مونديال قطر: “لا شيء يعجبني”…
نفهم ونتفهم جيدا أنه ينقصنا الكثير حتي “يعجبنا كل شيء”. لكن هذا الإصرار الغريب من معظمنا على لعن الظلام حتى في أوج الفرح، هو مؤشر غير صحي بالمرة ويفسد علينا جميعا علاقتنا بالفرح..
فأرجوكم: دعونا نفرح، دعونا نـ “سيييييير”.
قصيدة الكبير محمود درويش “لا شيء يعجبني” جسدت منذ زمن علاقتنا المتوترة بذواتنا ومشاعرنا المرتبكة تجاه الآخرين وتجاه الأحداث التي نعيشها.
إذا كانت هذه العلاقة هي نتاج سياقات وظروف عديدة أثثتها انكسارات وهزائم جماعية وأخرى فردية عشناها ونعيشها كشعوب، فيمكننا أن نفهم جنوحنا نحو “النكد” والتذمر ما استطعنا لذلك سبيلا. لذلك كانت علاقتنا مع الفرح دوما متوترة حتى أننا نخشى كثرته ولنا في أمثالنا الشعبية عدة دلائل على ذلك.
هكذا نحن، كائنات تخشى الفرح، نصر أن نعيش الخيبة بكل جوارحنا ونعيش الفرح بجزء منها. لا نتوقف عنده كثيرا، لا نعيش تفاصيله بعمق ننشغل عنه بكل ما يسبقه أو يحيط بجنباته من خيبات. لا تجتاحنا الرغبة في إمساكه وتوثيقه كما نوثق تذمرنا وغضبنا، كأن الفرح ولد ليكون عابرا والخيبة ولدت لتستنفد كل مشاعرنا وتستقر معنا وبنا.
ولعل ما عشناه طيلة هذا الشهر مع كأس العالم لكرة القدم يعبر بشكل كبير عن متلازمة “لا شيء يعجبني” التي تسكننا. من خلال تصفحك لمختلف منصات التواصل الاجتماعي تجد القليلين فقط من استطاعوا أن يعيشوا الفرح بكل درجاته مع نجاحات المنتخب وحتى خفقاته. ينأون عن الانتقاد حتى في وجود داع واضح لذلك، ولسان حالهم يقول: يليق بنا أن نفرح بهذا الإنجاز ولا يهمنا كل ما يعكر صفو هذا الفرح. يصرون على الاكتفاء به فقط، يتحدثون وينشرون فقط كل ما هو جميل في الحدث. في المقابل، نجد الغالبية العظمى يتبنون بكل “قدسية” مبدأ لا شيء يعجبني، ينتقدون كل سلوك ويناقشون كل هفوة في الفرح: فالمدرب أخطأ بهذه التشكيلة، ولاعب بعينه لا يستحق أصلا أن يكون لاعبا، وبركلة قدم يرفعون لاعبا لأعالي “اللايكات والمشاهدات” وبركلة أخرى ينزلون به لقاع التنمر المؤذي..
نمر لنصف النهائي ولأول مرة، ومرة أخرى، في حين تنطلق تراشقات حادة بين مناصرين لنظرية المؤامرة ومعارضين لها: هؤلاء يحللون ويقدمون الحجج ويطالبون وآخرون يسخرون ويتنمرون عليهم، يعتبر “الفرحون” ذلك إنجازا كافيا للفرح اللامشروط بالمنتخب مهما شابت المقابلات النهائية من توترات وحكايات تختلف درجات صدقها، يرفضون بهدوء تبني نظرية المؤامرة حتي وإن كانت، مقتنعين ومدركين بواقعية أن للفيفا شروطها وللسلطة “المالية” خرجاتها التي تعيد الأمور إلي نصابها التي خططت لها من قبل… يفرحون بما هو متاح ويتغاضون عن كل ما لا يمكن أن يغيروه..
انتهى المونديال وكان الاحتفال واكتفي الفرحون بالاعتزاز بالصور الرائعة والمعبرة عن كل ما يمكن أن يثلج صدر كل شعب، في حين لم يستطع البعض التغاضي عن التعليق عن كل ما يمكن أن ينغص هذه الفرحة ابتداء بسرعة “الباص” والشعارات التي لم تكتب عليه بالعربية وبالأمازيغية والاستعدادات الأمنية المكثفة واستدعاء الأمهات دون الآباء وووو. طاقات ومشاعر ومداد كبير ونقاشات تصل لتوتر العلاقات الإنسانية أحيانا حتي وإن كانت في عالم افتراضي !!
نفهم ونتفهم جيدا أنه ينقصنا الكثير حتي “يعجبنا كل شيء”. لكن هذا الإصرار الغريب من معظمنا على لعن الظلام حتى في أوج الفرح، هو مؤشر غير صحي بالمرة ويفسد علينا جميعا علاقتنا بالفرح..
فأرجوكم: دعونا نفرح، دعونا نـ “سيييييير”.
مواضيع قد تهمك:
- الحلقة الأولى: أيام المونديال: أنا حضرت الحلم
- الحلقة الثانية: أنا حضرت الحلم… يوم بلجيكا في ملعب دار الطيب
- الحلقة الثالثة: أنا حضرت الحلم… ثم هَتَفت: حبيبي زياش!
- الحلقة الرابعة: أنا حضرت الحلم… وابتسم بونو في وجه الإسبان
- الحلقة الخامسة: أنا حضرت الحلم… وجعلنا النصيري سكان الطابق العلوي
- الحلقة الأخيرة: أنا حضرت الحلم… أعراض مرض الكبار
- إكرام عبدي تكتب: هذا المغرب نحبه!
- سناء العاجي الحنفي: المغرب العالمي… مغرب البشرية