عبد الرفيع الجواهري… هذه سيرة أحد أشهر رواد شعر الأغنية في المغرب
الجواهري لا يعد شاعرا وحسب، وإنما تجربة حياة اجتمع فيها ما تفرق في كثير من غيرها؛ فالحديث عنه، حديث عن النضال أيضا، والصحافة، السياسة، والقانون… حيث بصم على واحدة من أكثر التجارب فرادة في الكتابة بالمغرب، كما نتابع في هذا البورتريه.
“خشوعا أطل كطيف نبي… وفي السفح أغنية تزهر
توقعها رعشات الغصون… يصلي لها ليلنا الأسمر”
هذه الأبيات من أغنية عبد الهادي بلخياط الشهيرة “القمر الأحمر”… أو بالأحرى، يجدر بنا أن نقول قبل ذلك: من شعر عبد الرفيع الجواهري.
الجواهري لا يعد شاعرا وحسب، وإنما تجربة حياة اجتمع فيها ما تفرق في كثير من غيرها؛ فالحديث عنه، حديث عن النضال أيضا، والصحافة، السياسة، والقانون…
وأنى تنقل بين هذه المجالات، بصم الجواهري على واحدة من أكثر التجارب فرادة في الكتابة بالمغرب… كما نتابع في هذا البورتريه.
سليل مدينة فاس عام 1944. رأى النور بينما كان والده يقبع في سجن عين قادوس، على إثر اعتقاله في مظاهرات أعقبت تقديم وثيقة الاستقلال…
درس بمدرسة “التهذيب”، وكانت مؤسسة مستقلة من ضمن أخرى أنشأها الوطنيون، تعتمد على نظام تدريس غير الذي وضعته السلطات الفرنسية، ترمي بالأساس إلى تعليم اللغة العربية.
مبكرا، انغمس في النشاط الحزبي، الذي مارسه في جو طبعه الاحتقان بين الحركة الوطنية والسلطات الفرنسية…
كان والده، إدريس الجواهري، مسؤولا لحزب الاستقلال بالحي الذي يقطنه، فكان بذلك منزل الأسرة مقرا لاجتماعات مناضلي الحزب الأسبوعية… اجتماعات، كان الابن فيها، بتكليف من أبيه، يقرأ النشرة التي تصل من مقر الحزب، لتقريب محتوياتها للمجتمعين الذين كانوا من الصناع التقليديين والتجار الصغار.
اقرأ أيضا: عَزيزة جلال… أو أنْ تُغنّيّ قليلا ويَتصَادى صَوتُكَ إلى الأبد!
حاز الجواهري الشهادة الابتدائية عام 1956، ضمن أول فوج ينال هذه الشهادة بعد إعلان استقلال المغرب. ثم عام 1960، شد الرحال إلى مدينة الرباط، حيث درس القانون، الذي أجيز فيه عام 1967، قبل أن يحصل لاحقا على شهادة الدروس المعمقة في مراكش، والتي خولت له العمل محاميا منذ عام 1974.
شكل ثنائي عبد الرفيع الجواهري وعبد السلام عامر إحدى أكثر القصص نجاحا في تاريخ الأغنية المغربية، إذ توالت بعد أغنية “القمر الأحمر” نجاحات عدة، مثل “راحلة” و”قصة الأشواق”، اللتين غناهما محمد الحياني، وغيرهما كثير.
عام 1960 لم يكن مجرد بداية لمرحلة الجامعة بالنسبة للجواهري، فبدءاَ منه، وهو بعد في مقتبل العمر، سيصبح واحد من أشهر الأسماء في المغرب.
اجتاز الجواهري تلك السنة امتحان توظيف بالإذاعة الوطنية، نجح فيه بتفوق، فسطر بعد ذلك على مشوار إذاعي مبهر، من خلال برامج عدة، كـ”قصة الأسبوع”، الذي كان يسرد فيه قصص الأدباء.
ثم كان “محكمة” أيضا… لكن، هذه المرة، كان البرنامج متلفزا، وسطر فيه الجواهري على أحد أكثر القصص نجاحا آنذاك. كان هذا البرنامج أدبيا بدوره، نم بوضوح على موهبة أدبية تختمر لدى الجواهري.
موهبة أفرزت شاعرا في عمر مبكر، بل وقصائد ستطبع ذاكرة المغاربة طويلا على نحو قل نظيره… قصيدة “القمر الأحمر”، مثلا، التي نشرها عام 1963، وهو في الـ19 من عمره.
هذه القصيدة التي أعجب بها الملحن عبد السلام عامر، فحفظها، ثم: “ذات مرة في منزلي، فاجأ عامر الجميع برغبته في الاشتغال على قصيدة “القمر الأحمر”، فإذا بالشاعر محمد الخمار الكنوني يؤكد له أن القصيدة عميقة وصعبة، لكن عامر بإصراره سيركب التحدي وسيتفوق على نفسه”، يقول الجواهري.
اقرأ أيضا: عبد السلام عامر… كفيفا أطل ليستحم الخلود في لحنه ثم رحل! 2/1
الإعجاب بالشعر، يؤكد الجواهري، هو الذي دفعه إلى التعامل مع عبد السلام عامر على مستوى الشعر الغنائي، فكتب “ميعاد” خصيصا له ولم تكن منشورة في أي ملحق ثقافي أو مجلة.
ثنائي عبد الرفيع الجواهري وعبد السلام عامر شكل إحدى أكثر القصص نجاحا في تاريخ الأغنية المغربية، إذ توالت بعدها نجاحات عدة، مثل “راحلة” و”قصة الأشواق”، اللتين غناهما محمد الحياني، وغيرهما كثير.
صنع عبد الرفيع الجواهري ثمانينيات القرن الذي مضى ظاهرة إعلامية فريدة في الكتابة الساخرة، من خلال عمود أسبوعي يحمل اسم “النافذة” في الصفحة الأخيرة لجريدة الاتحاد الاشتراكي.
إضافة إلى امتهانه للمحاماة، وإبداعه في الأدب، خاض الجواهري تجربة السياسة من بوابة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان عضوا في مكتبه السياسي، وبرلمانيا عنه.
تجربة لم تثن الجواهري عن مواصلة العمل الصحافي، إذ صنع ثمانينيات القرن الذي مضى ظاهرة إعلامية فريدة في الكتابة الساخرة، من خلال عمود أسبوعي يحمل اسم “النافذة” في الصفحة الأخيرة لجريدة الاتحاد الاشتراكي.
كان عموده هذا، نافذةً، يوجه عبرها النقد للممارسات السياسية في البلاد، حتى إنها أثارت حفيظة وزير الداخلية، إدريس البصري، الذي مارس وفق البعض، ضغوطا حثيثة في محاولة لإيقافه.
يقول محمد البريني[1]، المدير الأسبق لـ”الاتحاد الاشتراكي”: “إذا كانت “النافذة” إبداعا مضيئا في الكتابة الصحفية في نهاية القرن الماضي، فإن أسلوب عبد الرفيع المتميز في الكتابة الصحفية، شمل أيضا جنسي التعليق والاستطلاع، وحسب علمي فإنه أول من اقتحم عالم “بويا عمر”، وأنجز حوله استطلاعا لم يتمكن أي صحفي، بعد ذلك من كتابة مثيل له”.
اقرأ أيضا: مرايانا تستحضر تفاصيل مسيرة أيقونة الأغنية المغربية: محمد الحياني 2/1
النشاط السياسي والصحافي للجواهري لم يكبح قريحته… و”هل يرحل الطيب عن ورده؟”. هكذا، واصل الإنتاج الأدبي، وانضم لاتحاد كتاب المغرب منتصف السبعينيات، وترأسه بين عامي 1996 و1998.
في جعبة الجواهري، اليوم، دواوين شعرية عديدة نذكر من بينها: “وشم في الكف”، “شيء كالظل”، “كأني أفيق”، “الراسبوديا الزرقاء”.
“الشعراء المغاربة كانوا يتهيبون من ولوج القصيدة الغنائية. ولذلك، فإن العدد الذي كان يكتب للغناء منهم قليل جدا”، يقول الجواهري، لأن الأمر، يضيف، لا يتعلق بكلام ملقى على عواهنه ولكن بصنف شعري اسمه “الشعر الغنائي”.
تقول الناقدة الأدبية حورية الخمليشي[2] عن هذه التجربة:
“في القصائد المغناة للشاعر ما يدهش. غنائية هادئة، عذوبة في الموسيقى، تواز في الإيقاع، معنى سلس وغامض في بعض الأحيان، لكنه بعيد عن التعقيدات والمساحيق اللغوية. وقد عودنا الشاعر في هذه القصائد على فتح الاستعارة التي تجاوزت بلاغة الأذن حين انضمت إليها الموسيقى الغنائية إلى جانب الموسيقى الإيقاعية في تبادلية موازية”.
اقرأ أيضا: العربي باطما… نغمة مهمومة مثل صيف…
الجواهري اليوم يعد واحدا من أبرز الشعراء المغاربة، بخاصة في شعر الأغنية، إذ نجد اسمه بقسط وافر في قائمة أنجح الأغاني المغربية، مع أنه يتأسف على حال هذه الأغنية الآن، التي لا تعكس ثراء وغنى التنوع الإبداعي بالمغرب في رأيه.
“الشعراء المغاربة كانوا يتهيبون من ولوج القصيدة الغنائية. ولذلك، فإن العدد الذي كان يكتب للغناء منهم قليل جدا”، يقول الجواهري، لأن الأمر، يضيف، لا يتعلق بكلام ملقى على عواهنه ولكن بصنف شعري اسمه “الشعر الغنائي”[3].
نظير مشواره، حصل الجواهري على عدة جوائز، آخرها “جائزة الحريات”، التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب… كما لا يزال يشارك بين الفينة والأخرى في لقاءت أدبية، يسمو شعره بالسامعين إلى ركب الكلمة الجميلة.
تحيات تقدير وإجلال لشاعرنا الرفيع عبد الرفيع الجواهري
لزلت اذكرانهاكانت تصفف شعرها ياويلاتي
شكرا جزيلا لكم على هذا المقال و معذرة إن صححتُ أن الأغنية لعبد السلام عامر و ليس عبد الهادي بلخياط. فعبد السلام عامر هو من جعل من القصيدة أغنية..
مع احترامي و شكري مرة أخرى.
ما اثار حفيظة الراحل ادريس البصري انذاك فيركن (النافذة) هو عنوان (شدحمامك ادريس)