فاطمة المرنيسي: بين حريم الغرب والقوافل المدنية… واسمها المستعار 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

فاطمة المرنيسي: بين حريم الغرب والقوافل المدنية… واسمها المستعار 2/2

تعرضت المرنيسي لوابل من الانتقادات، خصوصا من طرف زملائها في الجامعة، الذين كانوا يعتبرون أنها ليست سوسيولوجية حقيقية مادامت، في مختلف أعمالها، لا تحترم الشروط الأكاديمية بحذافيرها. ولعل هؤلاء لم يعترفوا بها إلا بعد بروز نجمها في العالم وترجمة كتبها لمختلف اللغات.

زاوجت فاطمة المرنيسي، كما تابعنا في الجزء الأول، بين قراءتها للواقع والتراث قصد تسليط الضوء على عتمة ذكورية طمست فاعلية المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية، وقد آخذت كما رأينا من يقولون إن قضية المرأة آتية من الغرب كما لو أننا نسينا ذاكرتنا على حد تعبيرها.

في هذا الجزء الثاني والأخير، نتابع رأي فاطمة المرنيسي في مفهوم الحريم وفروق وجوده في مخيالي الغرب والشرق، ثم ما كانت نظرتها إلى موقف الإسلام من المرأة؟ كيف تعاطت مع القضايا النسائية؟ وتقيم وجود المرأة في الفضاء العام بالمغرب اليوم؟

يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، يونس الوكيلي، في مقال نشرته مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، إن فاطمة المرنيسي فاجأت الباحثين، حينما بينت في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” أن مفهوم الحريم لا يصلح وحسب لقراءة التراث الإسلامي فقط، بل أيضا يفيد في قراءة تراث الفكر الغربي حول النساء.

اقرأ أيضا: التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1

هكذا، لم تتردد المرنيسي في القول بناءً على نتائج أبحاثها، إن مفهوم الحريم في الغرب أشد احتقارا للمرأة من مفهوم الحريم في الشرق، فـ”إذا كان الحريم في الشرق يحيل على واقع تاريخي ومتخيل للنساء قوة فيه، وأبعد ما يكون عن الشهوانية والفراغ والعري، فإنه في المخيال الغربي يحيل على نساء خاضعات ومستسلمات، يشكلن مرتعا للهو”.

المنع الذي حيطت به كتب المرنيسي عربيا، بسبب جرأة أفكارها وتناولها لمواضيع عدت من الطابوهات، ساعدت في الحقيقة كثيرا على انتشارها، حسب بعض الباحثين. بل إن ما لا يعرفه الكثيرون عنها أنها أصدرت أول كتبها باسم مستعار وهو “فاطنة آيت الصباح”.

فاطمة المرنيسي وفق كتاباتها، لم تخالف ما ينبع عن الإسلام كديانة، فهي رأت في الحجاب مثلا، وسيلة لتبخيس المرأة جاءت من طرف مَن تناول النص الديني بالتفسير؛ أما موقف الإسلام من المرأة، فهي قد دافعت عليه قطعا، حسب بعض الباحثين.

بل وتؤكد المرنيسي أن النساء لعبن دورا مؤثرا وإيجابيا في التاريخ العربي الإسلامي وتقلدن أحيانا أدوارا سلطوية، غير أنه تم إقصاؤهن من كتب الوصف التاريخي البطولي للحضارة العربية الإسلامية، بمقابل حصر هذه الإنجازات على الرجال.

اقرأ أيضا: 8 مارس، ماذا تحققَ على صعيدِ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص…؟

المنع الذي حيطت به كتب المرنيسي عربيا، بسبب جرأة أفكارها وتناولها لمواضيع عدت من الطابوهات، ساعد في الحقيقة كثيرا على انتشارها، حسب بعض الباحثين. بل إن ما لا يعرفه الكثيرون عنها أنها أصدرت أول كتبها باسم مستعار وهو “فاطنة آيت الصباح”. الكتاب كان “المرأة في المخيال المسلم”، وقد صدر في فرنسا (باللغة الفرنسية) سنة 1982، قبل أن تبدأ المرنيسي بنشر كتبها باسمها الحقيقي.

تعرضت المرنيسي لوابل من الانتقادات، خصوصا من طرف زملائها في الجامعة، الذين كانوا يعتبرون أنها ليست سوسيولوجية حقيقية مادامت، في مختلف أعمالها، لا تحترم الشروط الأكاديمية بحذافيرها. ولعل هؤلاء لم يعترفوا بها إلا بعد بروز نجمها في العالم وترجمة كتبها لمختلف اللغات.

في السنوات الأخيرة من عمرها، توقفت فاطمة عن التعاطي المباشر مع القضايا النسائية، ذلك أنها رأت أن المرأة قد بدأت أخيرا تخطو في الطريق الذي كانت تحلم به.

اقرأ أيضا: عذرية المرأة… حين يصبح “العار” بالزواج شرفا! (الجزء الثاني)

تقدم فاطمة مثالين، يفسران حسب رأيها هذا التراجع. أولا، لأن المرأة قد بدأت تخرج اليوم للشارع، بعدما كانت فيما قبل، مثلا، تعجن الخبز ولا تخرج لبيعه. تقول فاطمة: “نرى أن جل الباعة المتجولين نساء، ومن ثم فالمرأة لم تعد حبيسة بيتها، إنما صارت هي أيضا تخرج إلى الشارع، وهذه بالنسبة لي ثورة اقتصادية باهرة”.

في السنوات الأخيرة من عمرها، توقفت فاطمة عن التعاطي المباشر مع القضايا النسائية، لكنها استمرت في إطار نضالها من أجل المساواة وحقوق المرأة، إذ أسست ما سمي بالقوافل المدنية. هذه القوافل قادتها إلى جبال الأطلس بغية إشراك المرأة القروية في خضم أسئلة المجتمع.

أما المثال الثاني، فتقدمه عن ولوج النساء إلى القنوات الفضائية العربية، إذ تقول أن هذا الأمر غيّر تماما من عقلية وتفكير منطقتنا، وتضيف: “نجد في هذه القنوات حوارات تجمع بين النساء والرجال، وهذا الحوار حوار رمزي أساسا، وهذا الأمر بالنسبة لي يعد ثورة أيضا، فالإسلام في الأصل، حوار، حوار بين الجنسين”.

لكن فاطمة، استمرت في إطار نضالها من أجل المساواة وحقوق المرأة، إذ أسست ما سمي بالقوافل المدنية. هذه القوافل قادتها إلى جبال الأطلس بغية إشراك المرأة القروية في خضم أسئلة المجتمع. ويُعرف عن فاطمة حوارها الدائم مع الشرائح المهمشة في المجتمع، إذ تعتبرها شرائح خلاقة ولها قدرة فائقة على الابتكار.

اقرأ أيضا: تزويج القاصرات: حين يشرعن القانون الرق… والاتجار بالبشر!

تقول كاشفة عن سر ذلك: “ولدت في مدينة فاس، في شارع يوجد قبالة جامعة القرويين، وهذه الجامعة لديها 17 بابا. وهكذا كانت جامعة مفتوحة، فالبائع المتجول بعد أن يبيع ما يبيعه، كان يدخل بعد العصر إلى الجامعة ليستمع إلى المحاضرات التي يلقيها الأساتذة هناك”.

وتضيف: “هكذا، ولدت في عالم ليست فيه أي قطيعة بين الشارع والنخبة المثقفة، الشهادة فيما قبل لم تكن تباع، وكانت أبواب العلم والمعرفة مفتوحة للجميع، لكن ما حصل للأسف في العالم العربي أن هناك قطيعة بين النخبة المثقفة والشارع”.

لقاء ما قدمته لعلم الاجتماع، للمرأة وللمجتمع كافة، ستحصل فاطمة المرنيسي سنة 2003 على جائزة أستورياس الإسبانية للأدب، وسنة 2004، على جائزة إراسموس الهولندية عن محور “الدين والحداثة”، بل وصنفت حسب صحيفة الغارديان البريطانية، ضمن النساء المائة الأكثر تأثيرا في العالم سنة 2011.

…عن عمر يناهز 75 عاما، تحديدا، في 30 نونبر 2015، ستفارق فاطمة المرنيسي الحياة، والعالم في غمرة حديث عن أعمالها وعن أفكارها، لتشكل بذلك، أحد أبرز علماء الاجتماع في تاريخ المغرب.

لقراءة الجزء الأول: فاطمة المرنيسي… أجنحة “واقع المرأة” الذي حلقت به إلى الحلم! 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *