تعديلات مدونة الأسرة والقانون الجنائي… ولادة ممكنة في مواجهة عمليات إجهاض مزمنة - Marayana - مرايانا
×
×

تعديلات مدونة الأسرة والقانون الجنائي… ولادة ممكنة في مواجهة عمليات إجهاض مزمنة

ينتظر الكثير من المغاربة التعديلات المحتمل إدخالها على مدونة الأسرة والقانون الجنائي. تعديلات يفترض أنها ستجيب على الكثير من انتظارات الحركة الحقوقية والمهتمين، وأن تكون أكثر ملاءمة مع الدستور المغربي …

ينتظر الكثير من المغاربة التعديلات المحتمل إدخالها على مدونة الأسرة والقانون الجنائي.

تعديلات يفترض أنها ستجيب على الكثير من انتظارات الحركة الحقوقية والمهتمين، وأن تكون أكثر ملاءمة مع الدستور المغربي الذي جاء بمستجدات مبنية على المساواة بين الجنسين وعلى منع التمييز ضد النساء والعنف بمختلف أنواعه، وهذا ما لم تستطع مدونة الأسرة في نسختها الحالية الاستجابة له.

اعتبرت نزهة الصقلي، الفاعلة الحقوقية (وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سابقا) في حديث لمرايانا أن الحديث عن تعديل مدونة الأسرة يرتبط بتعديل القانون الجنائي لأنهم مرتبطين فيما بينهما. لا يمكن أن ننجح في الإصلاح الخاص بمدونة الأسرة، تقول الصقلي، بدون أن يرافق ذلك إصلاح للقانون الجنائي، لأن هنالك مجموعة من القضايا مرتبطة ببعضها البعض.

مدونة تناقض الدستور

هناك مجموعة من القيم الكونية وقيم حقوق الانسان والنساء التي لم تتم ترجمتها داخل نص مدونة الأسرة ولا حتى القانون الجنائي، خصوصا فيما يتعلق بالحريات العامة وحياة الأشخاص والعلاقات الرضائية. ويمكن القول إن التحولات الكبيرة تتعلق مثلا بتأخير سن الزواج، حيث أصبح المعدل الخاص بالذكر بين 32 و33؛ وتقريبا 25 و26 سنة بالنسبة للإناث. هذا الأمر خلق مجالا واسعا جدا لممارسة العلاقات الجنسية، خارج مؤسسة الزواج، وهو ما طرح الكثير من المشاكل، مثل الأطفال المولودين من هذه العلاقات، والوضع الخاص بهم؛ على الرغم من الإنصاف الذي جاء به الدستور المغربي، حيث تعهد بضمان الدولة لحقوق الأطفال بغض النظر عن الوضعية العائلية الخاصة بهم، في إشارة واضحة إلى الأطفال الذين ولدوا خارج مؤسسة الزواج.

بالعودة للقانون الجنائي، تقول نزهة الصقلي، فإن النظر لقضية الاغتصاب، لا يكون من زاوية الحمل والاعتداء على السلامة الجسدية والمس بالنساء، بل يتم التعاطي معه بمنطق الأخلاق والمس بها وبنظام الأسرة، وهو ما يُناقض المرجعية التي جاء بها الدستور والمواثيق الدولية التي صادقَ عليها المغرب.

نزهة الصقلي، في حديثها لمرايانا، تعتبر أن من النقاط التي يجب أن تتغير جذريا، هي مسألة الولاية الشرعية للأطفال، التي تظل حكرا على الرجال، فالمرأة هي من تحمل وترضع وتسهر، ليتم حرمانها من الولاية على الطفل بقوة القانون. كما يتم حرمان النساء المطلقات من الحضانة بعد زواجهن للمرة الثانية، وهذا غير منصف في حق المرأة، لذلك، تقول الصقلي، يجب إعادة النظر في هذا القانون، تطبيقا لمبدأ المساواة.

في نفس السياق، لازالت مسألة تزويج القاصرات سائدة، نظرا لوجود بعض التيارات الإيديولوجية التي تطالب بها كحق مشروع للرجال، في حين أنها جريمة لا تغتفر تجاه حياة القاصرات واتجاه المجتمع.

إشكالات عديدة تنتظر أن تُحل، توردها نزهة الصقلي في حديثها لمرايانا، ضمنها النقاش حول الإرث ومسألة التعصيب، التي لم يتطرق لها القرآن نهائيا، حيثُ وضع قيود كثيرة لها مما أفرغها من قدرتها على تحقيق الانصاف.

هل لا زلنا بحاجة للعودة للمذهب المالكي؟

تنص المادة 400 من مدونة الأسرة على أن “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. في هذا السياق، أكدت الصقلي أن هذه المادة تفتح علينا بابا كبيرا من الإشكالات، كما تترك المجال الاجتهادات التي تعود للقرون الوسطى.

“لا نزال في نقطة الصفر، رغم التحكيم الملكي في قضية الإجهاض السري الذي يؤدي إلى أخطار كبيرة على صحة المرأة ويخلف ضحايا كثيرات”؛ هكذا علقت الصقلي تفاعلا مع استمرار منع التوقيف الإرادي للحمل، مما يؤدي لاستمرار ممارسته بشكل سري، وكثيرا ما يكون في ظروف غير ملائمة تودي بحياة النساء.

بالعودة للتحكيم الملكي، فقد سبق وأمر الملك محمد السادس في 2015 وزير العدل السابق المصطفى الرميد، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإدريس اليزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بدراسة موضوع الإجهاض إلى جانب المجلس العلمي الأعلى، إلا أنه على الرغم من ذلك، لا يزال المشكل عالقاً، على الرغم من الإشكالات المجتمعية من قبيل اغتصاب الأقارب، والاغتصاب، والتغرير بالقاصرين، فضلا عن حالات الحمل التي يكون فيها “الطفل” مُشوها ولا يسمح له بحياة طبيعية وعادية كباقي الأطفال.

علاقة بالنقطة التي تثير الجدل كثيرا، وهي المادة 490 من القانون الجنائي، والمتعلقة بالعلاقات الرضائية، فإن الخطورة تكمن في كونها وضعت لمعاقبة النساء لوحدهن، بينما الرجال، وحتى في حال ضبطهم في حالة ما يسمى بالخيانة الزوجية، فإن الزوجات في الغالب، سيتجاوزن عنهم. هذا ما يسودُ اليومَ في المجتمع، تقول الصقلي؛ في حين أن النساء، يقع عليهن لوم أكبر، سواء كن فاعلات في ما يسمى بالخيانة الزوجية أو ضحايا لها، حيث يتم توجيه الاتهام للمرأة بأنها السبب في ممارسة الرجل لهذه العلاقة الجنسية.  وحتى عندما تلجأ بعض النساء لتقديم شكاوى اغتصاب، في حال عدم تمكنهن من إثبات الاغتصاب، يجدن أنفسهن متورطات ومعرضات للعقاب بموجب مقتضيات الفصل 490.

محنة الزواج المدني

أشكال اللاعدل وعدم المساواة في مدونة الأسرة كثيرة، توردها الصقلي، حيث تقول إن الرجال لديهم الحق في الزواج من غير مسلمة، أما النساء فزواجهن يقتصر على الرجل المسلم فقط، فضلا عن إشكالية الميراث لغير المسلمة من الرجل المسلم، حيث لا يحق لها أن ترث فيه، انطلاقا من فكرة عدم توارث المسلم وغير المسلم.

إشكاليات كثيرة، تطرحها الحقوقية والوزيرة والبرلمانية السابقة نزهة الصقلي، حيث سينعكس تعديل هذه المقتضيات على المجتمع، ليصبح أكثر تصالحاً مع ذاته وأكثر تسامحا مع كل التوجهات داخله.

في هذا السياق، يقول الباحث السوسيولوجي مصطفى بنزروالة في تصريح لمرايانا، أنه وجب التأكيد على أن تحليل المتغيرات وتفسير طبيعتها والوقوف على حدود تأثيرها في البنية الاجتماعية، أمر يحتاج الكثير من التأني والحذر، لأن القانون الجنائي ومدونة الأسرة ومسألة تعديلهما أو مراجعتهما، لازالت حبيسة نقاش عام لم يرق بعد حتى لدرجة النقاش العمومي بين الفاعلين الحقوقيين والأكاديميين. ولا زلنا بعيدين عن نقاش سياسي مجتمعي، متحرر من الايديولوجيا والمرجعيات الجاهزة.

تغيُر اجتماعي مركب

يعتبر بنزروالة أنه من المؤكد أن كل تحول وتغير على مستوى الترسانة القانونية، سيكون له بالغ الأثر على تعبيراته وتطبيقاته في مجال المؤسسات الاجتماعية، خاصة الأسرة. كما أن مقولات التحولات الاجتماعية أو التغيرات التي يمكن ان تطرأ على بنياته ومؤسساته ليست بالأمر الذي يمكن أن يقع بالطفرة أو المفاجأة، ولا يمكن حتى ملاحظته إلا بعد مرور زمن معتبر، خاصة إذا كان المجتمع شبيها بخصائص مجتمعنا المركب.

الحديث عن تغييرات قانونية لوحدها مؤثر، لكن ليس لدرجة إحداث طفرة سريعة في تمثلات الأفراد لمؤسساتهم الاجتماعية. هذه الأخيرة تتأثر بمعطيات قد تتجاوز في كثير من الأحيان المعطى القانوني الصرف، لتمتح أسس وجودها من إطارات مرجعية متعددة، منها الدين، العرف، التقليد، الطقس، الثقافة، التاريخ وغيرها من اطارات تأطير الفعل الاجتماعي.

بنزروالة يعتبر أنه يمكن الخلوص إلا أن تغييرات جوهرية في مدونة الأسرة كفيلة بتغييرات نسبية لتمثل الناس للزواج وللعلاقات الثنائية الرضائية والطلاق وتربية الأبناء؛ لكنها لن تمحو ببساطة مفاهيم ومرجعيات ثقافية ثابتة لديهم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *