محمد علي لعموري يكتب: تفاعلا مع موقف عمر بلافريج…الحريات الفردية بين الطابو والتسييس
إذا عرفنا أنه، لمجرد التجرؤ على طرح مثل هذه القضايا من طرف سياسي، هو خدش لسمعته داخل سياق مخاتل وغير مهيئ لتقبل هكذا دعوات مسكوت عنها فأننا …
سندرك أن الرجل قد غامر برصيده وبمصداقيته أمام ناخبيه من أجل قضية تعد من طرف البعض خاسرة، ومن طرف البعض الآخر ترفا… وليست من الأولويات !
فجر عمر بلافريج، النائب البرلماني عن حزب اليسار الاشتراكي الموحد (العضو في فيدرالية اليسار الديمقراطي)، قنبلة مدوية بخرجته الأخيرة التي كان لها وقع الصدمة عند البعض، ووقع الخيبة عند البعض الآخر.
في نفس الآن، تنفس المعنيون بالخرجة، صعداء الأمل في خروج أول رجل سياسة إلى العلنية، ليشهر أمام الجميع سيف الدفاع عن الحريات الفردية مطالبا بحذف الفصول التالية : 489 ، 490 ، 491 من القانون الجنائي المغربي، معللا ذلك بكون تلك القوانين، مجحفة وتأتي على حقوق الإنسان والحريات الفردية المنصوص عليها في الدستور.
الفصل 489 معروف أنه الفصل الذي يجرم المثلية الجنسية تحت طائلة الشذوذ الجنسي.
والفصل 490 يعاقب كل علاقة جنسية خارج إطار الزواج
والفصل 491 يعاقب به المشرع الخيانة الزوجية.
بداية… لا يسعني إلا أن أنوه وأدعم هذا النائب الذي وضع يده في عش الدبابير، وقبل على نفسه أن يكون محط انتقاد العديد ممن صدموا لموقفه المعلن عنه مؤخرا، بعد أن كانوا يكيلون له المديح لتجرئه على مناقشة قضايا أخرى سياسية، اجتماعية واقتصادية تهم المواطن المغربي، ولكن…
هل سيقف زملاء آخرون نفس الموقف المبدئي، ويكسرون جدار الصمت، ويلتحقون بالنائب بلافريج… أم أن هذا الأخير سيظل وحده صوتا نشازا داخل مشهد سياسي يسوده النفاق والخوف من الطابوهات الثقافية؟
حين دافع عن الحريات الفردية، وجد ممانعة من شريحة عريضة، من الذين يمكن أن نقول عنهم “المحافظين” الذين تخدش شعورهم العام والجمعي، مثل هذه القضايا الحساسة التي لها ارتباط بنظام ثقافي معين هو السائد، تحتل الذكورة أعلاه ثم تليها الأنوثة كتابع، وتحتل المثلية أسفل الترتيب من حيث الاعتبار – إن لم نقل بدون اعتبار -.
… حين نجنح لهكذا ترتيب، فإننا نود أن نجادله، لأن هذا الترتيب هو الإطار الذي تتحرك داخله ووفقه كل المسلكيات والأفعال البشرية لكلا الجنسين. خيانة المرأة أقسى بالنسبة للمخيال الجمعي الذكوري مثلا من خيانة الرجل؛ وبالتالي، فهي تنال عقابا مجتمعيا صارما، ناهيك عن القانون الذي يعاقبها.
إقرأ أيضا: جمال خليل: تطور الحريات الفردية رهين بتطور المصالح الشخصية للأفراد
من جهتها، فإن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تنتشر بشكل كبير، بعيدا عن الطمس السوسيولوجي الذي يمتح من نفاق سياسي وآخر اجتماعي، وتكون فيه المرأة المتضرر، في غياب تام لأي تحسيس بالتربية الجنسية ولأي اعتبار للتطور الحاصل في المجتمع، من حيث فهم التحولات والانفتاحات والعلاقات الجنسية المبكرة والعلاقات الرضائية التي لا تصل بالضرورة إلى التعاقد والزواج…
بالتالي، كان لا بد من فتح نقاش عمومي فيما يخص هذا الجانب، الذي يدخل في نطاق الحريات الفردية.
ثم إن المثلية الجنسية، المجرمة منذ عقود، بناء على فصل مدمج داخل المدونة الجنائية التي وضعها المشرع الفرنسي أيام الحماية، هو نفسه الفصل الذي يتم التعامل به وتفعيله لردع حرية الأفراد الذين لهم ميولات جنسية مثلية. رغم كل التحولات الدستورية التي طرأت على المشهد الحقوقي، فقد بقي الفصل 489 طابو يصعب مناقشته دون أن يتم اتهام صاحبه بـ “الشذوذ” !
التوقيت الذي أعلن فيه النائب بلافريج عن مواقفه المبدئية، تجاه هذه القوانين المجحفة في حق الحريات الفردية، يطرح بعض الأسئلة منها :
– هل الخروج المدوي للنائب المحترم له ارتباط بتفاعلات قضية هاجر الريسوني، وبالتالي كانت خرجته عبارة عن رسائل سياسية لجهة معينة ؟
– ما موقف أعضاء الحزب وفيدرالية اليسار الديمقراطي، التي ينتمي إليها النائب من هذا النقاش، الذي لم يسبق لأي حزب أو نائب آخر من الأحزاب المغربية أن طرحه للنقاش؟
– هل خرجة النائب عمر بلافريج، تمتح من قناعة شخصية ثابتة في الدفاع عن الحريات الفردية من منطلق نضالي، ينضاف إلى رصيده السياسي (وقد يضعفه داخل سياق محافظ ومخاتل ومنافق) ؟
ما مدى تجاوب باقي النواب البرلمانيين مع هذه الدعوة، من منطلق فتح نقاش برلماني، يذهب فيما بعد، نحو تغيير تلك القوانين التي تعرضت لسهام النقد منذ مدة من طرف فعاليات المجتمع المدني؟
– هل شجاعة عمر بلافريج، تنهل من هامش الحريات والانفتاح الذي يشهده السياق الوطني، بتفاعل مع السياق الدولي، وسحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين وإحراجهم داخل الحكومة وداخل البرلمان ؟
– وما مدى تجاوب باقي النواب البرلمانيين مع هذه الدعوة، من منطلق فتح نقاش برلماني، يذهب فيما بعد، نحو تغيير تلك القوانين التي تعرضت لسهام النقد منذ مدة من طرف فعاليات المجتمع المدني؟
إقرأ لنفس الكاتب: المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول)
لا نشكك في النوايا ولا نسائل السرائر، بل نثمن المبادرة أيا كانت دوافعها؛ فإذا عرفنا أنه، لمجرد التجرؤ على طرح مثل هذه القضايا من طرف سياسي، هو خدش لسمعته داخل سياق مخاتل وغير مهيئ لتقبل هكذا دعوات مسكوت عنها، فإننا سندرك أن الرجل قد غامر برصيده وبمصداقيته أمام ناخبيه من أجل قضية تعد من طرف البعض خاسرة، ومن طرف البعض الآخر ترفا… وليست من الأولويات !
أما من حيث الحسابات السياسية التي تتحرك وفقها معادلات السياسة، فإن المقامرة هنا كانت لصالح خصومه الذين سيدفعون باتجاه شيطنة عقيدة وقناعات النائب عمر بلافريج. قد نرى لموقفه الحقوقي الأخير بعض الصدى لدى فئة معينة، دافع عن حقها في العيش بسلام داخل المجتمع. هذه الفئة هي التي ستقف إلى جانبه لقناعتها أنه رجل المرحلة الذي سيدافع عن مصالحها داخل قبة البرلمان وصولا إلى إلغاء كل القوانين المتعارضة مع الحريات الفردية المكفولة بمقتضى الدستور.
فهل سيقف زملاء آخرون نفس الموقف المبدئي، ويكسرون جدار الصمت، ويلتحقون بالنائب بلافريج… أم أن هذا الأخير سيظل وحده صوتا نشازا داخل مشهد سياسي يسوده النفاق والخوف من الطابوهات الثقافية؟