السلفية في المغرب… إسلام سياسي بين المهادنة والعنف 4/3
كيف تتمثل التيارات السلفية في المغرب العمل السياسي؟ ذاك ما نتابعه في الجزء الثالث من هذا الملف عن السلفية في المغرب.
بعدما تابعنا في الجزء الأول لمحة عامة عن السلفية، وفي الجزء الثاني، لمحة عن تطورها التاريخي في المغرب، نواصل الملف في هذا الجزء الثالث، مع تمثلات التيارات السلفية في المغرب للعمل السياسي.
يرغب السلفيون في تأسيس نظام سياسي عماده “خليفة” يمارس سلطة سياسية ودينية تقوم على ما يعتبرونه أحكام الشريعة الإسلامية. وربما يذهبون أبعد من ذلك، إذ يحلمون إذا أسسوا دولة الخلافة الإسلامية بتوسعيها بحيث تشمل “الأمة” كلها.
اقرأ أيضا: “نصوص متوحشة”… عن خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/1
فكرة كهذه تستند إلى سلطة الإله وجمع السلطات وتركيزها، والتمسك بحقيقة واحدة، وتفضيل المسلمين عن غيرهم، يجعل منها في مفهومها المتشدد، أرضية خصبة لبروز التنظيمات الإرهابية.
محمد عابد الجابري: إذا كانت السلفية النهضوية نقلة نوعية قياسا إلى الوهابية، فإن السلفية الجهادية نقلة نوعية مغايرة تماما، ترتبط بالوهابية من ناحية النكوص وتتجاوزها من حيث الوسائل.
وإذا كان مفهوم كـ”الجهاد”، يفهم به أساسا الكفاح الشخصي ضد القصور الأخلاقي، فإن قراءة السلفيين له تتصلب في النطاق العسكري… هكذا، فكل ما هو غير إسلامي، ينبغي مقاومته… بالسلاح أساسا.
قد لا يكون هذا باتجاه الغرب فقط، إنما أيضا ضد الدول والمجتمعات الإسلامية نفسها، المتهمة بالردة من قبل السلفيين، الجهاديين منهم بشكل خاص.
التيار الجهادي كأحد وجوه السلفية بالمغرب، يمتلك توجها راديكاليا ذو رؤية صارمة للنص الديني، قوامها استخدام العنف، سواء المادي أو الرمزي.
اقرأ أيضا: الإخوان المسلمون: السّلفيّة من الفكرة إلى الدّعوة فالجهاد
بحسب المفكر محمد عابد الجابري[1]، إذا كانت السلفية النهضوية نقلة نوعية قياسا إلى الوهابية، فإن السلفية الجهادية نقلة نوعية مغايرة تماما، ترتبط بالوهابية من ناحية النكوص وتتجاوزها من حيث الوسائل.
لكن أحد أوجه التعقيد في قراءة الحالة السلفية بالمغرب، ما يمكن اعتباره انبثاقا لسلفية “حركية” من السلفية “الجهادية”.
بعض السجناء على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية، أبدوا مراجعات فكرية مناقضة تماما لما كانوا عليه، تجلت أساسا في وثيقتين صدرتا عام 2007 عن المعتقل السابق على ذمة نفس الأحداث، محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ “أبو حفص“.
اقرأ أيضا: هكذا تستقطب التنظيمات المتطرفة الانتحاريين عبر الشبكة العنكبوتية
هذا الاتجاه الحركي وفق الباحث في العلوم السياسية، سمير الحمادي[2]، بات مندمجا داخل المجال السياسي، على أساس المزاوجة الواقعية بين العقائد السلفية ومعايير العمل السياسي، وأكثر من ذلك، يدعو إلى الانفتاح والالتزام بقيم الديمقراطية في ضوء ثوابت النظام المغربي.
السلفية التقليدية تنأى بنفسها عن العمل السياسي بالمنطق الصراعي، إذ تركز على الجانب الدعوي الذي يهدف إلى ترشيد المجتمع دينيا وفق رؤية أصولية، بيد أنها ما فتئت تتفاعل مع الشأن السياسي على أساس موقفها من النظام السياسي، القائم على الولاء المطلق.
بجانب ذلك، وكما عرفنا في الجزء الثاني، إحدى نقط تحول السلفية في المغرب، كانت مع محمد تقي الدين الهلالي، الذي يعتبره البعض مؤسس المدرسة الوهابية في المغرب، قبل أن يخلفه لاحقا تلميذه محمد بن عبد الرحمن المغراوي.
الحديث هنا عن السلفية التقليدية، أو الوهابية، التي تزعم اقتصار اشتغالها على العمل الوعظي والدعوي، بيد أن ملمح السياسة في خطاب المغراوي، كممثل رئيس لهذا الاتجاه في المغرب، بدا واضحا في السنوات الأخيرة كدعوته إلى التصويت بـ”نعم” على دستور 2011، مثلا.
ناهيك عن أن ضبابية التمايز بين الديني والسياسي في المغرب، رمى به في جدالات لاذعة مع فعاليات أخرى، بخاصة بعد أن أفتى بجواز تزويج الطفلات في عمر التاسعة، عام 2008، وكان قد فر إثر ذلك إلى الخليج.
اقرأ أيضا: الفكر “الداعشي” الذي يسكننا
ضبابية تمتد إلى علاقته بالدولة أساسا، التي تسمح له بممارسة أنشطته أحيانا، فيما تضيق الخناق عليه أحيانا أخرى، كما فعلت عام 2013 بإغلاق مقر جمعيته وأربعة دور للقرآن تابعة لها بمراكش دون مقدمات، بدعوى عدم استيفائها لشروط التعليم العتيق.
حزب العدالة والتنمية، قائد التحالف الحكومي آنذاك، تضامن مع المغراوي وتفاجأت قياداته من القرار، كمصطفى الرميد، الذي كان وزيرا للعدل حينها، والذي زار المغراوي وقال إنه “يرفض قطعا القرار لما فيه من تضييق على الناس بغير وجه حق ومس بحرياتهم بغير سبب معقول”.
يمكن، على المستوى السياسي، أن نلمس في السلفية التقليدية رؤية انسحابية مع تسيس جزئي مهادن، وفي السلفية الجهادية رؤية انسحابية مع تسيس كامل عنفي، بينما يمكن اعتبار السلفية الحركية، محاولة لاختراع نموذج سلفي واقعي و”معتدل”.
لكن، كما بدا حينذاك، فإن الجهة التي أصدرت القرار أكبر من الحكومة ومن سلطات وزرائها!
من خلال هذا التضامن، وربما دونه، يسهل تفسير حصول حزب العدالة والتنمية على غالبية المقاعد البرلمانية في مراكش في تشريعيات 2011، بعدما كانت متمنعة عليه… وهذا في رمته، عمل سياسي!
قد يظهر إذن أن السلفية التقليدية تنأى بنفسها عن العمل السياسي بالمنطق الصراعي، إذ تركز على الجانب الدعوي الذي يهدف إلى ترشيد المجتمع دينيا وفق رؤية أصولية، بيد أنها ما فتئت تتفاعل مع الشأن السياسي على أساس موقفها من النظام السياسي، القائم على الولاء المطلق.
الباحث في العلوم السياسية، سمير الحمادي، يرى أنه لا مشكلة بين هذه السلفية والنظام، طالما لا تتصادم رؤيتها مع ثوابت السياسة الدينية المغربية، بل إنها تعتبر ورقة رابحة في يده.
اقرأ أيضا: الأمن الروحي… مفهوم “مستحدث” لمواجهة التطرف أم حجر على حرية التعبير؟ 2/1
ورقة رابحة أولا لأنها تتوافق مع المقاربة الرسمية للشأن الديني، وثانيا، لأن السلفية التقليدية لها قابلية عالية للاستخدام السلطوي، بخاصة في مواجهة الفاعلين الدينيين المناوئين لسياسات الدولة، الذين يطالبون بالتغيير من خارج النظام.
هكذا إذن، وفق الباحث ذاته، يمكن على المستوى السياسي، أن نلمس في السلفية التقليدية رؤية انسحابية مع تسيس جزئي مهادن، وفي السلفية الجهادية رؤية انسحابية مع تسيس كامل عنفي، بينما يمكن اعتبار السلفية الحركية، محاولة لاختراع نموذج سلفي واقعي و”معتدل”.
في الجزء الرابع: العلاقة مع الدولة ولعبة “القط والفأر”.
لقراءة الجزء الأول: السلفية في المغرب… أصل الحكاية: ماذا يُقصد بـ”السلفية”؟ 4/1
لقراءة الجزء الثاني: هكذا تطورت السلفية تاريخيا في المغرب… 4/2
لقراءة الجزء الرابع: السلفية في المغرب… العلاقة مع الدولة و”لعبة القط والفأر” 4/4