“لا أتبرع لأن الدم يباع”… عن موانع التبرع بالدم بالمغرب - Marayana - مرايانا
×
×

“لا أتبرع لأن الدم يباع”… عن موانع التبرع بالدم بالمغرب

“أغلب المواطنين لازالوا يتحفظون من التبرع بالدم، لأنهم يعتقدون أنّ الدولة تقوم ببيع أكياس ذلك الدم، وهذا ليس صحيحا. الوقت الذي ستستغرقه لكي تقنع مواطنا بأنّ تبرعه بالدم سينقد 3 أشخاص، هو نفسه الوقت الذي تموت فيه عدة حالات بسبب نقص الدم”.

كلّما تمّ تنظيم قافلة للتبرّع بالدم، إلاّ ورأينا العديد من الناس يملؤون المكان للتبرع وتقديم الدعم والمساعدة. لكن، هل سردية “الكمّ” تكفي حتى نتبيّن مدى تغلغل ثقافة التبرع بالدم داخل أفق المغاربة؟

في سنة 2020، قدم المركز الوطني لتحاقن الدم ومبحث الدم أرقاما حول وضعية التبرع بهذه المادة الحيوية في المغرب خلال سنة 2019؛ إذ بلغ عدد المتبرعين بالدم على مستوى التراب الوطني 334 ألف و510، بزيادة بنسبة 4 بالمائة مقارنة بسنة 2018.

44 بالمائة من التبرعات تأتي من المركزين الجهويين لتحاقن الدم في الدار البيضاء والرباط، كما وصل المعدل الوطني للمتبرعين المتطوعين 93 بالمائة؛ نسبة 7 في المائة من الفئة المتبرعة المتبقية كانت من الوسط الذي ينتمي إليه كل مستفيد، أما نسبة المتبرعين المنتظمين فقد بلغت 28 بالمائة مقابل 22 بالمائة سنة 2018.

الرقمية في خدمة الدم؟

يتقاسم أيمن تجربته في تلقي تبرعات الدم مع مرايانا، حيث يقول: “ذات مرّة تعرضت لحادثة ونزفت دماء كثيرة. ولجت المستشفى، وكنت في حاجة إلى نسبة مهمة من الدم. أعلن أصدقائي المقربون الحاجة وفصيلة الدم عبر الأنستغرام والفيسبوك، وبعد وقت قصير جاء العديد من الناس ليتبرعوا بالدّم لي. كانت والدتي مغمورة بالفرح، لأنّ الممرضات بثّوا فيها نوعا من اليأس. أخبروها أنه نادرا جدا ما يأتي الناس ليتبرعوا غيرأقرباء المريض أو أصدقاؤه”.

“حين شفيتُ، بدؤوا في المستشفى يحاولون خلق نوع من المرح حول الموضوع، عبر ربط الكم الذي جاء بأنني أضع “سحر القبول”. أعتقد أنّ كرم المغاربة لا حدّ له، حتى في موضوع الدم، خصوصا أنّ ثمة غرباء، رأوا الإعلان وقدموا بسرعة للمساعدة، ولا معرفة شخصية لهم بي من قريب أو من بعيد”، يضيف أيمن.

الأمر ذاته يؤكده مروان الذي يقول إنه في إحدى المرّات، كان يراهن على تنظيم حملة للتبرع بالدم داخل مؤسسة للتعليم العالي بالرباط، وكان التفاعل معها مثيرا جدا.

ويواصل: “هناك من لمسنا فيه نوعا من الخوف والتردد، لكن هناك من اقتنع وهناك من اختلق ذرائعليتنصل من ذلك، وهناك من عبر عن رفضه للفكرة أصلاً. كما هناك من شكّ في الجدوى من تنظيم العملية وإلى أين ستذهب تلك الدماء. التبرع بالدم بالمغرب ثقافة لازالت تشكو من خصاص في الشّجاعة؛ والدولة لا تشجع بدورها عبر التّواصل والتّوضيح. غير أنّه في الحالات الحرجة، لا يتردد من له الإمكانية في تقديم الدعم والمساعدة”.

لكن، الذي يشدد عليه مروان في تواصله معنا أنه “حين تداولنا الخبر عبر الرقمي، وجدنا تفاعلاً محمودا مع الحملة؛ حتى أن أشخاصا من مدن بعيدة عبروا عن رغبتهم في تقديم الدعم. ثمّة مواقف مبهرة تحدث كلما أثير موضوع التبرع بالدم. المواقف النبيلة دائما تبرز جانبا من الشعور بالتضامن والتآخي والتجسيد الواعي لقيم الإنسانية والعيش المشترك والتكافل، لكن، رغم ذلك، ثقافة التبرع بالدم لازالت محدودة جدا ببلدنا”.

شكوكٌ تجهض ثقافة

ثقافة التبرع بالدم بالمغرب، وفق شهادات المتخصصين، لازالت محدودة، رغم ما قد يبدو من أمل. وهنا، نستقي شهادات ممرضات يعشن هذا الوضع بشكل يوميّ.

عفاف العم، ممرضة سابقة، تفسر لمرايانا بعضا من تجربتها. تقول عفاف: “بحكم اشتغالي بأحد المستشفيات العمومية، كنت ألاحظ عدة حالات تحتاج إلى دم، سواء لأسباب صحية قاهرة أو احتياطا لإجراء عمليات جراحية.

لكن قلة هي الحالات، وفق المتحدثة، التي كانت تجد من يتبرّع. أغلب المواطنين لازالوا يتحفظون من التبرع بالدم، لأنهم يعتقدون أنّ الدولة تقوم ببيع أكياس ذلك الدم، وهذا ليس صحيحا. الوقت الذي ستستغرقه لكي تقنع مواطنا بأنّ تبرعه بالدم سينقد 3 أشخاص، هو نفسه الوقت الذي تموت فيه عدة حالات بسبب نقص الدم”.

من ناحية أخرى، رشيدة سليماني، ممرضة مغربية، تلاحظ أن هناك مشكلا في التواصل بين الدولة والمواطنين في ما يتعلق بقضية التبرع بالدم. أضف إلى ذلك، مشكل الاستقبال في المستشفيات.

كانت هذه الممرضة تلاحظ، في بعض الأحيان، أنّ المتبرع قد يأتي ويتم تجاهله لوقت طويل، يتم التعامل معه بلا مبالاة. هذا ينفّر المواطنين ويجعلهم غير راغبين في التبرع. هناك أيضا مشكل عدم الثقة بمنظومة الصحة المغربية، بسبب هشاشة الوضع الصحي ببلدنا، فحالات كثيرة لا تعثر على خدمات صحية في المستوى، وبعض المستشفيات تشبه السجون ولا تشجع أبدا على زيارتها أو المكوث فيها.

أمّا سميرة توفيق، ممرضة مغربية، فتعتبر في تصريحها لمرايانا أنّ “الدم مادة حيوية لا يمكن صناعتها أو خلق بدائل تشبهها. لذلك، الحلّ هو التواصل الجيد والفعال والشرح المستفيض وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين عبر محاولات بناء الثقة.

من خلال عملها، تقول سميرة، “كان يبدو لي أنّ المغاربة حقًّا كرماء، لكنهم في حاجة إلى من يعاملهم كمواطنين لهم حقوق، وهذا سيشجع في انعكاس هذا الكرم لديهم وترجمته في سلوك تبرعيّ. كنت أصادف من لا يعرف أي شيء عن التبرع بالدم ولا حتى كيف يتم، وهناك من يتخوف أن يحدث له شيء ويتملص العاملون في القطاع من المسؤولية. ثمة مواطنون يعتقدون أن من يعمل في القطاع الصحي هو بلا ضمير، بدون رحمة ولا يهتم بحياة المواطنين. الثّقة هي مفتاح كلّ هذه الحكاية. واستعادتها سيتطلّب وقتا كبيرا جدا”.

فاروق مؤمن، طبيب مغربي، يشرح أنّ المستشفيات تمنح للمريض الحقّ في استقدام متطوعين للتبرّع له حصرا إذا كان يحتاج إلى دم، لكنها أيضا تمنح إمكانية اقتناء تلك الأكياس بمقابل مادي. سيقول قائل إنّ الدم تجنيه مراكز تحاقن الدم مجانا من متبرعين في حملات منظمة من طرف جمعويين أو جهات رسمية أو مؤسسات، إلخ.

وذلك صحيح، وفق ما يبينه مؤمن لمرايانا، “إلاّ أنه في الحقيقة لا يباع ولا يشترى. المبلغ الذي قد يدفعه المريض متعلق بتكاليف تنفقها الدولة، وهو مقنن وصادر في الجريدة الرّسمية. كما أنّ المغاربة الذين يتوفرون على بطاقة “راميد” سابقاً يستفيدون من الدم مجانا”.

مؤمن يضيفُ في تصريحه لمرايانا أنّ بنك الدم الوطني بالمغرب، لازال يشهد نقصا حادا في مخزون الدم، و”بيع” الدم لا يعني بيع المادة في حد ذاتها، وإنما هو فقط تعويض عن جملة من الخدمات فقط: التحاليل، كفصيلة دم المتبرع وتحاليل الأمراض المعدية وغيرها.

وهذه الخدمات ذات كلفة، لكنّها تقدم مجانا مقابل التبرع؛ أضف إلى ذلك نفقات إطعام المتبرعين وتكاليف تنقل المعدات والعمليات التي يخضع لها دم المتبرع، بغية حفظه وتخزينه ليصبح مؤهّلا وآمنا وصالحا للاستعمال”.

كيف نشجع؟

حمزة ترباوي، إعلامي ومدون، يرى أنّه وفقا لمواكبته لهذا الموضوع، يجد أنّ “هناك بالفعل من يقول إن الدم يباع. هنا، أتساءل هل هذا مبرر يجعلنا نتوقف جميعا عن التبرع، ونترك الناس تموت؟ هذا غير معقول، إذا كان لدى أي شخص أي شكوى فليتقدم بها، ومع ذلك، فليتبرع في انتظار تغيير القوانين. لأنها مسألة حياة أو موت”.

ضمن سلسلة “حلول حمزة” التي يقدمها الترباوي على صفحاته بالوسائط الرقمية، يوضح لنا أنّ هناك عدة حوافز يمكن تقديمها لجعل الناس يحبون التبرع بالدم. بعض الدول ترسل لك رسالة عندما ينقذ دمك حياة إنسان ما، هذا محفز جميل جدا، ويمكن وضع نظام هدايا، كلما تبرعت أكثر كلما جمعت نقاطاً أكثر، ثم تحصل على هدايا تقدمها الشركات أو الدولة (مثل فحوصات مجانية أو تذاكر..)، كما نأمل في عودة التبرعات الجماعية في مجموعات فيسبوك…

يمكن خلق نوع من المرح في عمليات التبرع عبر الغناء والموسيقىبالقرب من مراكز تحاقن الدم، لكي يلج المتبرع وهو بكامل حيويته. وشركات العصير ومحلات المأكولات الكبرى يمكن أن تقدم الوجبات بالمجان في مراكز التبرع، لكي تعبر عن سلوك مواطن مطلوب في هذه الظرفية بالذات.

يتساءل حمزة في حديثه لمرايانا: هل أحد منا متأكد أنه لا يعاني من مرض السيدا؟ عند التبرع بالدم تقدم لنا مراكز التّبرع نتائجا للأمراض المنقولة جنسيا، ومن بينها السيدا، بالمجان. وهكذا نكتشف أمراضنا المحتملة مبكرا جدا قبل ان يسوء الوضع.  وأنا أؤيد جدا، يواصل حمزة، فرض التبرع بالدم كطريقة لدفع الغرامات بدلا من المال فقط.

الغرامات لا تنتهي، وهذا يعني أن المخزون كذلك سيستمر طول السنة. كذلك، إذا كان كل شخصين، قبل ممارسة الجنس أول مرة، يطلبان من بعضهما تحليل الأمراض الجنسية، فهذا سيشجعهما، ربما، على التبرع بالدموالحصول على نتائج التحاليل مجانا.

كذلك، يوجه حمزة النداء لمنظمي حملات التبرع بالتوقف عن استخدام اللون الأحمر، لأنه لون الخطر. “أقترح أن يغطوا الأكياس ويستخدموا اللون الأخضر (مثل ملابس الجراحين) عند إظهار الدم في الإعلانات مثل إعلانات الفوطة الصحية”.

في النهاية، يبقى التبرع بالدم رهينا بدرجة التوعية والتواصل مع المواطنين من طرف وزارة الصحة المغربية وغيرها من المؤسسات المعنية.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *