الحياة الليلية… ضحية إجراءات جائحة كورونا الكبرى - Marayana - مرايانا
×
×

الحياة الليلية… ضحية إجراءات جائحة كورونا الكبرى

في انتظار جلاء شبح كورونا، ينتظر الليليون العودة لحضن الليل، فمن دونهم…ودونه، يجتزئ الإنسان حيزا عظيما من وجوده… ويتداعى.

الليليون..

لعلهم أكثر من يكابد قسوة الإجراءات الملازمة لوباء كورونا، فقد انتشلتهم الجائحة من ملاذ ”الحياة الليلية”، وساقت حتى من يسترزق من نسائم الليل ورمزيته لظروف مادية صعبة.

”هناك من يريد أن يعيش في واضحة النهار، وهناك من يريد أن يعيش في دامسة الليل، إن البشر مثل الحشرات…”[1]، هكذا قال الروائي الكبير محمد زفزاف، فالدنو من عوالم الليل وسحره، يكاد يكون اختيارا وجوديا، يعكس فيه الإنسان رؤيته وموقفه من الطبيعة… والحياة.

يرجع تطور الحياة الليلية تاريخيا للقرن 17، حيث تم اختراع المصباح الزيتي، مما حسن الإنارة في المدن، وأصبحت المقاهي تغلق في وقت متأخر، وتسمح للناس بالنقاش، مما أزعج السلطة في فرنسا[2].

”شرب فتاة للكحول والتعبير عن ذلك، بالنسبة للمجتمع، ليس حرية شخصية أو تمردا، هو فقط، حسب تأويلهم المتخلف، دعوة للآخرين للمضاجعة”.

لا يمكن للمغرب أن يتبجح بحياة ليلية حقيقة، على عكس مدن عالمية   كأمستردام، حيث دفع الجنون الإنسان إلى عرض المرأة كسلعة في ”منطقة الضوء الأحمر”، أو لاس فيغاس التي ارتبط اسمها بـ”مدينة الخطيئة”، بسبب انتشار الملاهي الليلية، والكازينوهات والقمار فيها.

إجراءات كورونا… انتكاسة عشاق الليل

”الظلام أب كبير يعطف على الحزانى، يمد راحته إلى الرؤوس، يمسح عنها تعبها، حزنها، ويحفظ الأسرار”[3]، هكذا أوحى الروائي عبد الرحمان منيف لليليين، فلم يجدوا متنفسا وملاذا… سوى في عتمة الليل، وحضن فن الشارع، والحانات والملاهي الليلية، والعروض الموسيقية.

إكرام، طالبة ماستر، ذرعت خلال دراستها في الرباط العديد من حانات العاصمة، لتمسح عن روحها متاعب الدراسة والعيش في جنائزية النهار.

”أحب الليل وهدوءه، نما عشقي لليل خلال السفر عندما كنت أسافر مع أصدقائي جماعة (Trip)، وأختلي بنفسي في الليل بعدما يتفرق الجميع. هذا الارتباط بالليل مرتبط أيضا بشغفي بالذهاب للحانات، للاستماع للموسيقى، وتبادل الحديث مع الناس”.

قبل أن تستطرد في التعبير عن آثر الجائحة على ولعها بالليل، بررت إكرام بنبرة يملؤها الحزن سبب رفضها الكشف عن هويتها كاملة: ”شرب فتاة للكحول والتعبير عن ذلك، بالنسبة للمجتمع، ليس حرية شخصية أو تمردا، هو فقط، حسب تأويلهم المتخلف، دعوة للآخرين للمضاجعة”.

”الحياة الليلية هي عملي، لكنها لا تعني لي شيئا كبيرا. منذ السادس عشر من مارس، أنا في المنزل، لقد تأثرت كثيرا بإجراءات الجائحة… بشكل لا يمكن أن يتصوره أحد، كل شيء مقفل، لقد أصبحت أواجه مشاكل حتى في أداء الفواتير”.

وتضيف إكرام في تصريح لمرايانا: ”فرضت الجائحة على الملاهي والحانات الإغلاق لوقت طويل، وحتى إعادة فتحها تأخر بعد ذلك، وكان مشروطا بالإغلاق في وقت مبكر”.

لقد أثرت الجائحة علي وعلى الكثير من الناس، ففي بداية انتشارها، كان من الطبيعي إغلاق الحانات والملاهي. لكن الآن، هناك تذمر من مرتاديها من وقت إغلاقها المبكر.

أفضل الآن أن أستهلك المشروبات الكحولية في المنزل، عوض الذهاب للحانة، لقد افتقدت للأريحية التي كنت أشعرها في هذا المكان”.

معاناة المسترزقين من الحياة الليلية

رغم اكتظاظ الشوارع في النهار وتعدد الأنشطة الاقتصادية خلاله، تخلق الحياة الليلية أيضا العديد من فرص الشغل، وأكثرها أحيانا حساسية وعرضة للخطر.

بلاسيد كابونا، منشط موسيقي كونغولي في إحدى حانات الرباط، عبر بتذمر عن انعكاس الجائحة على حياته.

“لم تكن لي أي ردة فعل بعد إعلان إجراءات جائحة كورونا، لأنه لم يكن بوسعي القيام بأي شيء، كان الأمر بمثابة القنبلة. لم يكن أحد يتوقع شيئا”.

وأضاف كابونا في تصريح لمرايانا: ”الحياة الليلية هي عملي، لكنها لا تعني لي شيئا كبيرا. منذ السادس عشر من مارس، أنا في المنزل، لقد تأثرت كثيرا بإجراءات الجائحة… بشكل لا يمكن أن يتصوره أحد، كل شيء مقفل، لقد أصبحت أواجه مشاكل حتى في أداء الفواتير”.

في عالم موازٍ، إذعان بعض الرجال لغرائزهم الجنسية، يجعل من الليل وعوالمه، فرصة للتمرغ في أجساد، اختارت طواعية أن تشارك حميميتها مقابل المال.

فاطمة (اخترنا لها هذا الاسم المستعار)، رغم اشتغالها كعاملة جنس في الدعارة الراقية في الرباط، لم تخف تأثرها البالغ بالجائحة، التي رحّلت زبناءها الأكثر سخاءً عن المغرب.

في تصريح لـ”مرايانا”، تقول فاطمة: ”أشتغل أكثر مع مواطني دول الخليج. المشكل الذي وجدته خلال جائحة كورونا، خصوصا ما بين شهر مارس ويونيو، هو مغادرة أغلب هؤلاء للمغرب. بقي فقط من لهم إقامة مغربية. بالتالي، أصبح العرض أكثر من الطلب، حيث أن وجود العديد من الفتيات مع تقلص الزبائن، قلص من المبلغ الذي أحصل عليه. بينما كنت أحصل، على الأقل، على 2000 درهم للعلاقة الجنسية الواحدة، أصبح المبلغ في عز الجائحة لا يتجاوز 500 درهم”.

نستشف من كل هذه الشهادات الأثر البالغ لإجراءات كورونا على رمزية الحياة الليلية، والظروف المعيشية للمشتغلين خلالها. لكن في مجتمع يهوى ادعاء التمسك بالقيم والأخلاق-في العلن طبعا-، تظل هذه المعاناة مكتومة في نفوس أصحابها.

في انتظار جلاء شبح كورونا، ينتظر الليليون العودة لحضن الليل، فمن دونهم…ودونه، يجتزئ الإنسان حيزا عظيما من وجوده… ويتداعى.

[1] -محمد زفزاف، العربة.
[2]-https://www.lhistoire.fr/linvention-de-la-vie-nocturne
[3] -عبد الرحمان منيف، قصة حب مجوسية.

 

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *