من اليمن، عبده محسن الحاج يكتب: فتاوى للمرأة؟
هل يحق للمرأة أن تطلب فتوى عن حكم صعوبة اكتشاف السعادة في فتور الأجساد؟ وهل يحق للمرأة أن تسأل عن شرعية الارتعاش والصراخ عند الوصول إلى الذروة لاستنطاق الشهوة؟ وهل …
هل يحق للمرأة أن تطلب فتوى عن حكم صعوبة اكتشاف السعادة في فتور الأجساد؟ وهل يحق للمرأة أن تسأل عن شرعية الارتعاش والصراخ عند الوصول إلى الذروة لاستنطاق الشهوة؟ وهل يحق للمرأة أن تسأل عن سر الارتباك في الزمن الراهن، للجسد المسترسل في عناده وهو يرقد بجوار جسد آخر؟ وهل يمكن للمرأة أن تجد فتوى بخصوص تيار الرغبة عندما يتوقف، فتعجز روائح العطور عن تحريكه وتفشل ألوان الملابس وإيماءات المحاسن عن استثارته؟
أم إنهم سيقولون إن هذه الفتاوى تتخذ أشكالا شهوانية فاسقة؟ إذن، أين هم من (لا حياء في الدين)؟ أم أن الأخيرة لا تستقيم إلا للرجال؟
ما أصدق جلال الدين الرومي حين قال: “وفي تلك الناحية التي زار فيها العشق الألم، لم يدرس الشافعي ولا أبو حنيفة”. إن فتاواهم تتعمد إيلام المرأة، استجابة لما ورد في نص للتوراة يقول: “سأضاعف آلامك وأحزانك مضاعفة كبيرة، وستلدين الأطفال بالآلام وحدها”؛ ويتعامون عن نص آخر في التوراة يتعلق باللذة، وقد قيل بأنه نشيد الأناشيد فيها.
كم لدينا اليوم من نساء انفضح أو لم ينفضح عطشهن الجسدي بسبب غياب أزواجهن لسنوات وليس لشهور؟
فتاواهم تتعمد إيذاء المرأة لأن الرواة قد قالوا إن الرسول قال: “لولا النساء، لعُبد الله حقاً”. فتاواهم مشغولة بتسليط الأضواء على ما نقله الرواة عن الرسول، من قبيل “لو أذنت لأحد بأن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”؛ بل ونقلوا عنه جواز أن تقطع المرأة صلاتها إذا أراد زوجها مضاجعتها!!
هكذا، يتفنن المفتون في إذلال المرأة وتحقيرها بعد أن كرمها الله؛ يوزعون صكوك الحلال والحرام بلا حساب، خاصة في فتاواهم المتعلقة بالعلاقة الزوجية بينها وبين الرجل.
فتاوى عجيبة: حينما يتوهج ذكاء بعض “علماء الدين”، هذه هي النتيجة! (الجزء 1)
إن أصول الفقه تتفق على أن العلاقة الزوجية حكم وضعي لا تكليفي، حسب الاصطلاح. والحكم الوضعي في أصول الفقه يعني أنه لا يقاس بمقياس الحلال والحرام، كما هو الحال بالنسبة للتكليفي، وإنما بمقياس الصحة أو البطلان. هذا إذن هو جوهر الزواج الذي يتم بعقد وبناء على شروط؛ متى ما اختل شرط منها، أصبح الزواج باطلا لأن (المؤمنين عند شروطهم)، كما ورد عن النبي، ولأن الله يقول: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”.
سيقولون إن هذه الفتاوى تتخذ أشكالا شهوانية فاسقة. إذن، أين هم من (لا حياء في الدين)؟ أم أن الأخيرة لا تستقيم إلا للرجال؟
لذلك، فحصول الضرر على الزوجة من قبل الزوج أو بسبب زواجها منه، يعطيها الحق في فراقه عملا بقول الله: “ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا”، ونزولا عند مبدأ النبي: “لا ضرر ولا ضرار في الإسلام”.
معذرة إن بدا من كلامي أنني بدوري أتقمص دور المفتي هنا، لأن ذلك مما لا أستسيغه أبدا ولا أطيقه. لكنني أحاول تسليط الضوء على الجانب المعتم الذي يتم تحاشيه بقصد أو بدونه؛ فكان سببا ضمن عدة أسباب لحالة الخواء الروحي والفراغ العاطفي الذي تعاني منه مؤسسة الزواج والأسرة في حياتنا.
لكي أكون أكثر تعليلا لهذه الفرضية، سأعرج قليلا على شيء من الاستدلالات. تحدث الرواة وكتاب السير عن حادثة معينة حصلت لامرأة في زمن عمر بن الخطاب، حيث انفضح العطش الجسدي لهذه المرأة بسبب غياب زوجها في الحرب. لما بلغ عمر بن الخطاب ذلك، قال لقادة جيشه: “لا تحبسوا جنديا عن امرأته اكثر من أربعة أشهر”، وفي بعض الروايات “أربعين يوما”.
كم لدينا اليوم من نساء انفضح أو لم ينفضح عطشهن الجسدي بسبب غياب أزواجهن لسنوات وليس لشهور؟ هذه تقول بأن زوجها مغترب في دولة مجاورة منذ عامين أو ثلاثة، وتلك تقول بأن زوجها مغترب في أمريكا منذ عشر سنوات… لكنهما لا تجرآن على البوح، لأن ذلك عيب. كلما همت إحداهما بطلب فتوى، عادت إلى حدود حيائها واستسلمت لسياط الزمن وهو يجلد جسدها بالعطش الجنسي، فيذبل ويتهاوى في براثين السقم، ويجلد روحها بالحرمان. تقع حينها فريسة للخواء والفراغ العاطفي، لتجد نفسها أمام خيارين: إما ربط علاقات جنسية خارج الزواج، وإما التيه المؤدي للأمراض النفسية والعصبية.
عندها، يهرع الزوج إليها بعد فوات الأوان ليتكرم عليها بعلاجها عند من يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، لإخراج الجن منها. وقد لا يجد الزوج صعوبة في الحصول على فتوى ليتزوج غيرها، دون أن يجرأ هذا المفتي على تذكير الزوج بما جاء عن النبي: “إن الله ونبيه بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه”.
ما أكثر ما يحق للمرأة به الفراق بسبب ما قد تكتشفه من عيوب في الزوج، حتى قيل إن من حقها ذلك إذا كان زوجها يعاني من بطء الإفاقة وسرعة الإراقة.
أما عن الزوج السيء، فحدث ولا حرج. هل يجرأ أي مفتي على تذكير أزواج السوء في المعاشرة أو التعامل بما نقله الرواة عن حادثة دفن الصحابي سعد بن معاذ، والتي أخبر النبي أصحابه عن سماعه لعذابات سعد، لأنه كان زوجا سيئا رغم أن موته كان بسبب جراح أصيب بها في سبيل الله؟
فتاوى عجيبة: حينما يتوهج ذكاء بعض “علماء الدين”، هذه هي النتيجة! (الجزء 2)
من الأمور التي تستدعي التوقف عندها مليا، حق المرأة في اختيار الزوج الذي تحبه أو ترضى به أو تجده مناسبا لها، وحقها في طلب الفرقة من الزوج الذي تكرهه؛ فقد أوردت كثير مما يسمونها بأمهات الكتب، مثل سنن ابن ماجه وسنن أبي داوود وسنن النسائي والبيهقي وفتح الباري وأسد الغابة وغيرها، (أوردت) قصتان؛ الأولى صاحبتها أخت عبد الله بن أبي التي أتت للنبي رافضة ارتباطها برجل لكرهها إياه فحسب، دون أي شكوى أخرى، قائلة: “إني رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدة؛ فإذا هو أشدهم بأسا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها”؛ والقصة الثانية صاحبتها حبيبة بنت سهل، وزوجها ثابت بن قيس. جاءت حبيبة بنت سهل إلى النبي وقالت: “ما أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكني لا أطيقه بغضا وأكره الكفر في الإسلام، ولولا مخافة الله إذا دخل علي، لبصقت في وجهه”.
هل يجرأ أي مفتي على تذكير أزواج السوء في المعاشرة أو التعامل بما نقله الرواة عن حادثة دفن الصحابي سعد بن معاذ، والتي أخبر النبي أصحابه عن سماعه لعذابات سعد، لأنه كان زوجا سيئا رغم أن موته كان بسبب جراح أصيب بها في سبيل الله؟
في القصتين، فرق النبي بينهم. فكم من زوجة اليوم تنشد رفع الخباء، ولسان حالها يردد ما قاله جمكوتزي في روايته “في انتظار البرابرة”: “كم هو خطأ فطري أن تصدق أنك تقدر أن تحرق أو تمزق أو أن تفرض سبيلك إلى داخل الجسد المتكتم لآخر!”
يصدق على هؤلاء الأزواج ما قالته وردة الهاني في كتاب “الأرواح المتمردة” لجبران خليل جبران: “هؤلاء هم الأزواج الذين يقترنون بالأجساد ويتنافرون بالروح، ولا شفيع بهم أمام الله سوى جهلهم ناموس الله”.
ما أكثر ما يحق للمرأة به الفراق بسبب ما قد تكتشفه من عيوب في الزوج، حتى قيل إن من حقها ذلك إذا كان زوجها يعاني من بطء الإفاقة وسرعة الإراقة.
في مسألة رد النكاح، نجد الكثير مما ذكره الرواة؛ فقد روى ابن عباس أن جارية جاءت النبي وقالت إن أبي زوجني من ابن أخ له، وأنا له كارهة. فقال النبي: “أجيزي ما صنع أبوك”؛ فقالت: “لا رغبة لي فيما صنع”؛ فقال النبي: “اذهبي وانكحي من شئت”.
هناك أيضا حكاية خنساء بنت جذام التي أنكحها أبوها وهي كارهة، فأتت النبي فذكرت له ذلك فرد نكاحها فتزوجها أبو لبابة.
هذه هي شريعة الله في مخلوقاته. لكن المفتين لا يفقهون مفاد الدين ولا حقيقته ولا مقاصده.
لهذا، قال أحد المفكرين: “لم تؤسس المرأة شيئا في الشرق لأنها لم تكن إلا فرجا”.
* عبده محسن الحاج كاتب وباحث يمني