أسامر… الحُمولة الأيديولوجية لتسمية تقاوم تهميش المغرب الرّسمي! 1\2
أسامر كتسمية تتضمّن نوعاً من بناء الوحدة السوسيوثقافية ذات الأبعاد التاريخية والحضارية. فهي تحيل، وإن بشكل مبطن، على المغرب غير النافع، وعلى السياسات التهميشية التي سارت في هذا التّوجه، والتي مازالت تبعاتها حاضرة للعيان إلى يومنا هذا…
يندرُ أن تجد كلمة واحدة، تعتمل في جوفها شتّى أشكال الاحتجاج، السياسي والأيديولوجي والهوّياتيّ والثّقافي والتّنمويّ والاجتماعيّ. لكنّ “أسامر” كانت أقدر على ذلكَ، ببلاغة شديدة ومُقتضبة.
في مخاضات النّضال من أجل الهُوية والثّقافة الأمازيغيتين، جاءت الحَركة الأمازيغية لتعطي للمنطقة اسماً يمتّح من ذات اللّغة، بشكلٍ ديمقراطيّ يعبّر عنه تواجد المكوّن الأمازيغيّ بالمنطقة.
المنطقة المسماة أسامر تميّزت “بقيام وبداية أنظمة حكم قديمة يدرسها التلاميذ مشوهة
أسَامر كتسمية، بكيفية من الكيفيات، لم تكن سوى ردّا سياسياً، واحتجاجياً، لصالح منطقة غَنية طاقياً وطَبيعياً، إلاّ أنها منكوبة تنموياً، تعاني من تهميش اقتصادي واجتِماعي وتنمَوي… تهميش هو في النهاية مؤشّر آخر على بقاء الاختِلالات المَجالية وانعدام العدالة بين الجِهات في المغرب…
فما الذي تعنيه كلمة أسَامْر؟ وما حدُود توظِيف الكلمة لدى السّاكنة؟
أسَامر… أصل التّسمية!
حسب الناشطين الأمازيغيين حميد آيت علي ومحمد حمدان، بذاتِ المنطقة، فإن كلِمة أسامْر عند الأمازيغ تحيلُ على المَكان ونقطة معينة تعرضت أو تتعرض للشّمس، أي السّفوح المُشمسة، التي لاَ تُفَارقها أشعّة الشّمس طِيلة فصُول السّنة.
كلمة “أسامر” لها ارتباط مباشر بالشّمس وحرارتها، حيث لا يمكن أن تجد هذه الكلمة متداولة كثيرا في مناطق غير صحراوية جافّة.
حميد آيت علي أوضح لمرايانا أنّ الكلمة أمازيغية، “يتداولها أمازيغ الصحراء، إذ تمّ ذكر مصطلح “أسامر” في بعض المراجع التّاريخية الأجنبية، والتي تناولت موضوع الاستعمار والمعارك التي خاضتها قبائل أيت عطا وأيت مرغاد وأيت حديدو وأيت سغروشن وباقي القبائل الأمازيغية بالصّحراء الشّرقية ضد المُستعمر الفرنسي”.
لحد الآن، لا يزال استعمال كلمة “أسامر وتسامرت وتيسومير” متداولاً في الحياة اليوميّة عند ساكنة الصّحراء وفيافي الجنُوب الشّرقي للمغرب، كما أن “تسامرت”، من حيثُ الدّلالة، تُشير لمكان الجُلوس واللقاءات والحديث، حيث يتم تخصيص مكان معين معروف بتعرضه للشّمس. هذا المكان ليحتضن جلسات وقت الظّهيرة في فصل الشّتاء، يتداول فيه الشّيوخ والشّباب هموم القرية ومشَاكل السّاكنة والحُلول المُمكنة، وكلّ ما يتعلّق بنظام القبيلة وتسييرها. هذا ما يقولُه آيت علي، وهو ما يؤكده واقع المنطقة عمليّا.
لكن، وفق ما يقوله ذات المتحدث، فإنّ معنى الكلمة انحرفَ في الآونة الأخيرة، نوعاً ما، فقد تحول مفهوم “تسامرت” كجلسة للحوار وتبادل الآراء، إلى كلمة للشتم والاستهزاء بالشخص، حيث يشار لأي شخص كثير الكلام والحديث، أن حديثه وكلامه فارغ. أي أنه حديث “تسامرت”، فارغ من المحتوى ولا مصداقية له.
الذهاب إلى أنّ لفظة أسامر ذات حمولة سياسية، في العمق، أحياناً لا يعدو أن يكون مجرد انطباع ترسّخ مع بعض الأحداث في سياقات معينة، لا يستقيم الجزم فيها…
بالمقابل، يودّ الناشط محمد حمدان أن يذهب بعيداً، في حديثه إلى مرايانا. ولهذا، يعتبر أنّ نشأة التّسمية في أوساط الحركة الأمازيغية، تمخّض في نزوع لإعطاء الطّابع المحلي للكلمة، والذي فيه نوع من الاحتجاج اللغوي والرّفض الأيديولوجي لتعريب طوبونيميا المنطقة، أي إطلاق تسميات عربية في مناطق تشهد تواجد الأمازيغ. ولعلّ هذا ما حدث في المغرب عامّة.
أيضاً، فإن التسمية، وفق حمدان، تتضمّن نوعاً من بناء الوحدة السوسيوثقافية ذات الأبعاد التاريخية والحضارية. فهي تحيل، وإن بشكل مبطن، على المغرب غير النافع، وعلى السياسات التهميشية التي سارت في هذا التّوجه، والتي مازالت تبعاتها حاضرة للعيان إلى يومنا هذا. كما أن التسمية فيها إحالة على المجال الواحي والرأسمال المادي واللامادي اللذان تمتاز بهما المنطقة، من قصور وقصبات وخطارات وعادات وتقاليد.
لو عدنا لمقال للرّاحل أحمد الدغرني، نجده يوردُ فيه بأنّ هذه المنطقة المسماة أسامر تميّزت “بقيام وبداية أنظمة حكم قديمة يدرسها التلاميذ مشوهة، ونختصر في هذه المقالة الإشارة إلى عائلتين حاكمتين هما:
أوّلاً، “السعديون الذين انطلقوا من نواحي أسامر الحالية، وكانت دولتهم تسمى التكمدارتية، نسبة إلى موقع يسمى “تاكمدارت” Tagmaddart. بعد أن انتشر حكمهم وصاروا محتاجين إلى شرف قبيلة قريش، سموا أنفسهم بالسعديين”، يقول الدغرني.
والثاني، يضيفُ الكاتب، يتعلّق بـ”أولاد علي الشريف السجلماسي (بتعبير المؤرخ محمد أكنسوس في كتابه الجيش العرمرم الخماسي في أخبار علي السجلماسي)، وهم الذين يسمون حاليا بالعلويين، وهم الأسرة السياسية التي لا زالت تحكم المغرب، وقد انطلقت من الريصاني Rissani، وهي مدينة توحي باسم قبيلة كبيرة تسمى Irashan تسكن حاليا في نواحي تارودانت”.
أسامر… إشكال الحمولة السّياسية!
في أسامر، من المستحيل، أن تدخل إلى طُرق الجهة، فلا تصادف على الأقل شَاحنة واحدة تحملُ معادن المنطقة، على غرار الفضة والذّهب والأورنيوم ولاباراتين…
نشأة التّسمية في أوساط الحركة الأمازيغية، تمخّض في نزوع لإعطاء الطّابع المحلي للكلمة، والذي فيه نوع من الاحتجاج اللغوي والرّفض الأيديولوجي لتعريب طوبونيميا المنطقة، أي إطلاق تسميات عربية في مناطق تشهد تواجد الأمازيغ.
هنا، يعتبر حميد آيت علي، أنه يكفي أن نعرف الثروات الطّبيعية والباطنية النّفيسة، التي تزخر بها أسامر بجهة درعة تافيلالت، لندرك أن الخلل ليس في الجِهة في حد ذاتها، ولا في مواردها، كما يتردد على نحو عفويّ. فما يخرجُ من المغرب غير النافع ويذهب للمغرب النافع، يوضّح أنّ الجِهة تُعاني من غِياب إرادة سِياسية، ولا تُعاني من أيّ شيء آخر.
على سبيل الذكر، مما وقفت عليه مرايانا، فإنّه على الحدود المغربية الجزائرية، توجد مناجم إِسِيمُورْ ومْجْرانْ، وتِجْخْتْ، وكذلكَ منجم رَاسْ كْمُّونَة… بالإضافة إلى منجم تَاوزَّاگْتْ لاستخراج الفضة بإمضير نواحي تنغير، كما يستخرجُ منه الأورانيوم والكروسطوف، ومنجم تِوِيتْ بصاغرو الذي يستخرج منه معدن النّحاس.
فضلاً عن منجمين بمنطقتي أَحُولِيْ ومِّيبْلاَضْنْ بإقليم ميدلت، ناهيك عن منجم البْلِيدَة نواحي زاكورة، والذي يُستخرجُ منهُ النّحاس. بعض هذه المناجم لا يوجد في أسامر تحديدا بل في مناطق قريبة من السّفوح التي تغطيها التسمية، لكن الجامع بينها أنها تنتمي لذات الجهة: درعة تافيلالت.
كلِمة أسامْر عند الأمازيغ تحيلُ على المَكان ونقطة معينة تعرضت أو تتعرض للشّمس، أي السّفوح المُشمسة، التي لاَ تُفَارقها أشعّة الشّمس طِيلة فصُول السّنة.
أضف إلى ذلك السّياحة الصّحراوية والجبلية والاستشفائية والثّقافية.
… فهل أسامر، وبالتبعية الجِهة، فقيرة أم مُفَقّرة؟
يجيبُ لحسن أمقران عن سؤال مرايانا، بخصوص الحمولة السياسية، التي يمكن أن تحملها كلمة أسامر، كاحتحاج ضدّ ما تصفهُ السّاكنة، بـ”التهميش الممنهج” للمغرب، بأن الذهاب إلى أنّ لفظة أسامر ذات حمولة سياسية، في العمق، أحياناً لا يعدو أن يكون مجرد انطباع ترسّخ مع بعض الأحداث في سياقات معينة، لا يستقيم الجزم فيها… كل ما في الأمر أن أسامر انتقل من معطى أنتروبولوجي جغرافي، يرتبط بنمط عيش قبائل صنهاجة (الترحال) إلى معطى ترابي (territorial) جاهد أبناء الجهة في ترسيخه واعتماده في مرافعاتهم وأدبياتهم الترابية.
… لكن لماذا لا تعتمد رسمياً إذن؟
في اعتقاد أمقران، فإنّهُ يصعب ويُستبعد اعتماد لفظة أسامر رسمياً لكونها تحيل على مجال لكن بمرجعية (repère)، ربما لا تتقاسمها الأقاليم المكونة لجهة درعة تافيلالت، في التقطيع الإداري الرّسمي. بالتّالي، فأسامر، حسب أمقران، تبقى نسبية إلى حدّ كبير، “وهذه النّسبية تسري أيضا على ألفاظ أخرى تعودنا على سماعها وتحيل على الجهة المعنية من قبيل “الجنوب الشرقي” أو “الصّحراء” وكلها تسميات غير دقيقة”.
أسامر… هل هي كلمة بريئة حقّا أم أنّها تحمل في أعماقها نوعاً من العنصرية والإقصاء؟
هذا ما سنراه في الجزء الثّاني من هذا الملف.
- الجزء الثاني: أسامر… بين براءة التّسمية ووصمة “العُنصرية”! 2\2
مقالات قد تثير اهتمامك:
- صحراء مرزوكة… حين كشفت “السّياحة الدّاخلية” عن جمالٍ يُخفي كوارث تنْموية! (صور) 1\2
- في غياب حلول بنيوية… يصبح موسم الثلج كابوسا سنويا لبعض المواطنين في المغرب! 1\2
- تاريخنا المجهول: مدينة البصرة المغربية… قصة ثاني عاصمة للأدارسة (صور)
- سكان العالم القروي في زمن كوفيد 19… حياتنا عبء على السياسي
- هشام روزاق يكتب: قفة وشكارة أو… “ملي مشينا ف شكارة مقطعة”.