الأكراد… بعد سايكس بيكو: تاريخ من القمع والاضطهاد والنضال على أمل الاستقلال 4/3
الأكراد بوصفهم أقلية في المنطقة، وإن كبيرة، بعد وعود بإنشاء الدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، سرعان ما وجدوا أنفسهم مشتتين في دول عدة، لكل منها هواجسها؛ إلا أنها تجتمع في قمعهم واضطهادهم، على نحو ضخَّم شعورهم القومي، فأخذوا منذ ذاك يناضلون كل من موقعه لاستقلال “كردستان”.
بعد الجزء الثاني الذي تابعنا فيه بعض أهم محطات التاريخ الكردي قبل انهيار الدولة العثمانية، في هذا الجزء الثالث، نواصل هذا الملف عن الأكراد، ونتابع بعض ما كابدوه بعدما تجاهلت اتفاقية لوزان (1923م) وعودَ اتفاقية سيفر (1920م) ببحث إنشاء دولة لهم.
ليس هناك خلاف على أن بعض المكونات المجتمعية لدول الشرق الأوسط، لا تعترف، سواء ضمنيا أو صراحة، بالحدود السياسية التي رسمها المستعمرون…
يتجسد عدم الاعتراف هذا، يقول الباحث عبد الباسط سيدا[1]، في مشاريع إيديولوجية عدة تدور حول القومية أو الدين أو المذهب… في الأخير، ما من دولة هناك تمكنت من بناء مشاريع وطنية تُطمئن سائر مكوناتها.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: تأملات حول موقف المسلمين من العلمانية
الأكراد بوصفهم أقلية في المنطقة، وإن كبيرة، بعد وعود بإنشاء الدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، سرعان ما وجدوا أنفسهم مشتتين في دول عدة، لكل منها هواجسها؛ إلا أنها تجتمع في قمعهم واضطهادهم، على نحو ضخَّم شعورهم القومي، فأخذوا منذ ذاك يناضلون كل من موقعه لاستقلال “كردستان”.
لا يوجد رقم دقيق لعدد ضحايا الصراع المسلح الذي امتد لأزيد من 30 عاما بين الأتراك والأكراد؛ كل طرف يورد أرقاما بحسب تقديراته، إلا أنها تتراوح بين 60 و70 ألف شخص.
في نهاية سبعينيات القرن الذي مضى، اجتمعت مجموعة من الشبيبة الكردية بقيادة عبد الله أوجلان، وأعلنت عن تشكيل حزب العمال الكردستاني، الذي اتخذ شعارا له: “تشكيل كردستان المستقلة الاشتراكية الموحدة”.
قام الحزب على خليط من اليسارية والقومية، كرد فعل على اليسار التركي الذي انشق عنه أوجلان، بعدما طالب الأكراد بإرجاء مطالبهم إلى حين تحقيق الاشتراكية في تركيا.
أول خطوة اتخذها الحزب، كانت إعلان الثورة والكفاح المسلح، وهو ما صدّق عليه حين عقد مؤتمره الثاني في سوريا عام 1982م.
اقرأ أيضا: عبد الدين حمروش يكتب: الدولة المدنية والدولة الديمقراطية
اليوم، بعد أزيد من ثلاثين عاما من الصراع المسلح بين الطرفين، يظهر جليا أن ما من أحدهما استطاع حسمه لصالحه، رغم تفاوت ميزان القوى لصالح تركيا.
لا يوجد رقم دقيق لعدد ضحايا هذا الصراع، بحسب ما يؤكده الباحث خالد عقلان[2]؛ كل طرف يورد أرقاما بحسب تقديراته، إلا أنها تتراوح بين 60 و70 ألف شخص.
نتيجة للولاءات الإقليمية، دخلت المنطقة الكردية حربا داخلية، استمرت من 1994 إلى 1998، راح ضحيتها الآلاف، قبل أن تنتهي باتفاق سلام رعته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، مادلين أولبرايت.
غير أن هذا الوضع، يوضح عبد الباسط سيدا، تغير إلى حد ما في تركيا إبان فترة الرئيس تورجوت أوزال (1989-1993)، واستمرت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية، التي دخلت بعد ذلك في مفاوضات مباشرة مع الحزب، على أمل إيجاد حل للقضية الكردية.
آنذاك، لاحت بوادر حسن نية عديدة، فقد شمل عفو عن السجناء السياسيين آلاف الأكراد، من بينهم قيادات بارزة في الحزب، كما استبدل عام 1991 الحظر الكلي على اللغة الكردية بحظر جزئي.
اقرأ أيضا: من الأردن، بشار حداد يكتب: #دمتم_وقودا
بدأت بعد ذلك سلسلة طويلة من المفاوضات… كانت تصل إلى مراحل متقدمة، إلا أنها، يشير خالد عقلان، سرعان ما كانت تتدهور وتتوقف نهائيا بعد عودة العنف والعمليات العسكرية بين الجانبين.
بالمناسبة، يربط متابعون لشأن المنطقة توقف العملية السلمية والمفاوضات بين الطرفين بالأوضاع الإقليمية، خاصة الأزمة السورية.
بعد إسقاط النظام في العراق، عام 2003، دخلت القضية الكردية منعطفا جديدا هناك، بعدما أقر الدستور العراق دولة فيدرالية، فكان أن حضر الأكراد في الحكومة المركزية، بل ولعبوا دورا بارزا في خضم ما سمي بـ”الحرب على الإرهاب”.
الحزب يتهم تركيا بدعم الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، التي تقف ضد الحقوق والمطالب الكردية في هذين البلدين؛ فيما تتهم تركيا الحزب بأنه أداة بيد النظامين السوري والإيراني ضد مصالح تركيا في المنطقة.
على ذكر إيران، فالقضية الكردية اتخذت ذات المسار تقريبا هناك، قبل أن يدخل حزب العمال الكردستاني على الخط، بتأسيس فرعه هناك تحت اسم حزب الحياة الكردستاني بعد اشتداد خلافه مع النظام الإيراني.
في العراق أيضا اتخذت القضية المسار ذاته. بعد حرب “تحرير الكويت”، أعلن الأكراد انتفاضتهم على النظام العراقي، فكان أن ووجهوا بقمع شديد أدى إلى حدوث هجرة مليونية نحو الحدود التركية والإيرانية والسورية.
اقرأ أيضا: هل يسطو خامنئي على شيعة العراق؟ ولاية الفقيه أم الدولة المدنية؟ 2/1
لاحقا، دخلت الأحزاب الكردية العراقية بضغط من تركيا وتنسيق مع جيشها، في حالة حرب مع حزب العمال الكردستاني، الذي كان يتواجد في المناطق الحدودية.
نتيجة لهذه الولاءات الإقليمية، دخلت المنطقة الكردية حربا داخلية، استمرت من 1994 إلى 1998، راح ضحيتها الآلاف، قبل أن تنتهي باتفاق سلام رعته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، مادلين أولبرايت.
الفارق مع حالات تركيا، إيران والعراق، أن الأكراد لعبوا دورا مهما في الحركة السياسية بسوريا وتبوؤوا هناك مناصب عليا في الدولة.
لكن، بعد إسقاط النظام في العراق، عام 2003، دخلت القضية الكردية منعطفا جديدا هناك، بعدما أقر الدستور العراق دولة فيدرالية، فكان أن حضر الأكراد في الحكومة المركزية، بل ولعبوا دورا بارزا في خضم ما سمي بـ”الحرب على الإرهاب”.
أما في سوريا، فالوضع كان مختلفا قليلا… جذور الحركة السياسية الكردية هناك تعود إلى عام 1927م حين تأسست جمعية خويبون (الاستقلال) في لبنان، واتخذت من سوريا ومناطقها الكردية قاعدة انطلاق نحو تركيا.
الفارق مع حالات تركيا، إيران والعراق، أن الأكراد لعبوا دورا مهما في الحركة السياسية بسوريا وتبوؤوا هناك مناصب عليا في الدولة.
اقرأ أيضا: من سوريا، باسل قس نصر الله يكتب: أهلي هنا
لكن، يوضح خالد عقلان، ليس بوصفهم أكرادا أو يمثلونهم، إنما كسوريين أو أكرادا مستعربين، حتى إن بعضهم انتمى إلى تيارات وأحزاب قومية سورية.
لاحقا فقط، تبلورت فكرة تأسيس حركة كردية سورية، فتأسس بدمشق الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت شعار “تحرير وتوحيد كردستان”.
ثم بدأت سياسة القمع والاضطهاد تجاههم هم أيضا، بخاصة، يقول الباحث سامح الفرا[3]، أن حزب البعث الحاكم انبنى على توحيد العرب في وطن واحد.
في الجزء الرابع والأخير… لماذا يَعدّ البعض إقامة دولة كردية في المستقبل المنظور مستحيلا؟
لقراءة الجزء الأول: الأكراد… أصدقاء الجبال، المشتّتون، وحلم الدولة الذي تجهضه لعنة التاريخ والجغرافيا 4/1
لقراءة الجزء الثاني: الأكراد… تعدّدت فصول التاريخ والنتيجة واحدة: “وطنٌ مشتّت”! 4/2
لقراءة الجزء الرابع والأخير: الأكراد… بين الحلول الواقعية والشعور القومي: لماذا تستحيل إقامة دولة كردستان؟ 4/4