على هامش قضية “آيا صوفيا”: مساجد تتحول إلى كنائس… وكنائس تتحول إلى مساجد. حكايات من التاريخ! - Marayana - مرايانا
×
×

على هامش قضية “آيا صوفيا”: مساجد تتحول إلى كنائس… وكنائس تتحول إلى مساجد. حكايات من التاريخ!

كانت تلك لغةً يُفهِم بها المنتصر في الحرب، ندّه المنهزم، غلبته على الفضاء. بمعنى أنه حوّل معابده، وفي الغالب أكبرها؛ تلك التي يباهي بها، إلى دين آخر؛ دين المنتصر.

كانت أماكن العبادة في البداية تحظى بالحرمة لدى المُنتصر…

حين دخل الخليفة عمر بن الخطاب القدس، عام 638م، ليتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس، أوّل ما قام به، أنه أمن أهل إيلياء[1] على كنائسهم.

نقرأ في “العهدة العمرية”، التي تعد واحدة من أهم وثائق تاريخ المدينة:

“… أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم… أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم…”.

المساجد والكنائس في تاريخ الشعوب المسلمة والمسيحية ليست مجرد معابد… إنها أكثر من ذلك، ذاكرةٌ تحفظ الهوية الجمعية.

لكنّ الحروب الدينية بعد ذلك، استتبعت واقعا آخر!

واقعٌ تمثّل في الطمس الهوياتي لهذه المعابد؛ كأن تُحوّل المساجد إلى كنائس وتُحوّل هذه إلى مساجد.

المساجد والكنائس في تاريخ الشعوب المسلمة والمسيحية ليست مجرد معابد… إنها أكثر من ذلك، ذاكرةٌ تحفظ الهوية الجمعية.

اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… كما رسمته المصادر الإسلامية السنية 1/5

كانت تلك لغةً يُفهِم بها المنتصر في الحرب، ندّه المنهزم، غلبته على الفضاء. بمعنى أنه حوّل معابده، وفي الغالب أكبرها؛ تلك التي يباهي بها، إلى دين آخر؛ دين المنتصر.

تحويل آيا صوفيا إلى جامع طالته انتقادات عديدة، دينية وسياسية. فتركيا، يرى البعض، لا تعوزها المساجد، ومن ثم، فالذي حدث أشبه بالعودة إلى القروسطية.

تقول الباحثة التركية في الأنثربولوجيا، توغبا تانييري اردمير[2]، إنه “كان من الشائع تحويل الكنيسة المركزية إلى مسجد عند الغزو للظفر بالفضاء الديني للمكان (…) كفعل رمزي مهم”.

ذات الشيء نجده لدى المسيحيين. نقرأ لدى الباحث الألماني في التاريخ الثقافي، جاستن كروسن[3]، أن “الاستيلاء على أكثر الأبنية الدينية رمزية، والاحتفال بالقداس الأول داخله، كان أشبه بإعلان التفوق المسيحي”.

اقرأ أيضا: لننس “الدين الصحيح” ولنتحدث عن “حرية الاعتقاد”

الأمثلة في صدد الحديث عن هذه الممارسة صعبٌ إحصاؤها… سنعود إلى التاريخ لاحقا. لكن البداية مع واقعة ليست قديمة، بعدما قامت تركيا حديثا بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد.

آيا صوفيا

تعني “آيا صوفيا” باللغة اليونانية الحكمةَ الإلهية. بُنيت هذه الكاتدرائية، عام 532م، بأمر من الإمبراطور البيزنطي، جستنيان الأول.

جرى بناؤها لتكون سابقة معمارية، وظلت الأضخم في العالم إلى غاية بناء كاتدرائية إشبيلية عام 1520م.

آيا صوفيا

ثم بعد سقوط القسطنطينية (إسطنبول) في أيدي العثمانيين، عام 1453م، حوّلها السلطان محمد الثاني (المعروف بـ”محمد الفاتح”) إلى مسجد لتحمل بعد ذلك اسم الجامع الكبير.

حين جاء مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، منَعَ إقامة الشعائر الدينية في هذا الجامع، محولا إياه إلى متحف كـ”هدية للإنسانية”.

اقرأ أيضا: “حُروب الرّدة”: حين كشف أبو بكر عن وجهه الآخر! 2/1

صار متحف آيا صوفيا، بمرور السنين، واحدا من أهم الوجهات السياحية في المدينة؛ مُدرَجا في لائحة التراث العالمي لمنظمة “اليونسكو”.

حين دخل الخليفة عمر بن الخطاب القدس، عام 638م، ليتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس، أوّل ما قام به، أنه أمن أهل إيلياء على كنائسهم.

لكن تركيا، عام 2020، وبعد سنوات من الدعوات الإسلاموية بإعادته إلى جامع، ألغت المرسوم الذي أُصدر في عهد أتاتورك.

وقّع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على تحويله إلى جامع واعتبر أن بلاده مارست حقا سياديا.

غير أن ذلك طالته انتقادات عديدة، دينية وسياسية. فتركيا، يرى البعض، لا تعوزها المساجد، ومن ثم، فالذي حدث أشبه بالعودة إلى القروسطية.

اقرأ أيضا: جلال الدين الرومي… سلطان العارفين ودليل العاشقين

مع هذه التحويل، قام الإعلام التركي باستقصاء ممارسات مشابهة من الطرف الآخر، فوجد أن 18 بلدا قام بتحويل 329 مَعلما تركيا من العهد العثماني إلى كنائس، بعدما كانت جوامع، مساجد أو أضرحة.

مسجد عمرو بن العاص

مسجد عمرو بن العاص

ثاني المساجد التي أقامها المسلمون في مصر. لما استولى ملك بيت المقدس، جان دي بريين، على مدينة دمياط، حيث يقع، حوّله إلى كنيسة، وظل كذلك حتى خروج الصليبيين عام 1221م.

ثم حين عادت جيوش لويس التاسع، عام 1249م، ليحتلوا المدينة، حولوه ثانية إلى كاتدرائية إلى غاية 1801م؛ العام الذي خرج فيه الفرنسيون من مصر، فعاد مرة أخرى ليكون مسجدا.

اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1

مسجد قصر الحمراء

كنيسة سانتا ماريا

كان واحدا من أفخم المساجد في غرناطة. أمر بتشييده الملك أبو عبد الله محمد الأول بن الأحمر في القرن العاشر الميلادي واستمر بناؤه لأكثر من 150 عاما. ولما سقطت الأندلس، حوّله الإسبان إلى كنيسة تُدعى “سانتا ماريا”.

مسجد قرطبة الكبير

كاتدرائية قرطبة

بدأ تشييده عام 754م، وانتهى عام 987م. تقول بعض الروايات إن موقع بناء المسجد كان لكنيسة تحمل اسم “القديس فنسنت”، قبل أن يأمر عبد الرحمن الداخل بتشييد هذا المسجد على أنقاضها.

اقرأ أيضا: التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10

بعد عودة قرطبة إلى الحكم المسيحي، حوّلها الإسبان إلى كاتدرائية تحمل اسم “سيدة الانتقال”. تتصدر هذه المَعلَمة ما وصفه أحد المواقع السياحية المحلية، بـ”قائمة كنوز إسبانيا الإثنا عشر”.

جامع إشبيلية الكبير

كاتدرائية إشبيلية

تعد كاتدرائية إشبيلية أكبر بناء ديني قوطي في القرون الوسطى. لكنها كانت في البداية جامعا، أسسه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف، في القرن الثاني عشر الميلادي.

لما سقطت إشبيلية على يد ملك قشتالة، فرناندو الثاني، كان أن أمر بتحويله إلى كاتدرائية: “لاخيرالدا دي سيفييا”.

مسجد كشتاوة

مسجد كشتاوة

أحد أشهر مساجد الجزائر العاصمة. جرى تشييده في العهد العثماني، عام 1794م بالتحديد.

ثم أثناء الاحتلال الفرنسي، هدمه الدوق دو روفيغو، وبنى على أنقاضه كنيسة قائلا: “أريد أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبد إله المسيحيين”.

اقرأ أيضا: النبوة والمسألة السياسية… حين وجد العرب في ادعاء النبوة سبيلا لسياسة الناس! 3/1

بعد استقلال الجزائر، عام 1962م، قامت بتحويل هذه الكنيسة هي الأخرى إلى مسجد.

الجامع الأموي

الجامع الأموي

يعود تاريخ هذا المسجد السوري إلى 1200 سنة قبل الميلاد. تعاقبت عليه ديانات عدة قبل أن يتحول إلى كنيسة مع انتشار المسيحية، ثم استقر به الحال جامعا بعدما أصبحت دمشق عاصمة للأمويين.


[1]  الذين كانوا يسكنون القدس.
[2]  عن ورقة للباحثة بعنوان: “بقايا النهار – كنائس الأناضول المتحولة”، منشور بموقع بي بي سي عربي.
[3]  عن بحثه: “من مساجد إلى كاتدرائيات: تحويل الأماكن المقدسة خلال حروب الاستعادة”. المصدر نفسه.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *