موسم الهجرة إلى بلاد الأفغان
يا معاشر الفرحين بنصر طالبان، ماذا تنتظرون؟!! لقد أتتكم الفرصة، وجاءتكم اللحظة التاريخية التي هرمتم من أجلها…
هاهي الإمارة الاسلامية التي دعا الشيخ الألباني في أحد أشرطته إلى تجميع الملتزمين بها ليتم منها نشر نور الله في الآفاق قد أقيمت أركانها وأُنشِأت دولتها، فلا يقعد عن طِلابها إلا عاجز معذور أو منافق يظهر عكس ما يبطن.
لا مشاعر تجيش اليوم بين الإسلاميين غير مشاعر الاغتباط والفرح باستيلاء حركة طالبان على العاصمة “كابل” وتمكنها من فرض سيطرتها على باقي الولايات الأفغانية، متمثلين منطوق الآية من سورة الروم: “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم”.
نصرٌ تمكنت فيه عناصر طالبان من دخول القصر الرئاسي وقلب الطاولة على باقي الخصوم في تفاهم أو تواطؤ بين الحركة والإدارة الأمريكية.
دخل المقاتلون الأفغان من رؤوس الجبال إلى المدن الأفغانية كأنهم جاؤوا من العصور الوسطى بلباسهم الرث ولحاهم الشعثاء، منبهرين بمظاهر المدنية ومفتقدين لأبسط قواعد الذوق والإتيكيت، فارضين وجهة نظرهم في فهم الدين على باقي الشعب المضطهد… شعب استسهل بعضه ركوب أجنحة الطائرات معرضا نفسه لموت محقق هروبا مما ينتظره من تضييقٍ ورقابةٍ وقمعٍ لكل مظاهر الحياة والفرح.
لكن الغريب أن الإسلاميين الذين يعيشون بعيدا عن أفغانستان في رغد ورفاهية مستفيدين من آخر المنتجات الحضارية، زخرت صفحاتهم بالتهليل والتكبير وتبادل التهاني والشماتة ممن يسمونهم بـ “العلمانيين والحداثيين الفسقة”.
الذين يرون أن البلدان التي لا تطبق شرع الله بلدان كافرة وطوائف ممتنعة، الهجرة في حقهم محسومة في ظل تأسيس الإمارة الاسلامية الأفغانية! لا مُسوِّغَ شرعيَ في بقائهم بين ظهراني الحداثيين والعلمانيين
فرحٌ لا يمكن تبريره بحال من الأحوال، ويطرح أكثر من علامة استفهام عن معتقدات وما يستبطنه هؤلاء الفرحين من أفكار يُخفونها نتيجة الاستضعاف؛ فمن أُعجب بـ “فتوحات” حركة طالبان سيستهويه لا محالة لو قامت حركة مثلها بفتح عاصمة البلد الذي يقيم فيه والاستيلاء على الحكم لتطبيق أحكام الاسلام حسب أفهامهم وتأصيلات شيوخهم.
لن ننتظر منهم تبريرا، ففي الاشارة ما يغني عن العبارة، وفي التلميح ما يغني عن التصريح. لكننا سنذكرهم ببعض الأحكام المتعلقة بالهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام، أو من بلاد الفساد والمعاصي إلى البلاد التي تقيم حدود الله… هم يعرفون هذه الأحكام يقينا، لكنهم لن يستطيعوا التفكير في حمل أمتعتهم وأهليهم من أجل الهجرة الى بلاد الأفغان ليحيوا تحت ظل الإمارة الإسلامية، لأن طول مدة عيشهم في البلدان التي قطعت نسبيا مع الفكر الديني المتزمت أرهفت حسهم وصقلت فكرهم… لكنهم يأبون الاعتراف بذلك! ومن يدري، قد يخرج أحدهم غدا ليقول إن طالبان لا تمثل الاسلام المعتدل كما لم تمثله من قبل حليفتها في العقيدة “داعش”.
الذين يرون أن البلدان التي لا تطبق شرع الله بلدان كافرة وطوائف ممتنعة، الهجرة في حقهم محسومة في ظل تأسيس الإمارة الاسلامية الأفغانية! لا مُسوِّغَ شرعيَ في بقائهم بين ظهراني الحداثيين والعلمانيين. وقبل أن نسرد أقوال علماء الإسلام في الموضوع، لابأس بذكر بعض الآيات والأحاديث التي تحذر من خطورة الإقامة في بلاد الكفار.
أقوال علماء الاسلام القدماء والمعاصرين في وجوب الهجرة من دار الكفر إلى بلاد الاسلام كثيرة، وكلها مُجمعة على ضرورة أن يصون المسلم دينه بالابتعاد والهجرة عما يشينه في دار الكفر
يقول تعالى في باب الوعيد لمن استطاع الهجرة وامتنع عنها بدون عذر شرعي : “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً”، النساء.
وورد عن رَسُولِ اللَّهِ أنه قال : “أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ”، رواه أبو داود (2645) والترمذي (1604)، وصححه الألباني في “إرواء الغليل” (5/29 – 30).
عَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ جَرِيرٌ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : (أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ) رواه النسائي (4177) وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (2 / 227).
يقول ابن قدامة في كتابه المغني: “تجب الهجرة على من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.
من سيرضى بترك الإمارة الإسلامية في أفغانستان حيث ترفرف رايات الاسلام خفاقةً ويتفيأ الناس ظلال الشريعة، ثم يفضل عليها المكوث في بلد يجاهر أهله بمعصية الله، ويعطل فيه حكم الشرائع ويتنقص فيه من مقام رسول الله؟
ويقول زكريا الأنصاري الشافعي في كتابه “أسنى المطالب” (4/207) :”تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ عَلَى مُسْتَطِيعٍ لَهَا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِه.”
أقوال علماء الاسلام القدماء والمعاصرين في وجوب الهجرة من دار الكفر إلى بلاد الاسلام كثيرة لا يتسع لها هذا المقال، وكلها مُجمعة على ضرورة أن يصون المسلم دينه بالابتعاد والهجرة عما يشينه في دار الكفر.
أما المسلمون الذين يدَّعون الاعتدال ويعتبرون بلدانهم ليست بلدان كفر، وإنما بلدان فساد ومجاهرة بالمعاصي، فالهجرة في حقهم أيضا واجبة، وقلة من العلماء من رأى أنها مندوبة فقط. لكن الكَيِّسَ الفَطِن من عمل بحديث رسول الله :”الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه…”؛ فمن سيرضى بترك الإمارة الإسلامية في أفغانستان حيث ترفرف رايات الاسلام خفاقةً ويتفيأ الناس ظلال الشريعة، ثم يفضل عليها المكوث في بلد يجاهر أهله بمعصية الله، ويعطل فيه حكم الشرائع ويتنقص فيه من مقام رسول الله؟
قَال ابْنُ الْقَاسِمِ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول : لاَ يَحِل لأِحدٍ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ يُسَبُّ فِيهِ السَّلَفُ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “المَساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة ، وهذا أمر باق إلى يوم القيامة، والله تعالى قال: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم”.
جاء في الموسوعة الفقهية عن حكم الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدٍ تُجْتَرَحُ فِيهَا الْمَعَاصِي: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
* الأْول لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ: وَهُوَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنَ الأْرضِ الَّتِي يُعْمَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي. حَيْثُ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ) إِذَا عُمِل فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَاخْرُجْ مِنْهَا.
قَال ابْنُ الْقَاسِمِ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول : لاَ يَحِل لأِحدٍ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ يُسَبُّ فِيهِ السَّلَفُ.
* الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ كُل مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلاَدِ الإسلاَمِ وَلَمْ يُقْبَل مِنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِهِ، أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ مِنْهُ. قَال الرَّمْلِيُّ: لأِن الْمُقَامَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ مُنْكَرٌ، وَلأِنهُ قَدْ يَبْعَثُ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ. وَيُوَافِقُهُ قَوْل الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُل مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ تُعْمَل فِيهِ الْمَعَاصِي وَلاَ يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُهَا الْهِجْرَةُ إِلَى حَيْثُ تَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وهُوَ قَوْل الإمامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَذْكِرَتِهِ. حَكَاهُ صِدِّيق حَسَن خَان فِي (الْعِبْرَةِ مِمَّا جَاءَ فِي الْغَزْوِ وَالشَّهَادَةِ وَالْهِجْرَةِ).
وَقَدْ ذَكَرَ الهيثمي فِي التُّحْفَةِ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إِذَا ظَهَرَتْ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ لاَ يَسْتَحْيِي أَهْلُهُ كُلُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِتَرْكِهِمْ إِزَالَتَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَتَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ؛ لأِن الإْقَامَةَ حِينَئِذٍ مَعَهُمْ تُعَدُّ إِعَانَةً وَتَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي، بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الاِنْتِقَال لِبَلَدٍ سَالِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَلاَّ يَكُونَ فِي إِقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ الْمُؤَنُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَجّ.
* الثَّالِثُ لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ لاَ تَجِبُ مِنْ بَيْنِ أَهْل الْمَعَاصِي.
* الرَّابِعُ لِلْمُلاَّ عَلِي الْقَارِيِّ : وَهُوَ أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي يُهْجَرُ فِيهِ الْمَعْرُوفُ، وَيَشِيعُ فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَتُرْتَكَبُ فِيهِ الْمَعَاصِي مَنْدُوبَةٌ.
فيا معاشر الفرحين بنصر طالبان، ماذا تنتظرون؟!! لقد أتتكم الفرصة، وجاءتكم اللحظة التاريخية التي هرمتم من أجلها…
هاهي الإمارة الاسلامية التي دعا الشيخ الألباني في أحد أشرطته إلى تجميع الملتزمين بها ليتم منها نشر نور الله في الآفاق قد أقيمت أركانها وأُنشِأت دولتها، فلا يقعد عن طِلابها إلا عاجز معذور أو منافق يظهر عكس ما يبطن.