عمر بن أعمارة يكتب: لا تاريخانية الخطاب الديني … الوهم والمغالطة - Marayana - مرايانا
×
×

عمر بن أعمارة يكتب: لا تاريخانية الخطاب الديني … الوهم والمغالطة

بعد الإخفاق الحضاري الشامل والعجز على فهم الحاضر والانتماء إليه والمساهمة فيه واستشراف المستقبل، هاجر الفكر الأصولي إلى الماضي -مادام المستقبل مستحيلا-وهناك بنى قصورا من الأوهام والأحلام الوردية التي سرعان ما تريب وتنهار وتتحول إلى مجرد أنقاض وكوابيس.
لا أدري إن كان أصحاب هذا الخطاب قد تساءلوا يوما ما… ولو لمرة واحدة، عن الأسباب التي جعلت هذا الإسلام الصحيح الصافي الخالص واللاتاريخي ينسحب من واقع الأمة الإسلامية وأين راح ؟

ــ “وَلَا يُصْلِحُ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصْلَحَ أَوَّلَهَا” قول نسب إلى الإمام مالك.
ــ “لعلنا نستطيع أن نجيب على السؤال: ما الذي جرى إذن لماذا كان الصعود ولماذا كان السقوط ؟ باختصار شديدين: كان بيدنا سلاح، استخدمناه مرة للانتصار، ثم ألقيناه فمضينا على طريق الهزيمة والاندثار… وعندما يطلق سراح القرآن، سوف يطلق سراح هذه الأمة”. الدكتور فهمي هويدي كتاب القرآن والسنة ص 18-19 الطبعة الرابعة.
ــ “إن اتجاهات “الفلسفة” بجملتها، واتجاهات «تفسير التاريخ الإنساني” بجملتها، واتجاهات «علم النفس” بجملتها- عدا الملاحظات والمشاهدات دون التفسيرات العامة لها- ومباحث “الأخلاق” بجملتها، واتجاهات دراسة “الأديان المقارنة” بجملتها، واتجاهات “التفسيرات والمذاهب الاجتماعية” بجملتها- فيما عدا المشاهدات والإحصائيات والمعلومات المباشرة، لا النتائج العامة المستخلصة منها ولا التوجيهات الكلية الناشئة عنها-..إن هذه الاتجاهات كلها في الفكر الجاهلي –أي غير الإسلامي- قديما وحديثا، متأثرة تأثرا مباشرا بتصورات إعتقادية جاهلية، وقائمة على هذه التصورات، ومعظمها-إن لم يكن كلها- يتضمن في أصوله المنهجية عداء ظاهرا أو خفيا للتصور الديني جملة، وللتصور الإسلامي على وجه خاص !…إن حكاية أن “الثقافة تراث إنساني” لا وطن له ولا جنس ولا دين… هي حكاية صحيحة عندما تتعلق بالعلوم البحتة وتطبيقاتها العلمية- دون أن تتجاوز هذه المنطقة إلى التفسيرات الفلسفية “الميتافيزيقية” لنتائج هذه العلوم، ولا إلى التفسيرات الفلسفية لنفس الإنسان ونشاطه وتاريخه، ولا إلى الفن والأدب والتعبيرات الشعورية جميعا- ولكنها فيما وراء ذلك إحدى مصايد اليهود العالمية، التي يهمها تمييع الحواجز كلها… ولكن الإسلام يعتبر أن هناك – فيما وراء العلوم البحتة وتطبيقاتها العلمية – نوعين اثنين من الثقافة: الثقافة الإسلامية القائمة على قواعد التصور الإسلامي، والثقافة الجاهلية القائمة على مناهج شتى ترجع كلها إلى قاعدة واحدة… قاعدة إقامة الفكر البشري إلها لا يرجع إلى الله في ميزانه… والثقافة الإسلامية شاملة لكل حقول النشاط الفكري والواقعي الإنساني، وفيها من القواعد والمناهج والخصائص ما يكفل نمو هذا النشاط وحيويته دائما…ويكفي أن نعلم أن الاتجاه التجريبي، الذي قامت عليه الحضارة الصناعية الأوربية الحاضرة، لم ينشأ ابتداء من أوربا، وإنما نشأ في الجامعات الإسلامية في الأندلس والمشرق، مستمدا أصوله من التصور الإسلامي وتوجيهاته، إلى الكون وطبيعته الواقعية، ومدخراته وأقواته .. ثم استقلت النهضة العلمية في أوربا بهذا المنهج، واستمرت تنميته وترقيته، بينما ركد وترك نهائيا في العالم الإسلامي بسبب بعد هذا العالم تدريجيا عن الإسلام”. سيّد قطب، كتاب “معالم في الطريق” الصفحة 127-128-129-130.

عمر بن أعمارة

 
لقد اخترنا وركزنا على هذا النص المطول لسيّد قطب، نظرا لما لهذا المفكر الإسلامي المعاصر من أهمية ومركزية لدى الحركات الأصولية والفكر الديني الحديث، ونظرا لما يختزله هذا النص من النقط التي سنكشف عنها في مقالنا هذا.
في الحقيقة، إن النصوص التي نقلناها أعلاه كافية لتعطي للقارئ نظرة متكاملة عما سنتحدث عنه أسفله. لكن لا بأس من بعض التفاصيل والخلاصات العامة المقتضبة.
إن أي متفحص للفكر والخطاب الديني المعاصر – في مجمله – لن يحتاج إلى عيون أو ملاحظات ثاقبة، كي يرصد مغالطات عدة وأيضا الكثير من الأوهام التي اشتغل وبنى عليها وروج لها هذا الخطاب ومازال. في هذا المقال المختصر سنشير إلى بعض هذه المغالطات والأوهام التي في تقديرنا نعتقد أنها هي الأساسية والجوهرية التي قام ويقوم عليها كل الخطاب الأصولي، وإن كان من الصعب أن نفصل هنا بشكل دقيق وقطعي بين ما هو مغالطات وما هو أوهام، نظرا للتداخل الحاصل بينهما، فقد تكون الفكرة أساسها مغالطة وتؤدي إلى الوهم، أو هي وهم ينتج مغالطة أو قد تكون في نفس الوقت مغالطة ووهم.
هذا الخطاب ينتمي إلى فكر ذرائعي هجين، من خصائصه: التعميم، الجزم، السطحية، الغموض والخلط بين الأسباب والنتائج، التلفيق والاختزال وإصدار خلاصات سريعة وقطعية يطبعها اليقين والوثوقية والمطلق. ورغم ذلك نجح إلى حد ما في تثبيت مغالطات وأوهام عديدة، في عقول الشعوب الإسلامية وذلك عبر التدليس والتكتم والتشويه والتحريف، هكذا راح يروج لفكره عبر جميع الوسائل منها التقليدية والحديثة مستغلا الجهل المعمم والعاطفة الدينية مع أموال جوف الأرض.

ازدراء الغرب وقيمه، أنتج رأي الفصل التعسفي بين ما أنتجه الغرب، مما هو مادي وما هو فكري، أي إباحة استيراد كل ما هو مادي وتقني من الغرب الكافر، وتحريم أو صد الأبواب على كل ما هو فكر وثقافة. فالله سبحانه سخر الغرب الكافر لخدمة الأمة الإسلامية كما سخر لها البهائم!.

من المغالطات التي بنى عليها: اعتبار كتاب القرآن هو المرجع الأعلى والوحيد لكل الإنسانية، فهو كتاب كامل وشامل لكل الشؤون الدينية والدنيوية ولجميع المعارف والعلوم البشرية ويحتوي على جميع الحلول ويحمل إجابات لكل الأسئلة والإشكالات التي تطرحها المجتمعات الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل. كذلك اعتبار مرحلة التأسيس الأولى أي الفترة النبوية وفترة الخلفاء الراشدين، مرحلة مثالية متعالية مع إضفاء صبغة القداسة عليها. هكذا يعمل جاهدا ليقدم ماضي الأمة الإسلامية على أنه ماض ملائكي لا تشوبه شائبة، لا صراعات ولا مصالح، كما لو أنه ليس بماض إنساني بما له وما عليه أي بإيجابياته وسلبياته وبنجاحاته وإخفاقاته.

إقرأ أيضا: التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!

 إذن مع وضع الأزمة والإخفاق الحضاري الشامل، فالعودة إلى العهد المجيد، أي مرحلة النبوة والخلفاء الراشدين، مع العمل بنظام الخلافة على منهاج النبوة، هو الحل السحري والإجابة الشافية على وضع الاستبداد والتخلف الذي تعيشه الأمة الإسلامية في حاضرنا. مادام أصل كل هذه الأزمات التي تتخبط فيها الشعوب الإسلامية بل الإنسانية جمعاء هو الابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله. هكذا يتم رفع شعار: إقامة دولة إسلامية واجب ديني شرعي.
هذا المنطق متولد من اعتبار الإسلام هو الحل، فهو أرقى وأسمى الديانات مع ما يليه من الشعور بالتفوق الديني على شعوب المعمورة، وبالتالي فالعودة إلى الإسلام الحقيقي الصحيح والاحتكام إلى الشريعة هو الحل الوحيد والنهائي لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية التي تتخبط فيها الأمة الإسلامية بل شعوب العالم بأسره.
هكذا يعمل هذا الخطاب جاهدا على تغييب البعد التاريخي وإقصائه في استحضار الماضي الممجد والعصر الذهبي، مع إشاعة وهم التطابق بين هذا الماضي وإشكالاته، وبين الحاضر والمستقبل وإشكالاته، وهذا ما يؤدي حتما إلى الاعتقاد بأن ما كان صالحا لحل مشاكل الماضي هو نفسه مازال صالحا لإيجاد حلول لمشاكل العصر، إذن النتيجة هي اللجوء إلى نصوص التراث وارتداء جلباب الأجداد. فلا قيمة لأي رأي أو حكم أو قانون ما لم يكن مستندا إلى المفاهيم الإسلامية الأصيلة وإلى النصوص والقواعد الشرعية وصادرا من هيئة علماء وفقهاء الأمة، فهي الجهة الوحيدة المختصة.
ولكي يتم تثبيت هذا الخطاب دون مساءلة، يلتجأ أصحابه إلى رفع مقام بعض الأئمة والفقهاء إلى مصاف الأنبياء، “لَّا يَأْتِيهِم الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ أَيْديهِم وَلَا مِنْ خَلْفِهِم”، مما يجعلهم منزهين من الأخطاء، وبالتالي خارج أي انتقادات، ويتم تحويل النصوص التراثية إلى نصوص مقدسة لا يطالها النقد أو المساءلة، بل تصبح غير خاضعة حتى للنقاش كما لو أنها مسلمات، رغم ما يقال من أن قول السلف يِؤخذ منه ويرد.
إذن مادام العلماء ورثة الأنبياء، هكذا يصبح علماء الدين والفقهاء هم وحدهم الذين يمتلكون المفاتيح والفهم الصحيح للإسلام وبالتالي هم الجهة الوحيدة المخول لها تفسيره وشرحه للناس حتى لا تقع انحرافات في الفهم، وهذا ما يحتم على الناس الاستسقاء والارتواء من نبع هؤلاء الفقهاء الأجلاء. وبذلك تفتح كل الأبواب في وجههم لتقديم الفهم “الصحيح” والنظرة الذاتية للنصوص المؤسسة (القرآن والسنة) على أساس أنها هي نفسها القصد الإلهي الحاضر في مضمون هذه النصوص بمعنى “امتلاك وتمثيل الحقيقة والكلام باسمها”.

هذا الخطاب ينتمي إلى فكر ذرائعي هجين، من خصائصه: التعميم، الجزم، السطحية، الغموض والخلط بين الأسباب والنتائج، التلفيق والاختزال وإصدار خلاصات سريعة وقطعية يطبعها اليقين والوثوقية والمطلق. ورغم ذلك نجح إلى حد ما في تثبيت مغالطات وأوهام عديدة، في عقول الشعوب الإسلامية وذلك عبر التدليس والتكتم والتشويه والتحريف، هكذا راح يروج لفكره عبر جميع الوسائل منها التقليدية والحديثة مستغلا الجهل المعمم والعاطفة الدينية مع أموال جوف الأرض.

مما يفسح لهم المجال لحشر أنوفهم في الشاذة والفاذة: من نواقض الوضوء إلى دوران الأرض، وغدا لا غرابة إن تحدثوا عن الحياة في المريخ أو الثقوب السوداء. وللتعامل مع النصوص والأحدث والوقائع والشخصيات التاريخية كما لو أنها خارج الزمان والمكان. وكذلك تغييب التيارات والفرق والمذاهب المتعددة والمختلفة التي شهدها تاريخ الإسلام والمسلمين لاعتبارات سياسية، اجتماعية واقتصادية وحشرها في الزندقة والكفر… مع الإصرار على تمثيل وتقديم الإسلام الصحيح الوحيد والتاريخ المثالي والتعصب لمذهب واحد واعتباره الحقيقة الوحيدة وغيره مجرد بدع وتهافتات وهرطقات. (الفرقة الناجية أو الفرقة المنصورة بالله).
وفي نظرتهم إلى العالم، قسموه إلى دار سلام (الإسلام) ودار حرب (كل ما هو ليس من الإسلام)، أو إلى حزبين: حزب الله وحزب الشيطان، والغرب هو الشيطان وهو المسؤول على تخلفنا وكل مشاكلنا، لذا وجب محاربته بجميع الوسائل.

إقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: من يمثل الإسلام؟

هكذا يتم اختزال فكر الحداثة في الكفر ومناهضة الدين، اختزال فكر الأنوار في تأليه العقل، اختزال الماركسية في الإلحاد، اختزال الداروينية في الأصل الحيواني للإنسان، اختزال الفرويدية في الجانب الجنسي، كذلك معاداة العلمانية وتحويلها إلى العدو اللدود والأول للإسلام والمسلمين مع العمل بجميع الطرق من أجل تشويهها وتحريف مضامينها واختزالها في معاداة الدين. وتوجيه أصابع الاتهام إلى المجتمعات الغربية كلها لكونها تعيش في جاهلية وفي ضلال وتفسخ أخلاقي وانحلال قيمي وفساد اجتماعي.
هذه النظرة، أي ازدراء الغرب وقيمه، أنتج رأي الفصل التعسفي بين ما أنتجه الغرب، مما هو مادي وما هو فكري، أي إباحة استيراد كل ما هو مادي وتقني من الغرب الكافر، وتحريم أو صد الأبواب على كل ما هو فكر وثقافة. فالله سبحانه سخر الغرب الكافر لخدمة الأمة الإسلامية كما سخر لها البهائم!. وكذلك فكرة العيش على وهم امتلاك المنجزات المادية للحداثة الغربية مع الاحتفاظ بالهوية التاريخية والدينية للأمة الإسلامية نقية وصافية بعيدا عن أي تأثيرات أو تغيرات، في إطار وهم حماية الدين والعقائد والمقدسات وثوابت الأمة والملة.
مع منطق معاداة الغرب والحفاظ على هوية الأمة خالصة بعيدا عن أي تأثيرات، وكذلك احتكار سلطة الفهم والتفسير، يتم رفض مناولة وإخضاع النصوص الدينية للمناهج الحديثة (التاريخية، الألسنية، السيميوطيقيا، السيميولوجيا، التحليل النفسي،الأنثربولوجيا و التفكيكية…) مع الإصرار على التعامل مع هذه النصوص من داخل المنظومة الدينية الكلاسيكية التي لم تعد تستجب لمتطلبات العصر. هكذا تولد وهم أسلمة المعارف وإيجاد “هوية دينية للعلوم والمعارف”* مع احتقار العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة والتنكر لمكانتها ومعاييرها الكونية واعتبارها من الجاهلية ومن التضليل… بل حتى من المؤامرات الماسونية والصهيونية العالمية على الأمة الإسلامية.

…هكذا يتم اختزال فكر الحداثة في الكفر ومناهضة الدين، اختزال فكر الأنوار في تأليه العقل، اختزال الماركسية في الإلحاد، اختزال الداروينية في الأصل الحيواني للإنسان، اختزال الفرويدية في الجانب الجنسي، كذلك معاداة العلمانية وتحويلها إلى العدو اللدود والأول للإسلام والمسلمين مع العمل بجميع الطرق من أجل تشويهها وتحريف مضامينها واختزالها في معاداة الدين.

هناك مفاهيم ومصطلحات عديدة تزعج وترعب الفكر الديني ك: الليبرالية، العقلانية، الديمقراطية، الفلسفة، المادية، العلمانية، الحداثة، الفردانية، الاختلاف، التفكيك، النسبية… ويقوم بجميع الطرق من أجل التشويش عليها، تارة بالتحريض ضدها واعتبارها غربية ودخيلة ووافدة غريبة على حضارتنا وثقافتنا وعاداتنا، وتارة بإدخال اللبس والغموض عليها، وإن اقتضى الأمر التحريف والتشويه واعتبارها مفاهيم تحمل قيما ضد الدين، وأساسا الإسلام، وتؤدي حتما إلى الكفر والإلحاد والخروج عن الملة.
لا يحضر أمثال ابن رشد وابن خلدون وابن الراوندي والرازي وابن سينا وابن عربي وغيرهم في خطاب الفكر الديني، إلا كزنادقة وكأشخاص مغضوب عليهم، وبالتالي هم خارج الملة، أو في لحظات المن عن النفس أو مواساتها مع العمل على تبخيس الحضارة الغربية واعتبارها أخذت ونقلت وبنت أمجادها ونجاحاتها على فكر هؤلاء المارقين.
في أقصى درجات “الانفتاح” يتم تقبل الديمقراطية لكن… بعد أن يعملوا على إفراغها من مضمونها ومحتواها، والتعامل معها كإجراءات وشكليات، وكتقنية انتخابات تؤدي إلى السلطة والهيمنة عبر الكم. هكذا يتم رفض الأسس الفلسفية التي تقوم عليها، أي مركزية الإنسان، الليبرالية والحرية الفردية والمبادرة الحرة وحرية الفكر والتعددية والاختلاف، حرية المعتقد والعلمانية.

إقرأ أيضا: علي اليوسفي العلوي يكتب: الإسلام: دين ودنيا، أم دين ودولة؟

إن الخطاب الديني المعاصر في ماهيته وجوهر هو خطاب مأزوم وليد أزمة ويكرسها، لأنه لا ينتمي إلى العصر، إذ لا يقوم باستدعاء الماضي وقراءته قراءة تاريخية علمية مبنية على النقد الموضوعي والنسبية، بل يدعونا إلى الانتماء إلى هذا الماضي والعيش فيه، هذا الماضي الذي يصوره لنا كما لو أنه ملائكي مثالي وخارج الزمان والمكان والمصالح والصراعات. هذا الخطاب يعمل جاهدا على تبخيس منجزات الآخرين إما عبر آلية التكفير والنعت بالجاهلية والضلال والانحلال الخلقي، أو اعتبار كل ما توصلوا إليه وبنوه، أخذوه ونقلوه عن الحضارة الإسلامية، كما يشتغل بمنطق السطو على ما أنتجه الغرب من العلوم والمعارف عبر ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة والبحث عن هوية إسلامية لهذه العلوم والمعارف.
بعد الإخفاق الحضاري الشامل والعجز على فهم الحاضر والانتماء إليه والمساهمة فيه واستشراف المستقبل، هاجر هذا الفكر الأصولي إلى الماضي -مادام المستقبل مستحيلا-وهناك بنى قصورا من الأوهام والأحلام الوردية التي سرعان ما تريب وتنهار وتتحول إلى مجرد أنقاض وكوابيس.
لا أدري إن كان أصحاب هذا الخطاب قد تساءلوا يوما ما… ولو لمرة واحدة، عن الأسباب التي جعلت هذا الإسلام الصحيح الصافي الخالص واللاتاريخي ينسحب من واقع الأمة الإسلامية وأين راح ؟

* عبارة استعرتها من المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *