السينما والكتب… ثلاثة أفلام احتفت بشغف القراءة وحلم الكتابة
نستحضر في هذا المقال، ثلاثة من أشهر الأفلام الهوليودية، التي نصبت الكتاب بطلا لحبكتها، ونسائل نجاح السينما خصوصا، والفن عموما، في تجسيد عمق الكتب التي ألهمتها.
من منا لم يخرج خائبا من ”مجزرة” اقترفها فيلم في حق النص الأصلي؟
استشعرت السينما، ربما، فداحة هذا الجرح في نفوس القراء عبر العالم، فقررت أن تشمل بإبداعها تيمات القراءة والكتابة نفسها.
يقول الكاتب المصري أحمد خالد توفيق عن السينما: “… فنٌ جمع في أناقة بین فنون المسرح والتصوير والموسیقى. الفن الوحید الذي يمكنه أن يحمل رسالة ثقیلة للناس يستمتعون وھم يتلقونها”.
… لأن الفن السابع اضطلع بهذا الدور الجوهري في تشكيل وعينا بهذا العالم، فلم يقتصر على استلهام السيناريو من كتب شهيرة، بل صوّر في قوالب فنية حميمية، العلاقة التي جمعت الإنسان والكتاب منذ الأزل.
نستحضر في هذا المقال، ثلاثة من أشهر الأفلام الهوليودية، التي نصبت الكتاب بطلا لحبكتها، ونسائل نجاح السينما خصوصا، والفن عموما، في تجسيد عمق الكتب التي ألهمتها.
”القارئ”( The Reader)… لذة الجنس والكتب
ماذا لو كانت الكتب مقابلا للجنس وليس المال؟ جرب فيلم ”القارئ”، للمخرج ستيفان دالدري، غواية هذه الفكرة الحالمة.
الفيلم مستوحى من رواية للألماني برنارند شلينك، كانت تحمل نفس الاسم.
بالصدفة، تلتقي البطلة ”هانا”، التي جسدت دورها الممثلة البريطانية كيت وينسلت، بشاب يافع يدعى مايكل.
بعد أن طلبت منه الدخول لبيتها لينظف نفسه من الفحم، لم تجد حرجا في دعوته للمضاجعة بعد افتتانها بقوامه الرشيق، وبفكرة أنه كان يشغل وقت نقاهته بقراءة الكتب.
تتوالى اللقاءات الغرامية، فبينما تزداد شبقية المراهق بعد اكتشافه للذة السرير، تطلب البطلة تعويضا رمزيا، يتمثل في قراءة عشيقها للكتب لها، بسبب أُميتها (لم يكن مايكل على علم بذلك).
ترقية هانا في العمل وانتقالها من المدينة سيعصف بهذه النزوة. ولأن المصائب تهوى التكاثر، ستتورط هانا في قضية معتقل لأسرى يهود، توفت فيها 300 امرأة يهودية.
خجل الثلاثينية من الاعتراف بأميتها سيسوقها للسجن.
لأن جرح جهل القراءة سيظل عميقا في نفسها، ستباشر بطلة الفيلم التعلم من داخل زنزانتها، بمساعدة من مايكل، الذي كان يرسل لها تسجيل بعض الكتب التي كان يقرأ لها (”السيدة مع الكلب الصغير”، ”الأوديسة”).
بعد التعلم، ستقدم هاناّ على الانتحار، بعد أن صفت كل حساباتها مع العالم، وكأن الفيلم أراد أن يوحي لنا أن: بالكتب نحيا وبالكتب نموت.
”الكلمات”( The words)… بشاعة السرقة الأدبية
”كاتب… ولا تملك قلما؟”، هي أشهر جملة من الفيلم الأمريكي ”الكلمات”، لبريان كلوجمان ولي ستيرنال، والذي برع في توصيف مأساة الانتحال الأدبي.
يُستهل الفيلم بحفل تقديم لكتاب ”الكلمات”، لكاتبه كلايتون هامون، لتشكل فصول المؤلَّف جميع أحداث الفيلم.
تعلق البطل، ”روي جنسين”، بحلم كتابة نص خالد، غير أن كتبه لم ترق أبدا الناشرين.
طمعا في الهروب من هذا الإحباط، يسافر روي مع وزجته ”دورا” لقضاء شهر العسل في باريس. هنالك، تقوم دورا بشراء حقيبة لزوجها روي.
بعد العودة من السفر، بينما كان يهم بفتح الحقيبة لأول مرة، يكتشف روي كتابا دون اسم. يَقدِم روي على تحويل المخطوط إلى الحاسوب، ويشجعه إعجاب زوجته به على اقتراحه على الناشر، لتلقى الرواية نجاحا باهرا.
بينما كان روي يتسكع في المنتزه الوطني في نيويورك، يقابل عجوزا يدعى ”جاك”، يصعقه بحقيقة أن الكتاب له، وأنه رأى النور من جراح حياته البائسة، التي طبعها موت طفلته الصغيرة، ومغادرة زوجته له بفعل عدم تحملها لمرارة الفقد.
”منتصف الليل في باريس” (Midnight in Paris)… حلم التألق في الكتابة
من منا لم يزر باريس، ولو في أحلامه الغافية؟ استثمر المخرج الأمريكي الشهير وودي آلن في افتتان الملايين عبر العالم بعاصمة الأنوار، ليقدم هذا الفيلم الذي جمع بين الرومنسية والكوميديا والفنتازيا.
”غيل”، كاتب سيناريو ناجح في هوليود، سيتشبث بأمل تحقيق ذاته في فن الرواية، لذلك ستستبد به فكرة مغادرة زيف نيويورك والاستقرار في باريس، لتلهمه لتجويد وإكمال روايته.
بينما كان جيل يهيم في شوارع باريس عند منتصف الليل، تأخذه سيارة ”بيجو” إلى حقبة زمنية أخرى، لتحقق أمنيته بالعودة لنوستالجيا الزمن الجميل، ويلتقي بكتاب ورسامين مشهورين مثل دالي وبيكاسو وهمنغواي وفيتزجيرالد.
تتحول إقامة غيل في باريس مع خطيبته ”إينيز” إلى عالم من الجحيم والغرائبية، فبينما تسعى هذه الأخيرة للتشبث بنجاحه في هوليود، يواصل جيل سفره عبر الزمن للقاء الأوساط الثقافية الباريسية.
هل نجحت الفنون في عكس عمق الكتب التي ألهمتها؟
يقول مكسيم غوركي: ”على الفنان أن يعرف العالم كما لو صنعه بنفسه”، لذلك أيقن الفنانون (الحقيقيون طبعا) ثقل المسؤولية التي تحاصرهم، وأدركت السينما أن الإنسان المعاصر دونها… يموت رمزيا.
عن رمزية الكتاب وأهميته، اعترفت الروائية التركية الشهيرة إليف شفاق: ”أتمنى أن تنقذكم الكتب كما أنقذتني”، حتى عندما كان أنطونيو غرامشي يفقد أسنانه في السجن ويدنو من الموت، لم ينضب شغفه بالحديث عن تجربته القرائية في رسائله لعائلته في”رسائل السجن”.
يرى الطاهر العبدلاوي، مخرج أفلام وثائقية وباحث في مجال الصورة، أنه بالنسبة لأي كتاب يتحول إلى سيناريو فيلم، فإن المخرج يكون قبل كل شيء حريصا على تحقيق المتعة، لكي يحقق الفيلم أرباحا.
ويضيف العبدلاوي، في تصريح لمرايانا: ”لغة الصورة صعبة ومليئة بالإيحاءات. هي مختلفة عن لغة الراوي. الأكيد أن هناك أمورا فنية تنضاف للعمل، وهكذا تتحقق عموما الأهداف الاستثمارية للصناعة السينمائية. هذا المنطق يَسقُط عادة في عدم الوفاء للنص الأصلي. بالإضافة إلى ذلك، أي مادة إعلامية بصفة عامة تطبعها الذاتية، فخلفية المخرج وإيديولوجيته تفضي إلى الخروج عن النص الذي ألهم العمل الفني”.
السينما والكتب، زواج أدبي، تطور عندما أدرك الفن السابع أن الكتب وفعل القراءة ليسا مصدر إلهام فقط، بل تيمة أساسية وغاية في ذاتها. غير أن المآرب التجارية والخصوصية الفنية، أثارت نقاشات مستفيضة حول وفاء الشريط السينمائي للنص الأصلي. فهل تحقق الأفلام يوما نفس المتعة الذهنية للقارئ؟
اقرأ أيضا: