الإسراء والمعراج: بين الدين والأسطورة والتاريخ - Marayana - مرايانا
×
×

الإسراء والمعراج: بين الدين والأسطورة والتاريخ

تحفل الأحاديث التي يستند إليها مؤيدو واقعة الإسراء والمعراج بعدد من الروايات المتضاربة والمتناقضة، إذ اختلف الرواة حول زمن وقوعها؛ فالحافظ ابن حجر العسقلاني أورد أكثر من عشرة أقوال قيلت فيها، فمنهم من جعلها قبل البعثة، ومن جعلها بعد الهجرة، وبعضها قال قبلها بخمس أو ست سنوات، أو بسنة وشهرين.
إضافة لذلك، اختلفوا حول مكان انطلاق الرحلة، فبعض الروايات جعلته من بيت أم هانىء بنت أبي طالب (ابنة عم الرسول)، وروايات أخرى قالت إنه كان نائماً في بيته؛ كما اختلف الفقهاء في طبيعة الإسراء والمعراج، وهل تم بالروح فقط أم بالروح والجسد؟

كل سنة… يتجدد النقاش في الأوساط الإسلامية حول جواز صيام يوم الإسراء والمعراج من عدمه، وتبدأ الردود والردود المضادة. لكن البحث في هذه المناسبة، التي تحظى بقدسية خاصة عند المسلمين، يقود إلى الوقوف على مناطق ظل كثيرة في هذا الحدث، الذي يعتبر عند الكثيرين فاصلا أساسيا في العقيدة الإسلامية، إذ فيه فرضت الصلاة على النبي، وتكلم الرسول مع الله، والتقى بالأنبياء.

يستند مؤيدو الحادثة في الإسلام على ما جاء في الآية الأولى من سورة الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ“، إضافة إلى مجموعة من الروايات الحديثية والفقهية الممتلئة بعدد من التفاصيل التي تطرح أسئلة كثيرة.

خلاف الفقهاء وتضارب الروايات

تحفل الأحاديث التي يستند إليها مؤيدو واقعة الإسراء والمعراج بعدد من الروايات المتضاربة والمتناقضة، إذ اختلف الرواة حول زمن وقوعها؛ فالحافظ ابن حجر العسقلاني أورد أكثر من عشرة أقوال قيلت فيها، فمنهم من جعلها قبل البعثة، ومن جعلها بعد الهجرة، وبعضها قال قبلها بخمس أو ست سنوات، أو بسنة وشهرين.

إضافة لذلك، اختلفوا حول مكان انطلاق الرحلة، فبعض الروايات جعلته من بيت أم هانىء بنت أبي طالب (ابنة عم الرسول)، وروايات أخرى قالت إنه كان نائماً في بيته؛ كما اختلف الفقهاء في طبيعة الإسراء والمعراج، وهل تم بالروح فقط أم بالروح والجسد؟

…بل هناك من قال إنها كانت مجرد رؤيا، استنادا إلى ما ورد في الآية 60 من سورة الإسراء “وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ“.

أسئلة قديمة/حديثة

التضارب الذي يطبع الروايات، وانفراد كل واحدة منها بمعطى مختلف، ألقى بظلاله على الكتب التراثية. من خلال مطالعتها، نجد أن المفسرين والفقهاء قد أفردوا صفحات طويلة للحادثة، بالخصوص للرد على منكريها أو منكري بعض تفاصيلها، ما يؤكد أن النقاش كان حادا حولها، خاصة أن عددا من الردود وصلت إلى تكفير وإهدار دم المخالفين.

يزيد من حدة الأسئلة أن النص القرآني أشار للإسراء فقط، وبشكل غامض وملتبس في السورة الأولى من سورة الإسراء (عرفت أيضا باسم سورة بني إسرائيل)؛ ما دفع يوسف زيدان إلى التساؤل عن سبب سكوت القرآن عن التفصيل في هذه “المعجزة”، رغم تفصيله في معجزات الأنبياء الآخرين، كقصة “يونس فى بطن الحوت، ناقة صالح، أهل الكهف، معجزات عيسى بن مريم وموسى بن عمران وغيرها من الكرامات والخوارق المبهرة التي ذكرها القرآن بوضوح وتصريح تام لا يدع مجالاً لتشكيك أو تأويل بعيد”.

في نفس الوقت، تفيض النصوص الحديثية بتفاصيل دقيقة وغريبة تتحدى المنطق، كالبراق وأجنحته الممتدة، والحلقة التي ربط بها، وشق صدر النبي، وتخيير النبي بين الخمر واللبن، وصلاته بالأنبياء، ومشاهداته للمعذبين في الجنة والنار، وغيرها من التفاصيل. هذا الأمر توقف عنده مصطفى بوهندي في مقال له حول الإسراء والمعراج، مؤكدا أن الروايات الحديثية تضاربت فيما بينها في تفاصيل الإسراء والمعراج تضاربا شديدا؛ إذ انفردت كل رواية بما لا يوجد في غيرها؛ غير أنها، في الوقت ذاته، اتفقت مع التفاصيل الواردة في التلمود والهجادة والمدراش اليهودي، ما يدل على مصدريته لها.

معجزة سرية؟

من بين الأسئلة التي يوجهها منكرو الإسراء والمعراج إلى الفقهاء التقليديين، هي سبب سرية المعجزة، التي يفترض أن تكون علنية لتأكيد صدق الدعوة وإقناع الخصوم. لكنها، في هذه الحالة، جرت بالليل، في غياب شهود عيان، وفي غياب تفصيل قرآني…

يصمت الفقهاء عن الجواب، باستثناء بعض الردود المحتشمة، التي حاولت تقديم الأمر على أنه لم يكن معجزة عامة، بل لتعزية الرسول بعد وفاة زوجته خديجة وعمه عبد المطلب، وعودته خائبا من رحلة الطائف. لكن المنتقدين يردون بأن السلوان والتعزية أمور قلبية خاصة، والله يُنزل السكينة فى القلوب بطرائقه الخفية، لا بالوقائع الغرائبية.

موسى أم محمد؟ القدس أم المدينة؟

ذهب فريق من منكري الإسراء والمعراج إلى الاعتراض على المسرى به، إذ ذهبت بعض الآراء إلى اعتبار أن الحديث في سورة الإسراء (سورة بني إسرائيل) كان عن موسى بن عمران، إذ جاء الكلام عنه في الآية التالية من سورة الإسراء، وتتابع الحديث عنه وبني اسرائيل في عشر آيات متتابعة. يستدل يوسف زيدان على هذا، بكون الإسراء ورد في القرآن مقترنا بموسى في عدد من المواضع والآيات، والآية الثانية من سورة الإسراء أحالت عليه مباشرة، تأكيدا على أنه المقصود بالإسراء.

على عكس يوسف زيدان، فإن مصطفى بوهندي يعتبر أن المسرى به هو الرسول محمد، وأن للإسراء في القرآن معنى خاصا، عكس ما قدمته الروايات الحديثية…

حسب بوهندي، ارتبط الإسراء بالفرار والتخفي ليلا من العدو المحدق بالمسرى به، سواء كان فردا أو جماعة. يحيل بوهندي على مجموعة من الآيات القرآنية التي ورد بها بهذا المعنى، كسورة هود: “قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امراتك أنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب“، أو ما جاء في سورة الحجر: “فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون“، أو ما ورد بخصوص موسى وقومه مع فرعون كما في سورة طه “ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى“، أو في سورة الشعراء: “وأوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي إنكم متبعون”، أو في سورة الدخان: “فاسر بعبادي ليلا أنكم متبعون“.

بالتالي، يخلص بوهندي إلى أن “الإسراء بالعباد ليلا هو من نصر الله لعباده وإنجائه لهم من بطش الظالمين؛ وبالتالي، فإن المقصود بالإسراء هو هجرة النبي من مكة إلى يثرب (المدينة) والانتقال نحو مرحلة الانتشار والتوسع“.

إسراء إلى مسجد لم يكن؟

بالعودة إلى كتب التاريخ الإسلامي، نكتشف أن المسجد الأقصى لم يكن مشيدا زمن الرسول، إذ أورد ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” نصا نورده كاملا لأهميته: “قال صاحب مرآة الزمان: وفيها ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس، وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين، وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك، ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وإنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحا، فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم ففتح بذلك على نفسه باب تشنيع ابن الزبير عليه، فكان يشنع عليه بمكة ويقول ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء كما فعل معاوية، ونقل الطواف من بيت الله إلى قبلة بني إسرائيل، ونحو ذلك”.

يؤكد هذا النص لابن كثير، على الدواعي السياسية التي كانت وراء بناء الأقصى، وهو ما جعل منكري القصة يعتبرون الواقعة من اختلاق الأمويين، ومحاولة “أسطرة” المسجد الأقصى تبريرا لقرارهم منع الناس من الحج. يشير يوسف زيدان، في هذا السياق، إلى ضرورة الانتباه أن فلسطين وصفت في أول سورة الروم بأنها أدنى الأرض، عندما ورد فيها: “غلبت الروم في أدنى الأرض”؛ فكيف يعقل أن يجتمع الضدان الأقصى والأدنى؟ وكيف يعقل أن يكون المسجد الأقصى في أدنى الأرض؟

أما مصطفى بوهندي، فيشير إلى أن المسجد الأقصى المراد في الآية، كان مسجدا قائما على العهد النبوي بيثرب، وكان حدث الهجرة هو الإسراء بالنبي من مكة إلى المدينة، أو بتعبير الآية، من المسجد الحرام بمكة، إلى المسجد الأقصى بالمدينة؛ وليس المسجد الأقصى ببيت المقدس.

يشكل الخلاف حول قصة الإسراء والمعراج، شجرة تخفي غابة من التمثلات والتصورات والاختلافات بين تيار يؤمن بالروايات ويصر على التسليم بها على تضاربها وتناقضها، وتيار يصر على وضع المرويات في سياقاتها التاريخية والسياسية.

 

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *