رحمة حموش: المرأة التي قاومت الاستعمار الفرنسي بِـ”بَيتِهَا”… - Marayana - مرايانا
×
×

رحمة حموش: المرأة التي قاومت الاستعمار الفرنسي بِـ”بَيتِهَا”…

… هي مثل فاطمة نسومر وجميلة بوحيرد في الجزائر، ومثل مي فامة في المغرب.

هنّ، في الأصل، أربعة نساء بمصير مشترك: مقاومة الاستعمار، بصيغة المؤنّث. لكن شكل نضالها يختلف، فهي رحمة حمّوش، التي اقتحمت عالم النضال ضد السلطات الكولونياليّة باكراً، والتي أكّدت استعدادها للتضحية بحياتها، خدمة… للوطن!

أو قل، رحمة حموش، التي تنقل المصادر كلّ ما قامت به من أعمال بطوليّة، أبهرت الجميع في ذلك الوقت؛ وقررت أن تخلّد اسمها، لا كجارية عند عملاء المستعمر، ولا كخادمة عند المستوطنين، بل كامرأة مغربية حرّة آمنت بقناعة التّحرير فكراً وممارسةً.

سيرة مجهولة

ما يعرف عن رحمة حموش أنها صرخت أول مرة، في هذا العالم، سنة 1906، بالخندق بمنطقة البهاليل قرب صفرو. لذلك، عرفت بين المقاومين برحمة “البهلولية”، وكان ذلك اسم “شهرتها”.

الشائع عن هذه المرأة أنّها كانت تنتمي إلى أسرة جد عادية، لا فقيرة ولا ثريّة؛ وكان والدها هو محمد بن الطالب. الكيفية والظروف التي قضت فيها رحمة طفولتها مجهولة، ولم ترد عنها معلومات إلاّ حين تزوجت للمرّة الأولى بعبد السلام القندوسي، الذي كان نقيبا للزاوية القندوسيّة بصفرو آنذاك.

تجمع الروايات التاريخية أن رحمة لم تكن متعلمة. لكنها، “تعلّمت” عن زوجها شيئا من مبادئ الدفاع عن الوطن والتضحية من أجل تحريره. وجمعت بين الفطنة والشجاعة، وبين الأعمال التي تتعلق بطبيعة عمل النساء وقتذاك: “ربّة بيت”، وبين عملها النّضالي المبدئي.

توفي زوجها خلال المقاومة. وبعد سنتين على ذلك، تزوّجت ثانية مقاوما مغربيًّا يسمى علي بن محمد، فتسللت إليها عقيدة النضال بشكل مضاعف، حتى صارت مناضلة سرية، وفق بعض الرّوايات.

مقاوِمة من توقيع فريد…

سيصعد نجم رحمة حموش حين جرى نفي الملك الراحل محمد الخامس والأسرة الملكية سنة 1953، وتعيين ابن عرفة كسُلطان صوري، من طرف السلطات الفرنسية الاستعمارية. حينها، عرفت الشوارع المغربية، في كل المدن الكبرى، اكتظاظا للمواطنين الرافضين لهذا النفي، وهناك بدأ العمل الفدائي ضد الفرنسيين وعملاءهم.

في ذات السنة، تم تنفيذ هجوم على إحدى ثكنات المستعمر الفرنسي بسيدي بوسرغن بصفرو، تزعمه الحسن البرنوصي، الذي كان جارا لرحمة. في هذا الهجوم، حصد المقاومون المغاربة غنائم ثمينة من العتاد والسلاح. لم يجد الثوار مكانا لإخفاء ذلك الكم الهائل من الأسلحة. لذلك، تشير المصادر، اقترحت رحمة البهلولية على المقاومين أن تجد لهم منفذا لكي تتوارى تلك الأسلحة عن الأنظار كليًّا.

أين ستخفي رحمة تلك الأسلحة؟ طبعا، في بيتها، الذي أصبح ملاذا للاجتماعات السرية للمقاومين. فعملية تهريب الأسلحة كانت مهددة بأي هجوم مضاد من المستعمر. بالتالي، قد يتم استرجاعها… لكنّ رحمة التي فتحت قلبها لمعنى الوطن، فتحت أبواب بيتها لكلّ الأعمال النبيلةالتي قد تحرر بلدها. كان بيتها محصّنا جيدا، وكان فضاء آمنا لتداول الأخبار والأحداث، والتخطيط للهجمات ضد الجيش الفرنسي.

تقول مريم أبروش وهي صحافية مغربية في تقرير لها عن رحمة حموش، إنها كانت “تلبسُ جلبابها وتلثم وجهها وتمشي بكل حذر في الأزقة الضّيقة. تدخل الفرن التقليدي كجميع النساء لتجلب الخبز. ويمر مقاوم فيضع السلاح في “الوصلة” ويختفي.

تحمل ”الوصلة” بكل هدوء، تتأكد بأن السلاح مخفيّ جيدا وتخرج، تدخل بيتها بدون ضجيج وتخبئ الغنيمة هناك. ويحكى أنها كانت تدس الأسلحة وسط كوم من الحطب، أو في سلاسل الغلل الخاصة بالقمح والشعير. كما كانت تحشر الرشاشات والبنادق في ملاحيف الصّوف، وتحتفظ بها إلى حين يأتي دورها ويطلبها رجال المقاومة لتنفيذ خطتهم الفدائية ضد السلطات الاستعمارية”.

الراجح أنّ ما قامت به رحمة اعتبر عملاً كبيرا، رغم أنها لم تحمل السلاح، لكنّها حمت ذلك السلاح، في وقت كانت السلطات الفرنسية لها أعين لا تنام من المخبرين المحليين. فبعد تلك الهجمة و”اختطاف” الأسلحة، في الحي حيث تقطن رحمة تحديدا، تم وضع مسلحين فرنسيين لمراقبة الأجواء، وما يجري في الأرجاء.

كان كل من يشك فيه الجنود الفرنسيون يتم اعتقاله. أصبح التفتيش أمرا روتينيا، وشاع السجن والاختطاف القسري والتّعسفي في صفوف المقاومين… ورغم ذلك لم يصلوا إلى ما هو مخفيّ بين حيطان بيت رحمة حمّوش العازلة.

بعمل مدروس ومضبوط، كان الحصول على الأسلحة يوميًّا أمرا ممكنا، إذ عُرف أنّ بيتها كان يزوره المقاومون لأخذ الأسلحة في جو رهيب من الحيطة والحذر والاحترافية. والدليل، أنّ التاريخ ومصادره، يذكرون أنّ تلك الأسلحة بقيت في بيت رحمة حموش طيلة السنوات القليلة التي تبقّت حينها من عمر الاستعمار الفرنسي بالمغرب. حيث استطاعت هذه المرأة أن تحرس الأسلحة بأمانة وإخلاص، حتى لو كان كمّ العتاد كبيراً، كما تنقل بعض الروايات.

ظلت الأسلحة تسكن بيت رحمة، وظلت رحمة تسكن البيت، وظل حلم التّحرير ساريا بنوع من الصمت. سهرت الليالي لتلبية طلبات المقاومة، ولضبط إيقاع التزويد بالأسلحة، بذكاء وسلاسة… إلى أن عاد الملك محمد الخامس من منفاه، وتم إعلان استقلال المغرب سنة 1956، بعد توقيع اتفاقية إيكس ليبان من طرف رجال الحركة الوطنية وقتها.

ينقل أنّ رحمة حموش سلّمت تلك الأسلحة للجهات المسؤولة بعد احتواء جيش التحرير، ولم تطلب أي تعويض جراء ذلك. كانت تعتبر، ربما، أنّ الوطن هو الثمن، والحرية هي الكنز الوحيد… وعادت إلى حياتها الطبيعية، وصارت ربّة بيت مجددا. لكن هل أفلتها التاريخ؟

رحمة حمّوش حين عادت لطقوسها، تركت كلمة الفصل للتاريخ. رحمة التي ظنت أن شيئا لم يحدث، وأن سنواتها بالمقاومة كانت شيئا واجبًا، ترجّلت في الخامس من يناير 1988، وتم دفن جثمانها بمسقط رأسها بالبهاليل نواحي مدينة صفرو. دفن جسد، لكن لم تدفن مُقاوِمة، ولم تدفن… رحمة حموش أصلاً.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *