والتخصصات (علمية/أدبية) وبين الجنسين (الإناث أفضل من الذكور)؛ بحيث يجد المتعلم نفسه، بوعي أو بدونه، في خضم هذه المقارنات، يزكيها أو يعمل على مقاومتهما.

يُؤكد المتحدث أن المقارنات المذكورة لها كلفتها النفسية والاجتماعية، بحيث تولد مشاعر التفوق والاعتداد بالذات والتمركز حولها، بالنسبة للمتفوقين، ومشاعر عدم الرضى وتبخيس الذات واحتقارها بالنسبة لغير المتفوقين. اجتماعيا، تشيع مشاعر الغيرة والحسد والحقد بين الفئات.

إعلام وفرجة افتراضية

تهويل إعلامي وتبخيس على مواقع التواصل الاجتماعي لموضوع البكالوريا، من خلال نشر مقاطع مضحكة وبث مقتطفات وبثر سياقاتها، بغرض الفرجة وتبخيس الباكالوريا، أو إيجاد مبررات للراسبين. تهويل تنخرط فيه صفحات ومواقع يضعنا أمام سؤال: أي إسهام للإعلام في هذا العنف الرمزي على الباكالوريا؟

سؤال يستدعي منا استحضار رأي متخصصين في قضايا الإعلام. وليد اتباتو، باحث في الإعلام، يقول في حديثه لمرايانا: “ينبغي التأكيد أن الحمولة الرمزية والاجتماعية للبكالوريا نجد لها أثرا كبيرا في الطابع المغربي. هذا الطابع كان دائما مرتبطا بوسيط إعلامي يزكي هذه الحمولة ويضفي عليها خصوصية، وهو ما يتجلى في تلك اللحظات التي كانت فيها الأسر المغربية تنتظر وصول أعداد الجرائد إلى المدن والقرى، والبحث عن أسماء الناجحات والناجحين في صفحات مخصصة لذلك (كانت نتائج الباكالوريا، تبث على أمواج الإذاعة الوطنية أيضا).

اتباتو كشف أن مواكبة الإعلام لما يمكن أن نسميه طقس البكالوريا، انتقلت فيه مواقع التواصل الاجتماعي من التناول إلى الفرجة. حسب الباحث، تناول الإعلام للبكالوريا كان على الدوام من منطلق تحديد الأولويات وتكثيف الضوء على هذا الحدث، وتوجيه أنظار الجميع إليه.

يضيف اتباتو أن هناك ظاهرة أخرى لا يمكن إغفالها، هي “تربص ميكروفونات المواقع عند أبواب المدارس”، وهو تقليد أصبحت تتنافس فيه المواقع لاقتناص أكثر الارتسامات والتصريحات غرابة وإثارة للجدل، وهي ممارسة تزكي منطق الفرجة.

يرى الباحث أن ما تمارسه وسائل الإعلام اليوم هو عنف رمزي مبني على تهويل مبالغ فيه لامتحانات البكالوريا، هذا العنف يطال الأسر ويستهدف بشكل أكثر التلميذات والتلاميذ.

خلل تربوي ومناهج كمية

الفاعل التربوي والنقابي عبد الوهاب السحيمي، يعتبر أن شهادة البكالوريا أصبحت تشكل ضغطاً وتأثيراً نفسياً على المترشحين لاجتيازها، ضغط يعتبر المتحدث، أن من الممكن اعتباره عنفاً رمزياً يُمارس على المترشحات والمترشحين. عنف كان يمارس من قبل، بدرجات مُتفاوتة، إلا أن حدتها ازدادت اليوم مع ما يقع على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي نجدها أمام أبواب المؤسسات التعليمية لأخذ تصريحات من التلاميذ والتلميذات، مما أسهم في زيادة حدة الضغط على التلاميذ.

يتفق المتدخلون على أن مسؤولية مواقع التواصل الاجتماعي ونوع معين من الإعلام قائمة، بحيث يُجمعون على أن التبخيس الذي تمارسه هاته المواقع، يساهم في التقليل من شأن شهادة الباكالوريا، فضلا عن البحث عن المشاهدات من خلال التصريحات المثيرة وغيرها.

السحيمي قال إن رمزية الامتحان تتمثل كذلك في كونه، على الصعيد الوطني، تواكبه مذكرات ومراسلات ونقاشات، فضلا عن استعداد داخل الأقسام يبدأ في وقت مبكر، وتحت ضغط وعنف يمارس على التلاميذ المترشحين، وكذلك على الأساتذة الذين يبذلون مجهودات لتكون النتيجة مرضية، لأنه حين تكون النتائج غير مرضية، فحتى الأساتذة يوضعون في موقف محرج، لأنهم يعتبرون مسؤولين على هذه النتيجة.

سؤال التهويل، يقول السحيمي، بإمكاننا إرجاعه إلى طبيعة المناهج المعتمدة، والتي تتركز على الحفظ، فالمتعلم ملزم بحفظ الدروس والتركيز على الكم عِوض الكَيْفْ، وهذا للأسف يجعل المتعلم تحت ضغط كبير للحصول على شهادة الباكالوريا.

يرى الفاعل التربوي أنه، لإعادة النظر في هذا الإشكال، يجب أن نحاول التخفيف من الضغط وإعادة النظر في المناهج ومن خلالها إعادة النظر في الكتب والمقررات الدراسية والقطع مع أسلوب الحفظ والاتجاه نحو الكيف.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *