التدخين في المغرب… حين يعجز القانون عن محاكمة القاتل!المغاربة المدخنون يستهلكون 15 مليار سجارة سنويا، وينفقون على ذلك 15 مليار درهم!
سنة 1991، وافق مجلس النواب على قانون رقم 15.91 يتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن، وينص على غرامات تتراوح بين 10 و50 درهما، لكل شخص يدخن السجائر في أماكن يمنع فيها التدخين.
لكن، رغم أن وجود هذا القانون يجاوز 30 عاما، ورغم المحاولات العديدة لتفعيله، إلا أن نتيجة مختلف المحاولات عرفت الفشل.
هل أنت مدخن؟ حسنا، كم سيجارة تدخن في اليوم؟ هل تعرف كم تنفق على ذلك سنويا؟ كم مرة قرأت أن التدخين مضر بالصحة ولم تبال؟ هل تعرف أن هناك قانونا في المغرب يمنع التدخين في الأماكن العمومية، لكنه غير مفعل؟
حسنا، قد تكون غير مدخن، فكم مرة أحسست بالانزعاج من دخان سجائر من يدخنون حولك؟ كم مرة طلبت من أحدهم إطفاء سيجارته لكنه رفض بامتعاض؟ كم مرة عدت إلى البيت لتجد ملابسك كريهة الرائحة لأنك عدت من مكان يملؤه المدخنون؟ هل تعرف مضار ذلك؟ هل تعرف أنت أيضا أن هناك قانونا في المغرب يمنع التدخين في الأماكن العمومية، لكنه غير مفعل؟ ما أسباب ذلك؟
15 مليار سيجارة، و15 مليار درهم!
يستهلك المغاربة المدخنون سنويا ما يناهز 15 مليار سيجارة؛ أي بمعدل تقريبي يوازي 680 سيجارة سنويا للفرد الواحد، وفي رقم آخر، الذكور يدخنون 16 سيجارة يوميا فيما تدخن الإناث 8 سجائر لليوم الواحد.
هذه الأرقام التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية سنة 2014، تضع المغرب في المرتبة 79 دوليا في استهلاك التبغ، والأول في الحوض المتوسط وفق المناظرة الوطنية لمكافحة التدخين التي انعقدت بالمغرب عام 2013.
في معطى ملفت للانتباه، في ما يتعلق بتخصصات الطلبة الذين يدخنون، كان جل هؤلاء، ينتمون إلى المهن الصحية، كالطب، وطب الأسنان، والصيدلة.
يبلغ إنفاق المغاربة على التدخين، في رقم يعده الكثير “فادحا”، 15 مليار درهم سنويا!
المناظرة الوطنية لمكافحة التدخين، كشفت عن إحصائيات “مثيرة” تتعلق بالتدخين في المغرب، فأكثر من 13 بالمائة من المدخنين، تقل أعمارهم عن 15 سنة، وهو ما يعني أن نصف مليون طفل في المغرب، يدخنون السجائر.
48 بالمائة ممن يدخنون في المغرب أيضا، تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما، فيما تبلغ نسبة مستهلكي السجائر ممن تفوق أعمارهم 20 عاما، 36 بالمائة.
ثم في معطى ملفت للانتباه، في ما يتعلق بتخصصات الطلبة الذين يدخنون، كان جل هؤلاء، ينتمون إلى المهن الصحية، كالطب، وطب الأسنان، والصيدلة.
آلاف المغاربة يموتون سنويا بسبب التدخين
يفيد تقرير “The tobacco atlas”، الذي أصدرته الجمعية الأمريكية للسرطان سنة 2018 في نسخته السادسة، أن ما يناهز النصف من رجال المملكة، مدخنون؛ فيما يبلغ تعداد النساء المدخنات بشكل يومي أزيد من 124 ألف امرأة، ملفتا النظر إلى أن ظاهرة تدخين النساء بدأت تتسع في كل أنحاء العالم.
اقرأ أيضا: لماذا ينتحر المغاربة؟ 2/2
ذات التقرير كشف عن تسبب التدخين في موت أزيد من 17600 شخص سنويا في المغرب، بسبب أمراض يسببها التدخين. في رقم آخر، قتل التدخين ما معدله 274 رجلا و64 امرأة، كل أسبوع في المغرب، سنة 2016.
كما يوضح تقرير “The tobacco atlas” أن استنشاق دخان السجائر يعرض الشخص إلى أزيد من 7 آلاف مادة سامة، وأزيد من 70 مادة تتسبب في السرطان، ناهيك عن كون التدخين يؤدي إلى فقدان الإنسان لأكثر من 10 سنوات من عمره الافتراضي.
يظل المتهم الرئيسي في عدم تفعيل قانون 15.91، ما يسمى بـ”لوبي التبغ”، إذ يتهمه كثيرون بالوقوف في وجه عدم تطبيق القانون من خلال العمل على تغييب المراسيم التطبيقية التي تفعل مقتضياته.
التقرير أفاد أيضا أن المدخن في المغرب، ينفق 12.5 بالمئة من مدخوله على التدخين، وأن هؤلاء في الغالب من الطبقة الفقيرة، بحيث إن تدخينهم يؤثر بشكل بالغ على مصاريفها، في ما يخص البيت وتعليم الأبناء والصحة.
ويبرز التقرير أن تأثير التدخين يطال الاقتصاد الوطني، إذ بلغت كلفة صناعة السجائر سنة 2017، 16371 مليون درهم، تم إنتاج 1665 مليار سيجارة بها، ناهيك عما يستورده المغرب من سجائر.
القانون يمنع التدخين، لكنه معلق!
سنة 1991، وافق مجلس النواب على قانون رقم 15.91 يتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن، وينص على غرامات تتراوح بين 10 و50 درهما، لكل شخص يدخن السجائر في أماكن يمنع فيها التدخين.
ويعتبر مكانا عموميا بمقتضى هذا القانون، كل مكان معد للاستعمال الجماعي وكل مرفق عمومي وكذا المؤسسات العمومية والمكاتب الإدارية، كالمستشفيات ووسائل النقل العمومي وقاعات المسارح ودور السينما وقاعات إلقاء الدروس والمحاضرات وما إلى ذلك.
اقرأ أيضا: هذه بعض من أهم البيمارستانات التي عرفها المغرب يوما ما… 3/3
لكن، رغم أن وجود هذا القانون يجاوز 30 عاما، ورغم المحاولات العديدة لتفعيله، إلا أن نتيجة مختلف المحاولات عرفت الفشل. هذا القانون يحتاج، نسبة إلى مهتمين بالموضوع، إلى رفع نسبة الوعي لدى المواطن، بجانب إنشاء أجهزة شرطة متخصصة لضمان الامتثال له، مع ما يحف ذلك من صعوبات.
41 بالمئة من المغاربة يتعرضون للإصابة بأمراض قاتلة من خلال ما يسمى بالتدخين السلبي، أي استنشاق غير المدخن للدخان بسبب جلوسه في مكان عمومي مع المدخنين.
لكن، يظل المتهم الرئيسي في عدم تفعيل قانون 15.91، ما يسمى بـ”لوبي التبغ”، إذ يتهمه كثيرون بالوقوف في وجه عدم تطبيق القانون من خلال العمل على تغييب المراسيم التطبيقية التي تفعل مقتضياته، وهو ما بدا جليا من خلال عدد الحكومات المتعاقبة على المغرب طيلة هذه السنوات، التي لم تستطع شيئا حيال إصدار مراسيم تطبيقية لتفعيله.
وزير الصحة السابق، أنس الدكالي، كان قد صرح في وقت سابق، أنه سيكون من الجدير إصدار قانون جديد يستجيب للمعايير الدولية الحديثة. بالمقابل، الطبيب الجراح والنائب البرلماني عن العدالة والتنمية، مصطفى الإبراهيمي، أكد في جلسة شفوية بمجلس النواب يونيو 2018، أن صمت الحكومة رهيب، إزاء هيمنة شركات التبغ.
ذات المتحدث أبرز أن 41 بالمئة من المغاربة يتعرضون للإصابة بأمراض قاتلة من خلال ما يسمى بالتدخين السلبي، أي استنشاق غير المدخن للدخان بسبب جلوسه في مكان عمومي مع المدخنين.
اقرأ أيضا: زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
الأدهى من ذلك، وفق الإبراهيمي، انتشار السيجارة الإلكترونية التي تتسبب في المضاعفات الصحية نفسها، مشيرا من جهة أخرى إلى أن المغرب يعد واحدا من بين سبع دول فقط لم تصادق بعد على الاتفاقية الدولية المعنية بمكافحة التدخين.
وضع يؤكد استفحال ظاهرة التدخين، بين توغل الشركات ودعم اللوبيات، وعدم قدرة الحملات التوعوية على الوقوف في وجه إدمان التدخين، بل وحمل غير المدخنين على التأثر بهذه الآفة، أمام عدم تفعيل قانون يقيهم من دخان السجائر في الأماكن العمومية.