على هامش قضية “نقاب” تلميذة شفشاون: هل أطفالنا مِلكٌ لنا؟
“بعد خمس دقائق من ولادتك سيقررون اسمك، جنسيتك، دينك وطائفتك… وستقضي طول حياتك تُدافع وتقاتل بغباء عن أشياء لم تخترها!” (زياد رحباني).
جاءت تلميذةٌ إلى الإعدادية حيث تدرس فلا أحد تعرّف إليها؛ لا لأنها دون ملامح كأي طفل، إنّما… ترتدي النقاب!
… وأيّ طفل هذا الذي، بعدُ على الفطرة، يخبّئ نفسه في ملبس كهذا؟
لم تستسغ إدارة المؤسسة التربوية ذلك. قيل إنها منعت الطفلة إلى حين، ثم اجتمعت بأمها وأبيها في نقاش أفضى إلى اقتناعهما بإلباسها الحجاب على الأكثر.
وقعت هذه الحادثة في شفشاون بالمغرب قبل أيام… أثارت الجدل في البداية عما ذاع من طردٍ للتلميذة، وذاك ما نفته الإدارة، التي أكدت أنها لم تطرد أحدا يوما ما بسبب لباسه.
كم من أسرةٍ دفعت ابنها إلى دراسة المحاماة مع أنه يهوى المسرح، فقط لأن الأب والأم، يومَ تزوّجا، كانا يُمنيّان النفس بإنجاب طفل يصير يوما ما محاميا؟
ثمّ اتخذ الجدل بعد ذلك بُعداً آخر تماماً…
لِمَ تدفع هذه الطفلة مثلا ثمنَ ميلادها في أسرة تعتقد بالنقاب ملبسا للمرأة؟ ماذا لو رأت النور في كنف أسرة أخرى لا تعتقد به؟ لِمَ نُحمّل أبناءنا مُعتقداتٍ تخصّ كلّ واحد منّا على حدة؟
… ودخلَ الجدلُ الدائرةَ المفرغة حين جادلَ المغالون في دينهم: ولِم تدفعُ طفلةٌ أخرى ثمن ميلادها في أسرة تعتقد بـ”التبرج والعري”؟
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: الجذور التاريخية للحجاب
السؤال ليس ذاك… إنّما: هل أطفالنا مِلكٌ لنا؟ اللّباس، مع تأثيره البالغ في الطفل، يظلّ ثوبا يمكن تغييره حين يقضي الاختيار في الكِبَر…
ثمة أمثلة أخرى يمكن أن نسردها هنا… كم من أسرةٍ دفعت ابنها إلى دراسة المحاماة مع أنه يهوى المسرح، فقط لأن الأب والأم، يومَ تزوّجا، كانا يُمنيّان النفس بإنجاب طفل يصير يوما ما محاميا؟
قد ننصح أطفالنا أحيانا بالاعتماد على أنفسهم في التفكير، لكن من يُقدّمون هذه النصيحة؛ أي الآباء، واثقون أنّ الطفل سيصل بتفكيره إلى نتائج مثل تلك التي يرغبونها.
أو كم من أسرةٍ أوقفت ابنتها عن الدراسة بعد محو الأمية لأنها تعتقد أن تعليم الفتاة حد نيل الشهادات العليا غير مُجدٍ؟ … إلى ما شئنا من الأمثلة!
يُلاحقنا تأثيرُ الوالدين كالقدر المحتوم بطريقة ما…
أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في تاريخ السينما الهندية، “دانغال”، كانت قصته كالتالي، وهي بالمناسبة مستلهمة من أحداث واقعية:
اقرأ أيضا: من سوريا، نُعمى فواخرجي تكتب: عندما قررت أن أعيش!
بطلٌ سابق في لعبة المصارعة، كان يحلم أن يفوز بميدالية ذهبية ترفع علم بلاده فلم يحدث… ثم تعهّد بأن يجعل من ابنه مستقبلا، بطلا يُحقّق هذا الحلم، لكنه لم يُنجب سوى الفتيات… صار الحلم ميؤوسا منه، حتى قامت اثنتان من بناته بضرب ولدين ذات يوم، فقرر تدريبهما على أصول اللعبة!
… كل هؤلاء وُجدوا في الحكاية ليحققوا حلما واحدا وحسب؛ كان حُلمَ الأب! فأمَا كان لبناته أن يحظين بأحلامهن الخاصة… وأن يعشن ليُحقّقنها؟
يرى خبراء التربية أنه ثمة مجالات عديدة يتسلط فيها الآباء على أبنائهم، حيثُ يصادرون حريتهم في الاختيار ويفرضون آراءهم باستخدام ما يُعرف بـ”السلطة الأبوية”.
يرى صاحب نظرية التطور المعرفي عند الأطفال، عالم النفس السويسري جان بياجيه، أن نمو الطفل معرفيا عملية ارتقائية مُتصلة بالتغيّرات التي تكشف عن إمكاناته.
… وأنّ ما يستسهله الراشد، يكون صعبا لدى الطفل، ذلك أنه بحاجة إلى مقدمات وحقائق أولية تُعتبر ضَرورية، لا غنى عنها، من أجل الإدراك.
من ثمّ، ركّز على أهمية إكساب الطفل خبرات تعليمية مختلفة تُساعده على اكتساب المفاهيم المختلفة خلال طفولته.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسن الوادعي يكتب: أخلاق التقاليد والدين… أم أخلاق العقل؟
غير أن ما حرص بياجيه على إيصاله للآباء… أنْ يعوا أنّ أطفالهم ليسوا ملكا لهم.
يقول: “هم أشخاص جاؤوا إلى الوجود عبرنا، لا نحاول أن نجبرهم على ما نريد؛ إنّما علينا أن نساعدهم على المضي حيث يريدون”.
ثمة فروق جيلية، وهو ما انتبه له أحد الفلاسفة اليونانين قديما إذ يقول: “لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.
في كتابه “النبي”، يدافع جبران خليل جبران، أحد رواد النهضة في المنطقة “العربية”، عن الفكرة ذاتها:
“أولادكم ليسوا لكم…
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم…
ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكا لكم…
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم لأن لهم أفكارا خاصة بهم…”.
اقرأ أيضا: “تزويج القاصرات”… دراسة حديثة: الاستثناء المخول للقاضي في مدونة الأسرة أصبح قاعدة! 2/1
يرى خبراء التربية أنه ثمة مجالات عديدة يتسلط فيها الآباء على أبنائهم، حيثُ يصادرون حريتهم في الاختيار ويفرضون آراءهم باستخدام ما يُعرف بـ”السلطة الأبوية”.
في الميول والاهتمامات مثلا، ما يرغبون فيه مسارا دراسيا وأكاديميا، ملابسهم وشكلهم، علاقاتهم الاجتماعية، حرية التصرف…
يوصي المؤرخ البريطاني، جون بيوري، في كتابه “حرية الفكر”، الأبناءَ قائلاً: “لا تثق ثقة عمياء في ما يقوله أبواك”.
غير أن الآباء والأمهات يملكون في ذلك ذرائع يعدّونها وجيهة، مثل عدم امتلاك أبنائهم للخبرة، وعدم الثقة بهم… ثمة أمور أخرى قد تكون مُتجذرة في الوالدين مثل ثقافتهما، وطباعهما الشخصية…
قد ينسون أحيانا أخرى أنه ثمة فروق جيلية، وهو ما انتبه له أحد الفلاسفة اليونانين قديما إذ يقول: “لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.
اقرأ أيضا: أطفال مغرب اليوم… لكل زمن بيئته ولكل بيئة سلوكاتها! 2/1
خبراء التربية يؤكدون أن لكل هذا نتائج في الغالب ما تكون عكسية… كتمرد الأطفال، وفشلهم (فرض خيار دراسي لا يُوافق الطفل مثلا)، وفتور في التواصل، وضعف في الشخصية يكمن في العودة الدائمة إلى الوالدين…
أمّا البديل الذي يطرحونه، فيُمكّن، بحسبهم، من تحقيق نتائج أفضل… مثل النظر في اختياراتهم، وأن يمنحوهم حريّة التجربة، أن يناقشوهم، وأن يحتضنوا رغباتهم وأن يعلّموهم منذ الطفولة أن يتحملوا المسؤولية…
“هم أشخاص جاؤوا إلى الوجود عبرنا، لا نحاول أن نجبرهم على ما نريد؛ إنّما علينا أن نساعدهم على المضي حيث يريدون”.
على أن المشكلة أعمق بكثير… فقد ننصح أطفالنا أحيانا بالاعتماد على أنفسهم في التفكير، لكن من يُقدّمون هذه النصيحة؛ أي الآباء، واثقون أنّ الطفل سيصل بتفكيره إلى نتائج مثل تلك التي يرغبونها.
… حتى إذا شكّك الطفل في المبادئ التي يودون حقنها في ذهنه، أرغوا وأزبدوا وثبّطوه عن ذلك!
كذا تحدّث المؤرخ البريطاني، جون بيوري، في كتابه “حرية الفكر”، حيث يوصي الأبناء: “لا تثق ثقة عمياء في ما يقوله أبواك”.
بيوري يمضي أبعد قليلا إذ يقول إنه جديرٌ بأن يكون أوّلُ ما يتعلمه الطفل أوّلَ ما يؤهله عمره للفهم، أنْ يعرف متى عليه أنْ يُصدّق أو أن لا يُصدّقَ… ما ينفذ إلى أذنيه!