هشام روزاق يكتب. أيام المونديال: أنا حضرت الحلم (الحلقة الأولى)
لأن الحكاية كانت أكبر من كل أحلامنا…
لأن “لوليدات”، أدخلونا عوالم الجنون والفرح. لأنهم جعلونا كبارا في فرح كنا نغادره عادة قبل بداية رقصه.
لكل هذا وغيره كثير، وجب أن نوثق الحلم. أن نكتب الحكاية كما عشناها رفقة أصدقاء وصديقات، كونوا فريق أحلام وشغب… وعاشوا لحظة عشق.
وجب أن نوثق الحكاية… كي نقول فقط، إننا حضرنا الحلم.
… في الدقيقة التسعين، لحظات فقط قبل انطلاق أولى مباريات المنتخب المغربي ضد كرواتيا في دور المجموعات، قررت أن أعود عن قرار اعتزال متابعة مباريات كرة القدم، الذي كنت اتخذته منذ سنين…
إلى حدود تلك اللحظة، كان كل ما يجمعني بمونديال 2022، هو تلك المباريات الهزلية، التي انطلقت على الهامش، لتؤكد، من جديد، أننا نعيش وسط قوم يعشقون حياة الهامش.
قوم… كبَّر إسلاميوهم “لإسلام كأس العالم” في قطر، واعتبر معتوهوهم أن المباريات تقام بمنطق الغزوات والفتح، قبل أن يفاجئهم “دواعش الحداثة” بتأويل أكثر سلفية (أو سُفلية لا فرق) معلنين “جهادهم” ضد المنطق… بل قل ضد العته نفسه.
دواعش حداثة، تبدت لهم كرة القدم غزوة ضد الوهابية مرة، وسبية في يد الإخوان المسلمين تارة، وتحولت ضربات الجزاء والأهداف وكل تفاصيل الكرة عندهم، إلى ما يشبه “محنة عقل”، مع اعتذارنا للعقل والمحنة، إذ شرط المحنة في الأصل… توفر العقل.
… وبين الطائفتين المتحاربتين، كنت أتابع أيضا، مباريات أخرى، قادها أيضا، “مناضلون” أعطونا دروسا في معنى النضال والالتزام والعمق ليطردونا جميعا من ساحات النضال، وليجعلوا من كل عشاق الكرة، مرادفا للأنظمة الفاشية الديكتاتورية، وعنوانا لـ “قيود الرجعية” على رأي الشعار الشهير إياه.
“مناضلون”… رفعوا في وجوهنا شعار “المناضل العضوي” الذي يرونه، متعاليا عن “التفاهات”، منفصلا عن “فرحة القطيع”… مستعصيا عن “تدجين الأنظمة لشعوبها بالكرة”. في كل “غرامشياتهم” هذه (على وزن غزواتهم)، نسوا أن يقرؤوا أجمل ما كتبه “أنطونيو غرامشي” نفسه عن الكرة، وعلاقة العمال والبسطاء بها. (وقد نعود لهذا ذات فرح).
… إلى حدود مباراة المغرب وكرواتيا، كانت هذه علاقتي بمونديال 2022. أما علاقتي بالكرة، فتلك حكاية أخرى. حكاية، عنوانها: لا كرة بعد عبد المجيد الظلمي.
منذ اعتزل المايسترو (الظلمي)، صارت كل علاقتي بالكرة باردة. صرت أتابع الرجاء البيضاوي الذي لم يعد يشبهني، بكثير من “برودة دم”، وأتابع بعض لقاءات المنتخب بكثير من “تايطلعو الدم”…
… في النهاية، قصدت مطعمي المعتاد، وقررت متابعة المباراة وحيدا، دون صديق يتحول إلى محلل كرة في لحظة، ودون رفيق يحول المباراة إلى لحظة “رفث وفجور” لغة.
وحدهما النادلان الجميلان، قطعا صمتي بين الفينة والأخرى، بسؤالهما المتكرر… “آش بان ليك آ أستاذ؟”. في كل مرة كنت أجيب: “كون كان تا يبان لي… كاع ما نتفرج”.
… مدججا بجهلي التام لتشكيلة المنتخب وأسماء لاعبيه، مدثرا بفهمي القديم لكرة القدم التي ظلت بالنسبة لي، كرجاوي عاشق، قرينة بـ “دقة دقة”، شاهدت مباراة المغرب وكرواتيا، وبعثت لعناتي “المتعالمة” ضد “أوناحي” ومن معه (للتاريخ فقط، لم أطق أوناحي يومها، وهذا سبب كاف يجعلكم تقاطعون هذا النوع من المقالات). وحده أمرابط نال مني جميل القول، تماما كما ناله شقيقه قبله في روسيا.
تعادل المغرب وكرواتيا، وخرجت مقتنعا أن حكايتنا في هذا المونديال، ستنتهي في المباراة الثانية… لأن بلجيكا، التي ــ طبعا ــ لم أكن أعرف أي شيء عن فريقها الحالي، ولكن فقط تاريخها القديم… “غاتعطينا شي قتلة”.
… مباشرة بعد نهاية المباراة، عاد الأربعون مليون محلل رياضي في المغرب، إلى علومهم الحقة، ووضعت خطة المدرب وتحركات اللاعبين على مشرحة النقد العلمي… صار المشرط والسكين، هوية وانتماء.
… قررت حينها، ألا اتخذ قرارا بشأن متابعة المقابلة الثانية مع بلجيكا. لكن، قررت أنني في حالة متابعتها، لن أكون وحيدا… في النهاية، الكرة تاتبغي الوناسة!!
تحركت الهواتف حينها، وصار الجميع يبحث عن تجميع فريق خاص لمتابعة المقابلة. وطبعا هنا، تحضر عقيدة الكرة. عقيدة الكرة التي تقرر طواعية الاعتذار للمنطق، وركنه جانبا… عقيدة الكرة التي تؤمن بـ “الفأل الحسن” و”تتطير من وجوه الخسران”…
كانت الفاجعة التي ارتسمت أمامي ببساطة، أنني سأتابع المقابلة مع مجموعة “مناحيس” لا أذكر أنني شهدت معهم فوزا… حتى “ملي لعبنا غير الكارطة”.
كانت تلك الكارثة… ولا راد للقضاء. لكن…
فيما يشبه تمريرة على المقاس، اتصل بي الدكتور الطيب السلاوي ورفيقة عمره كلثوم لخديم.
قالا… “نتفرجو مجموعين؟”
قلت … أنا جاي. هكذا، دون كثير كلام.
قبول الدعوة هنا، له علاقة في الأصل، بعقيدة الكرة التي تدين بالفأل الحسن، وبالوناسة… وبالبعد عن “القواصة”.
علاقتي بالطيب… ببساطة، تعود لأول مرة التقيته فيها، ليفعل في مالم يفعله طبيب ولا رفيق ولا حبيبة. جعلني أقلع عن السجائر المحروقة، وأعاد لي بعض جمال تنفس، بسجائر أقل ضررا.
قلت حينها… هذا فأل خير، وكلثوم، زوجته، بنت البلاد التي تصير في الآن نفسه، أختك الكبيرة، وطفلتك الصغيرة.
قلت… ومال هاد بلجيكا زعما غا تخلعنا؟؟
ثم… صار للحكاية، أول حكي…
- الحلقة الثانية: أنا حضرت الحلم… يوم بلجيكا في ملعب دار الطيب
- الحلقة الثالثة: أنا حضرت الحلم… ثم هَتَفت: حبيبي زياش!
- الحلقة الرابعة: أنا حضرت الحلم… وابتسم بونو في وجه الإسبان
- الحلقة الخامسة:أنا حضرت الحلم… وجعلنا النصيري سكان الطابق العلوي
- الحلقة الأخيرة: أنا حضرت الحلم… أعراض مرض الكبار
انا أتفق مع هذه المقالة بشدة
nice one
مقال رائع
thank for information
هذا أفضل مقال
This is Best Article
هذا أفضل مقال
جميل جدا طريقتك في الحكي القصصي الممزوجة بالتشويق .لقد جعلتني أخي هشام أعيد مشاهدة المباريات واحدة واحدة و أتأكد مرة أخرى أننا فعلا فزنا على بلجيكا و كندا و أننا لم نكن نحلم أو فلنقل لقد صار الحلم حقيقة .
حفظك الله و حفظ أناملم الذهبية .
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️