المينيماليزم أو التقليليون المغاربة: لا أشتري إلا ما أحتاجه فعليا! - Marayana - مرايانا
×
×

المينيماليزم أو التقليليون المغاربة: لا أشتري إلا ما أحتاجه فعليا!

لا تؤدّي معهم المحتويات الإشهارية وظيفتها، ولا تغريهم النزعة الاستهلاكية المفرطة… هم مغاربة قرّروا السّير في طريق بسيط. مسارهم هادئ يتخلّص من فوضى الشراء العشوائي، ومن وهم “الحياة المعاصرة”. يريدون ممارسة الحياة باعتدال، لذلك هم إقلاليّون، أو “مينيماليست” Minimalistes، جعلوا من الزّهد والادّخار… نهجهم الأسمى!

حكاية المينيماليزم تعود بدايتها الجنينية إلى ستينات القرن الماضي، وكانت آنذاك حكراً على الفن، كالرّسم والفوتوغرافيا، والموسيقى أيضا. كانت غايتها زمنئذٍ الاحتفاء بالفضاءات وشاعريّة الأشياء والأمكنة، من خلال الاعتماد القليل على العناصر المؤثثة لتلك الفضاءات، والتقليل من الألوان أيضا.

فيما بعد، أصبح التخفّف “فلسفة” وأسلوبًا مطلوبًا للحياة، بما فيها العمران والديكور… إنّها محاولة للعيش بالكثير بأقل الأشياء المتاحة، فالقليل كثير في تصور المينيماليزم.

لكن… الميناماليزم، الذي يعنينا، هو أسلوب البساطة والتوفير واقتناء الأشياء الأكثر أهمية، والتخلص من غير الضرورية منها. هذا ما أصبح يحكم تفكير وممارسة بعض من المغاربة.

إشهاراتٌ بلا معنى

تقول سلمى الوطاسي، (25 سنة) مقيمة بالرباط، إنّها تختار المينماليزم عن قناعة وبعد إعجابها ببعض التّجارب من داخل الثقافة اليابانية، وظهور كُتَّاب “يُنظرّون” للعيش بأقل الوسائل الممكنة، وفق تجاربهم الخاصة، مثل ماري كوندو،وهيديكوياماشيتا، وفوميوساساكي. إضافة إلى مشاهدتها لفيلم The Minimalists.

عن مصادفتها زخما من الإشهارات بشكل يومي، توضح سلمى: لا تثيرني الإعلانات التي أصادفها في الملصقات وفي الشوارع الكبرى وفي التلفاز والهاتف، إلخ. كلّ دعاية إشهارّية هي بلا قيمة بالنّسبة لمعظم التقليليين، إن لم نقل كلّهم. حين أذهب للسوق مثلاً، أعرفُ مسبقا ما سأقتنيه لحاجة ملحّة وليس ترفًا.

النزعة الاستهلاكية، حسب المتحدّثة، دمّرت معنى السّعادة، وتجعلنا نلهث خلف “سعادة” لا متناهية. فكلّ منتوج تقتنيه يؤدي “سعادة” لحظية، لتبدأ الرغبة في البحث عن “سعادة” رديفة من جديد. لننظر كيف ينتظر بعض المغاربة، كل سنة، في طابورات طويلة، وبعد منتصف الليل، منتوجات آيفون مثلاً. مجرد جنون وهراء وإسراف بلا معنى.

لهذا، تصف الوطاسي جماعتها بأنهم “أصدقاء البيئة”، لأنّ “من بين أكبر هموم التقليليين المغاربة حماية البيئة، لأننا نعاني من الجفاف والتّصحر والتلوث. وفي أحاديثي مع أصدقائي التّقليليين، أخبرني عدد منهم أنهم يقاومون شراء الكتب المطبوعة، ويشجعون على المطالعة الرّقمية. ومنهم من يقتني كتبًا مستعملة أو يحصل عليها من أصدقائه حتى لا يشتري كتبًا جديدة، نظرا لكون الطّبع مضرّ بالبيئة”.

تسترسل سلمى: “شخصيا، أصبحت أستمع إلى الكتب الصّوتية، وقد أشتري للضرورة القصوى كتابا واحدا، أقرأه وأشاركه مع من يهتم، عرفت كثيرا من الناس يشترون مئات الكتب ولا يطالعون أيًّا منها. يؤثثون بها الرفوف فقط. الأوضاع البيئية في العالم كارثيّة، ويمكننا أن نعول على التقليلية في سلوكات الأفراد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.

أمين السقلي (30 سنة)، القاطن بمدينة مكناس، يقول إنّ إفراغ منزله من الأشياء غير الضّرورية، جعله يملأ حياته بالاطمئنان والسعادة والاستقرار.

يقول السّقلي في تصريحه لمرايانا: حين تخلّصتُ من الثياب القديمة والمقتنيات البالية، أصبحتُ أحسّ بنوع من الحرية، وبدأت أحس بشساعة الفضاء الذي أقطن به. كانت تحتلّ مساحة كاسحة من غرفتي، والخزائن ممتلئة بأشياء لا جدوى منها، لذلك أقدّمها لمن يحتاجها وأعيش بعدد محدود من الألبسة لأطول مدّة ممكنة. تلك الفوضى التي كنت أعيش فيها كانت مربكة حقا، فلو ضاع مني مفتاح البيت أو مفاتيح السيارة، لا أعثر عليها نظرا لكثافة الملابس والأشياء المرمية في غرفتي.

متحدّثا عن الإعلانات التي تكتسح واقعه، يستطرد أمين أنه يمرّ بسرعة على البقعة الصّفراء التي تحيل على وجود إعلان في فيديو على الفيسبوك أو اليوتوب.

يقول: “أعرف أنها تتغذى على رغبتنا في الانخراط في عالم معولم، لكننا نمعن في دعم هذا الشَّره المرضي القهري. الإعلانات تحثّك على الشراء ثمّ الشراء، وهي لا تخاطب عقلك، وتعدك بسعادة غير موجودة إطلاقا. في المقابل لا نجد إشهارات تعلمك كيف تدبّر ممتلكاتك، وأنّ ما لم يعد صالحًا، من الأفضل استغلاله أو منحه لمن يستغله، سواء كان ذلك كُتبًا أو ثيابًا أو مقتنيات. لا أقصد أن الشقة يجب أن تصبح فارغة بالكامل، فهذا لا يجعل رغبة أصلاً للعيش فيها، بل أن تتسم كل الوسائل المتاحة بالبيت بالأهمية والأساسية”.

أسلوبٌ “بلا… تصوّر!

تتواصل مرايانا مع هند جبران، (27 سنة) ممرّضة، اختارت التقليلية كأسلوب للعيش منذ فترة التكوين الجامعي. تحدّثنا هند عن أهم قواعد أن تكون تقليليًّا أو مينيماليست، معتبرةً أنّ “الجميل في التقليلية أنها تتجاوز التنظير والتعقيد والطقوسانيّة. ليست هناك طقوس في التخفّف، وليست ثمّة قواعد علينا اتباعها. لا توجد طرق صحيحة وأخرى خاطئة في التقليلية كأسلوب حياة. كلّ شخص له تصوّره الخاص، لكن الغاية واحدة: مقاومة الاستهلاك وحماية البيئة.

تضيف هند أنّ التقليلية لا تعني الانسحاب من الحياة. والتخفّف عالم في حدّ ذاته؛ إذ هو يشمل المعتدلين والمتطرفين في تخفّفهم. من ناحية أخرى، لا يمكنُ أن يتخلص الإنسان من هدايا أو أشياء خاصة كصوره الموضوعة على الحائط، لأنها هي ما يشعره بالراحة، فمثلا قد نقول إن الأصل في التّقليلية أن تكون صورة واحدة في الحائط وألوان الحائط قليلة حتى يتاح للعين السّفر داخل المحيط بأريحية. وأحيانا التخلص من أشياء حميمة مهمة صعبة، قطعا، إذا ما نظرنا إلى الارتباط العاطفي الذي قد نشعر به تجاه أشياء معيّنة.

في قصة مختلفة، يحكي منعم عبدلاوي (36 سنة) بداياته في سراديب التّخفف، موضّحا: بدأتُ أعي حاجتي إلى التقليلية وضرورة تبني أسلوب الحياة هذا، حين قطنتُ بشقّة متوسّطة المساحة. في البداية أردت تأثيثها، وبعد مدة وجدت أن عملية الاقتناء كانت مكلّفة وعشوائية. أصبحت أرى الأشياء تتراكم باستمرار، وبدأت أشعر بالاختناق والإحباط الدائمين، وبدت الحاجة إلى الترتيب والتنظيف تزداد بشكل دوريّ ومزعج.

“كنت أعيش في جو من التبذير”. من هذا المنطلق يتحدّث منعم عن نمط حياة يستهويه. يقول: وقتئذٍ، وجدت أنه من الحتميّ أن أجد طريقة خاصّة تشعرني بالارتياح والهدوء، خصوصًا أنني كنت أقطن وحيداً حينها. وجدت أن التخفّف هو النهج الأنسب والأجود لي. بعتُ جزءا من المقتنيات، وأهديت بعضها للعائِلة وللمُحتاجين. منذ ذلك الحين وأنا أعيشُ بهناء وبساطة. وإذا احتجت شيئًا غير ضروري أو لاستعمال لحظي قد أقترضه، أو أقتنيه مستعمَلاً.

منعم يفسّر أنه “مع موجة الرقمية، لم تعد التقليلية رد فعل مستهجِنٍ للنزعة الاستهلاكية فحسب، بل انتقل تأثيرها إلى استنكار عرض الذات بشكل مفرط في الافتراضي. هناك مقاومة شرسة للتواصل الفائق ولنشر المعلومات الخاصّة والحميمة. وهذا يجعل من التخفّف أسلوبا في الواقعي وحتى الافتراضي.

هذا يوضح أن التقليلية هجينة ومرنة ولا قواعد فيها. القواعد تتعلق بشخصية المينيماليست حصراً، لذلك هو قابل للتكيّف مع مختلف الطقوس التي يمارسها. ولذلك، نجدها عند البعض، تشمل العلاقات الإنسانية أيضا، فكثير من التقليليين يكتفون، في محيطهم، بالأسرة والشريك أو الشريكة والأصدقاء المقرّبين جدًّا”.

التقليلية لازالت محتشمة بالمغرب، وهناك صور نمطية عن الذين اختاروا هذا النمط بالبلد، كما يوضح حمزة مسعودي (29 سنة) لمرايانا، حيث يحكي أنّ “كثيراً من أصدقائي وأفراد أسرتي يصفُونني بالبخيل حين يدخلون بيتي ويعملون على مقارنة أجرتي الشّهرية بالممتلكات والحياة البسيطة. حين أشرح لهم نمط التقليلية يعتقدون أنها مجرد ذرائع فقط، لأخفي ما يعتبرونه جشعاً”.

يجملُ حمزة أنّ موجة الاستهلاك المجنونة التي أعرب عنها معظم المغاربة في زمن الجائحة وقبلها، وتلك الأنانية والرغبة في تملك كلّ شيء، كان يمكن أن يكون دواؤها الوحيد هو أسلوب التّخفّف. بل، تلك الفوضى قد تكون فرصة لنفهم أن الاستهلاك بذلك الشكل غير طبيعي، ويحتاج إلى أن يشمل نوعًا من التقليلية. لكن أحيانا هناك استثناءات، ولا يمكن أن يكون التخفّف نهجا أسريًّا شاملاً، فلا يمكن أن تحرم طفلاً من الألعاب والهدايا وغيرها.

في النهاية، يبدو من خلال الشهادات أن التقليلية، التي لاتزال محتشمة في المغرب، حلّ عملي لمقاومة مجتمع مفرط الاستهلاك… ولنسف تصورات مجتمع تقيس فيه الذات قيمتها من حيث مدى امتلاكها للأشياء، لا من حيثُ عمقها الفكري… والروحي.

مقالات قد تثير اهتمامك:

 

تعليقات

  1. AZDIN

    WAW

  2. AYOUB

    هدا جميل

  3. Hamza

    bein

  4. Sofia

    this is good article

  5. MOSTAPHA

    GREE N

  6. imane bassou

    cood

  7. Sahar

    موضوع جميل، وأسلوب كتابته رائع.

اترك رداً على Sofia إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *