من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: ناشطات، ولسن سبايا ولا فاسدات 1\2
في المملكة العربية السعودية، تتعرض الكثير من النساء الناشطات للتضييق والمتابعة والسجن… في ظل خطاب خارجي يتحدث عن الإصلاحات والتحديث!
تنعقد حالياً جلسات المحاكمة الأولى للناشطات السعوديات المحتجزات منذ مايو\أيار 2018، واللاتي تمت شيطنتهن في وسائل الإعلام، كما تم الحديث عن عمالتهن لسفارات ووسائل إعلام أجنبية ومنظمات دولية، في ظل عدم تمكن المدعى عليهن من الإطلاع على لائحة الاتهامات الموجهة بحقهن، أو الإستعانة بفريق دفاع لحضور جلسات المحاكمة معهن.
بشكل شخصي، أتابع قضية السيدات المحتجزات كجزء من متابعتي للحركات الحقوقية في دول المنطقة، ولكن أيضا لكون قضيتهن تلمسني بشكل شخصي، لأسباب فصلتها في مقالي السابق على مرايانا.
منذ فترة، قامت منظمة العفو الدولية بنشر إفادات عن أقارب المتهمات تفيد بتعرضهن للصعق بالكهرباء والجلد والضرب والتعرض للتحرش مع التهديد بالإغتصاب والقتل!
ترى، فيم كان يفكر المستشار السعودي البارز وهو يهدد لجين بالإغتصاب؟ وفيم كان يفكر المحققون وهم يقومون ” بلمس” السيدات أثناء التحقيق؟
شقيق وشقيقة الناشطة لجين الهذلول أفادا أن سعود القحطاني (المستشار السابق المقرب من ولي العهد السعودي وأحد المتهمين في جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي) كان يهدد بإغتصاب لجين وقتلها وتقطيع جسدها!
اقرأ لنفس الكاتبة: إنهن يقدن أخيراً… لكن، ماذا عن لجين، إيمان وعزيزة؟
بغض النظر عن تعاطفي الشخصي الشديد مع قضية السيدات السعوديات تحديداً، إلا أن الإدعاء الخاص بلجين قد لمس قلبي بشكل خاص.
تروج المملكة العربية السعودة لنفسها كمجتمع محافظ يحاول الإنفتاح على العالم، بما لا يخالف الأعراف والتقاليد. التهمة الموجة للجين بالأساس هي تهمة كسر حظر القيادة المفروض على النساء في المملكة؛ ولذلك، فلجين مدانة بمخالفة الأعراف الاجتماعية وكسر القانون.
هل يدخل التحرش بالمدعي عليهن أثناء التحقيقات ضمن حزمة الإصلاحات التي أقرها ولي العهد، وأصبحت أولى تطبيقاتها مع الناشطات المدنيات، واللاتي، للمفارقة، تم القبض على بعضهن بتهمة سيقوم الأمير محمد بن سلمان بالسماح بها لاحقا (قيادة السيدات للسيارات)؟
في هذا المجتمع المحافظ، تذهب لجين وغيرها إلى الحجز دون وجود فرصة للتأكد من توافر لائحة اتهامات واضحة، أو وجود فريق دفاع، أو حتى الإقامة في مكان إحتجاز يراعي ظروفهن كسيدات يحتجن لحفاضات شهرية وتوافر مصدر مياة نظيفة ورعاية صحية. ثم لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يمتد لإساءة المعاملة والتهديد بالإغتصاب.
في هذا المقال، سأحاول طرح السؤال الذي حيرني وأرقني كثيراً عند قراءة التفاصيل الخاصة بمحاكمة لجين وزميلاتها: ترى، فيم كان يفكر المستشار السعودي البارز وهو يهدد لجين بالإغتصاب؟ وفيم كان يفكر المحققون وهم يقومون ” بلمس” السيدات أثناء التحقيق؟
اقرأ أيضا: محمد بن سلمان… من تهمة “أبو رصاصة” إلى تهمة “أبو منشار”
أسطورة المجتمع المحافظ
منذ أن أصبحت المملكة العربية السعودية عضواً في الجماعة الدولية، وهي تقاوم بكل ضراوة محاولات التغيير التي تفرضها عليها التزاماتها الدولية؛ فالمملكة توقع على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، مع التحفظ على المواد التي لا تتلائم مع الشريعة الإسلامية.
بنفس المنطق، تم إغلاق دور العرض السينمائي لفترات طويلة ومنع الحفلات الموسيقية المختلطة، إلى أن تم السماح بها مؤخراً. بل وتم حظر قيادة السيدات للسيارات تحت تبرير كون المملكة السعودية مجتمعاً محافظاً ذو خصوصية ثقافية تختلف عن دول أخرى.
في هذا المجتمع المحافظ، تذهب لجين وغيرها إلى الحجز دون وجود فرصة للتأكد من توافر لائحة اتهامات واضحة، أو وجود فريق دفاع، أو حتى الإقامة في مكان إحتجاز يراعي ظروفهن كسيدات
يقوم نظام الحكم في السعودية على الملكية المطلقة، مع وجود مجلس للشوري رأيه غير ملزم للحاكم (إستشاري)، لأن الحالة السعودية ذات خصوصية وتختلف عن باقي الدول.
يسمح النظام القضائي للمملكة بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق المحكوم عليهم على الملأ، في وجود جمهور، وبطرق قد تبدو غير إنسانية بدرجة أكبر من تطبيق عقوبة الإعدام نفسها.
وعند توجيه النقد تجاه أي من الممارسات السابقة، يسارع مسؤولو المملكة إلى الحديث عن الخصوصية الثقافية والتقاليد المحلية والمجتمع ذو الطابع المحافظ!
مؤخراً، وبعد تولي محمد بن سلمان، الأمير المنفتح على الغرب، لولاية العهد، تم إدخال حزمة من التغييرات علي المجتمع المحافظ، مثل البدء بإصدار تشريع يسمح للسيدات بقيادة السيارات، السماح بالحفلات الموسيقية المختلطة، واعادة افتتاح دور العرض السينمائي.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يدخل التحرش بالمدعي عليهن أثناء التحقيقات ضمن حزمة الإصلاحات التي أقرها ولي العهد، وأصبحت أولى تطبيقاتها مع الناشطات المدنيات، واللاتي، للمفارقة، تم القبض على بعضهن بتهمة سيقوم الأمير محمد بن سلمان بالسماح بها لاحقا (قيادة السيدات للسيارات)؟
ربما…
في الجزء الثاني والأخير، سنواصل قراءة وتحليل ما تتعرض له الناشطات السعوديات في سجون المملكة، وما يترجمه هذا الواقع من تصور للمرأة… وللمواطن\الرعية عموما. كما سنتعرف على مقرب من الأمير بن سلمان، يعد من أحد أهم الفاعلين في هذا التناقض بين الخطاب التحديثي الرسمي للملكة السعودية، وبين واقع ممارساتها ضد الناشطين، وضد الناشطات على وجه الخصوص.