مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: الآلهة الإناث ورمزية تقديس الأنثى عند العرب 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: الآلهة الإناث ورمزية تقديس الأنثى عند العرب 2/3

عبدت العرب الآلهة الإناث، ثلاثة منها مذكورة في القرآن ومعروفة بالغرانيق العلا… بالإضافة إلى “رضى” و”سواع” التي يقول الواقدي بأنها كانت على صورة امرأة، و”نائلة” التي كانت منصوبة على المروة في مقابل إيساف الذي كان منصوبا على الصفا.
وقد ذهب الفقهاء المسلمون والرواة إلى القول بأن أغلب هذه الأصنام كانت رجالا صالحين، فلما ماتوا أقيمت لهم الأصنام وعُبِدوا، وهو أمر… لا يعدو أن يكون محاولة لإرجاع تلك الآلهة الإناث إلى أصل ذكوري.

عبد الهادي دهراوي

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف حاولت مؤسسة الفقه الإسلامي، بناء تأويل إيديولوجي يكريس تلك الصورة الناقصة للمرأة…

في هذا الجزء الثاني، نقدم بعضا من سيرة المكانة المتميزة للنساء عند عرب ما قبل الإسلام. مكانة، وصلت حد عبادة آلهة إناث.

تبين لنا الدراسات التاريخية أن ديانات سومر وبابل و آشور، كانت ديانات مطبوعة بالأمومية، وكانت عشتار، إلهة الطبيعة والخصب تحظى بالتعظيم والتقديس، لأنها تعتبر واهبة الحياة، الأم الكبرى في رمزية الميثولوجيا البابلية القديمة.

إن الآلهة الإناث في الميثولوجيا القديمة، ترمز إلى  الطاقة الخلاقة، وذلك بخلاف الآلهة الذكور التي ترمز إلى القيمة المضادة للحياة، أي ترمز إلى الموت. هكذا، فإن النوعين من الآلهة يرمزان إلى  جدلية الحياة والموت.

وقد عبدت العرب الآلهة الإناث، ثلاثة منها مذكورة في القرآن (سورة النجم 19/20) ومعروفة بالغرانيق العلا، وهي اللات والعزى ومناة، بالإضافة إلى “رضى” و”سواع”، التي يقول الواقدي بأنها كانت على صورة امرأة، و”نائلة” التي كانت منصوبة على المروة، في مقابل إيساف الذي كان منصوبا على الصفا (أنظر تفسير ابن كثير لآية: إنما الصفا والمروة من شعائر الله).

اقرأ أيضا: قداسة الكعبة على ضوء التاريخ الإسلامي: حين قدس العرب 8 كعبات! 1/3

وقد ذهب الفقهاء المسلمون والرواة إلى القول بأن أغلب هذه الأصنام كانت رجالا صالحين! فلما ماتوا أقيمت لهم الأصنام وعبدوا، وهو أمر في نظري، لا يعدو أن يكون محاولة لإرجاع أصل تلك الآلهة الإناث إلى أصل ذكوري.

و سنقتصر فيما يلي على التعريف بالآلهة الأربع اللات و العزى و مناة ثم رضى.

اللات:

ذكر ابن الكلبي أنها كانت صخرة  مربعة بيضاء، وكانت لها أستار وسدنة، وكانت قريش تعظمها وتتقرب إليها. وذكر أنها كانت بثقيف، وكانوا يفتخرون بها على باقي أحياء العرب، كما ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس، أن اللات كان رجلا يلث سويق الحجاج! واللث هو العجن مع الماء، أما السويق، فهو نوع من الطعام من شعير أو قمح، وهو أمر، كما سبق ذكره، يروم إرجاع اللات إلى أصل ذكوري، لأن عبادة الآلهة الإناث لا يمكن أن يتسق مع إيديولوجية الفقهاء العباسيين القائمة على الحط من قيمة المرأة.

وقد ورد عند الطبري أن اللات هي مشتقة من اسم الجلالة الله[1].

العزى:

وهي أيضا صنم أنثى، و نجد ابن الكلبي يردد الرواية المشهورة عند الفقهاء والإخباريين، من أن شخصية ما هي المسؤولة عن إقامة هذه العبادة عند العرب بعد أن كانوا على دين إبراهيم، وقال بأن رجلا يدعى “أسعد بن ظالم” هو من أتى بالعزى إلى جزيرة العرب، وذلك من أجل ترميم الفراغ الكبير الذي تعرفه الرواية الدينية في شأن تحول بعض العرب من ديانة إبراهيم إلى عبادة الأصنام.

اقرأ أيضا: تلبية وطواف: أهم أركان الحج عند عرب ما قبل الإسلام 2\3

ويعتبر ابن الكلبي في كتاب “الأصنام”، الذي اعتمدنا عليه بشكل أساسي في هذا البحث، أن العزى كانت موجودة بقبيلة غطفان و لكنها كانت أيضا معظمة عند قريش، وكانت تخصها بالزيارة والهدية، وقد أورد ابن الكلبي حديثا للنبي قال فيه: “لقد أهديت للعزى شاة عفراء وأنا على دين قومي”، وهو ما يخالف أحاديث أخرى تنفي أن يكون النبي قد عبد الأصنام حتى قبل إعلان الوحي.

أما الحج زمن الوثنية، فقد اتفق المسلمون أن النبي قد قام به رغم أن الرواة يتحدثون عن وجود أزيد من 300 صنم في جوف الكعبة قبل فتح مكة، وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية و المقريزي في إمتاع الأسماع أن النبي وقف بجبل عرفة “وهو على دين قومه”.

مناة:

تقول الروايات إنها كانت قرب يثرب، مما يلي ساحل البحر على قول اليعقوبي، كما أن ابن حبيب أيضا، ذكر بأنها كانت بمحاذاة البحر، وكان الأنصار يعبدونها بالإضافة إلى قبيلة أزد شنودة وغيرها، و ينقل جواد علي عن الطبري أن تلبية مناة كانت: “لبيك اللهم لبيك، لولا أن بكرا دونك يبرك الناس ويهجرونك، ومازال حج عثج يأتونك، إنا على عدوائهم من دونك”، وجاء عند ابن الكلبي أن قريشا وخزاعة وهذيل كانت تعظمها أيضا.

الإلهة رضى:

قال ابن الكلبي إنها كانت لبني ربيعة بن كعب، وتعبدت لها قبيلة تميم، وهي أيضا آلهة أنثى، بدليل ما ورد عن عمرو بن ربيعة (المستوغر) من شعر منسوب له نظمه بعد هدمها بأمر من النبي، حيث قال:

و لقد شددت على رضى شدة \فتركتها تلا تنازع أسحما

هكذا، يبدو واضحا بأنه خاطبها في شعره بتاء التأنيث.

وحري بالذكر من جهة أخرى، أن الإلهة “رضى” وردت في كتابات الصفويبن والثموديين تحت اسم “رضو” و”رضى” و”هرضو”، وكذلك وردت في بعض النصوص التدمرية[2]، وهو ما يضع كل الرواية العباسية لتاريخ الأصنام عند العرب موضع سؤال، حيث أن العديد من الآلهة المذكورة عند العرب وجدت عند الأنباط وعند التدمريبن، أي في شمال الجزيرة العربية، وهو ما يحتاج إلى بحث مستقل لمناقشته.

 

[1]  “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، جواد علي، ج6، ص  230/231.
[2] كتاب “المفصل” لجواد علي، ج1/ص 3433

 

لقراءة الجزء الأول: مكانة المرأة العربية قبل الإسلام من خلال مظاهر التأنيث عند العرب الوثنيين 1/3
 لقراءة الجزء الثالث: مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: كهانة النساء وحكاية سجاح بنت الحارث التميمية 3/3

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *