من سوريا، باسل قس نصر الله يكتب: أهلي هنا - Marayana - مرايانا
×
×

من سوريا، باسل قس نصر الله يكتب: أهلي هنا

شيء خفي يربطني بهذا التراب. شيء يتكرر لكل الناس، من جيل إلى جيل. هذا التراب نعشقه، آباء عن أجداد إلى الأحفاد. لكل واحد منا أقرباء وأهالي رحلوا وبقيت أجسادهم مدفونة …

شيء خفي يربطني بهذا التراب.

شيء يتكرر لكل الناس، من جيل إلى جيل.

هذا التراب نعشقه،

آباء عن أجداد إلى الأحفاد.

لكل واحد منا أقرباء وأهالي رحلوا وبقيت أجسادهم مدفونة في هذه الأرض.

كيف لنا أن نتركهم يعانون تحت التراب لوحدهم؟

نحن أبناء وأحفاد وهم آباء وأجداد.

أولئك الذين هاجروا، كيف طاوعهم ضميرهم؟

أيها الآباء والأجداد، الذين تركهم الأبناء.

أنا وغيري من الذين بقوا، سنكون أبناء لكم.

سورية بالكامل هي ابنة لكم ونحن أبناء لها.

عندما كنت يافعا، كنت أزور المقابر وأقرأ أسماء الموتى وأربطهم بذاكرتي مع الأحياء، فأعرف أن خالة وعمة فلان، أو والد ووالدة وأقرباء فلان، مدفونون هنا.

في بداية الأزمة، وفي مدينتي، حلب، أصبحت المقابر المسيحية خارج السيطرة، فكنت غالبا أفكر أن ووالدي ووالدتي وخالتي التي ربتني، هم لوحدهم.

اقرأ أيضا: من فرنسا، مريم أبوري تكتب: ولادة مهجرية. عن سوريا والهجرة والمخاض والألم

كم أنبني ضميري، لأني أتركهم لوحدهم.

تتساقط القذائف عليهم.

هل شعروا بالخوف كما شعرنا نحن؟

بعد عودة سيطرة الدولة على المقابر، وفي أولى زياراتي لهذه القبور، عادت نفس الأسماء على نفس القبور تتراقص في ذاكرتي.

لم أترك آبائي، ولكن هل سيزورني في المستقبل أبنائي؟

رحل أولادهم، وهاجروا.

من سيزورهم؟

من سيتذكرهم؟

من سيحمل الورود ليضعها على قبورهم؟

من سيقف كطفل صغير أمام والديه؟

كيف طاوعنا ضميرنا أن نتركهم؟

اقرأ أيضا: من الأردن، بشار حداد يكتب: نحن أيضا اكتشفنا المؤامرة… مع السلامة

عندما أقف أمام قبور والدي ووالدتي وخالتي، أعود إلى أيام طفولتي، فأتخيلهم وأنا طفل أمامهم.

أتخيل أمي عندما تأخذني معها إلى الزيارات.

عندما كنت يافعا، كنت أزور المقابر وأقرأ أسماء الموتى وأربطهم بذاكرتي مع الأحياء، فأعرف أن خالة وعمة فلان، أو والد ووالدة وأقرباء فلان، مدفونون هنا.

أتخيل والدي وأخي وأنا، نتنزه على كورنيش اللاذقية، ونأكل الكعك أو نشرب “الكازوز” في مقاهي الكورنيش.

أتخيل خالتي تدرسني اللغة الفرنسية، وأتذكر قولها “أريدك ان تقرأ ككرج المي وليس تكسير الحطب”.

لم أترك آبائي، ولكن هل سيزورني في المستقبل أبنائي؟

أيها الموتى،

أيها الآباء والأجداد، الذين تركهم الأبناء.

أنا وغيري من الذين بقوا، سنكون أبناء لكم.

سورية بالكامل هي ابنة لكم ونحن أبناء لها.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *