المجتمع المغربي: محافظة “استعراضية” تتطلع إلى حداثة “بعيدة” 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

المجتمع المغربي: محافظة “استعراضية” تتطلع إلى حداثة “بعيدة” 2/2

هل ما زلنا فعلا “مجتمعا محافظا” بعد مرور نحو عشرين عاما في القرن الواحد والعشرين، وبروز متغيرات عدة كالعولمة ووسائط التواصل الاجتماعي؟

يرى السوسيولوجي المغربي بول باسكون، كما تابعنا في الجزء الأول، أن الدينامية الداخلية التي تميز المجتمع المغربي تولد تناقضات مختلفة يتشكل منها الواقع الاجتماعي في المغرب، الذي لا يسعى رغم ذلك، وفق باسكون، إلى القضاء على نظام قديم للأشياء ليبني نظاما جديدا، بل إنه يعيش على عطالة…

في هذا الجزء الثاني، نتابع الملف مع آراء أخرى في ما إذا كان المجتمع المغربي، محافظا أم منفتحا، بعد مرور نحو عشرين عاما في القرن الواحد والعشرين.

الجويطي: “من المحافظة الصادقة إلى المحافظة الاستعراضية”

يرى الكاتب والباحث المغربي عبد الكريم الجويطي، أن “المجتمع المغربي بدأ يغرق في المحافظة”، ويضيف موضحا لـ”مرايانا”: “نشأت في حي حيث كنا نعرف أن فلان أو علان مثليين جنسيا، ولم يحدث قط أن تعرضوا لاعتداء. كان مألوفا وعاديا أن يلبس أحدهم “الدفينة”، ويذهب ليرقص مع الناس. كان الناس يحبون ذلك، والحي بأكمله يحتضنهم. أما اليوم، فلن يستطيعوا ذلك أبدا”.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: علي أكوباش، امرأة بجسد رجل…

الجويطي يعتقد أنه، بحكم “سيطرة قيم السوق وسيطرة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية، غادرنا المحافظة الصادقة والتقليد الأصيل، والتي كانت آخر صورة بهية لها هي مقاومة الاستعمار بشراسة ونكران ذات أسطوريين”، موضحا أنه خلافا لدول كثيرة، “اضطرت فرنسا لمحاربة المغاربة شبرا شبرا وكان المقاومون يمنحون دماءهم لحماية الدين أولا والهوية ثانيا والأرض ثالثا”.

“لم نقطع بعد مع ثقافة المجتمع المحافظ. لكن، هناك تطلع إلى الحداثة، خاصة في الأوساط المتمدرسة أو التي لها مستوى معين، أو بعض الفئات الاجتماعية الميسورة وغيرها”.

هذه المحافظة الأصيلة “أخلت مكانها لمحافظة استعراضية وانتهازية”، وفق الجويطي؛ إذ أن “كل مظاهر التدين المظهري التي اجتاحت البلد لا تؤشر على أن منسوب الايمان ارتفع داخل المجتمع المغربي، بل إلى تفطن شرائح واسعة من المجتمع إلى منافع تحويل الدين إلى أداة للوصول إلى ربح سريع ومضمون”.

“يفعل ذلك السياسي والتاجر والجمعوي والكاتب الانتهازي. الكل صار يدعي التقوى لأنه ادعاء مربح”، يقول الجويطي، الذي يدلل على رأيه بأن “كل هذه المساجد العامرة وكل هذه الحشود التي تؤمن بأن الإسلام هو الحل، وكل هذه الازياء واللحي التي تشهر التدين، لم تمنعنا من أن نكون بلدا يزهر فيه النفاق والخداع والغش ونصرة الأخ ولو ضبط متلبسا”.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: في واحتنا مسلمون جدد

الشعباني: “بعيدون عن الحداثة، لكن ثمة تطلع إليها”

يرى الأستاذ السابق لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، علي الشعباني، أنه إذا كنا سنجزم بأن المجتمع المغربي أصبح حداثيا ويتبنى قيم الحداثة، فهذا يعني أن المحافظة رفعت عنه.

لكن، طالما لا يمكننا أن نجزم بذلك، فمعنى ذلك، يضيف المتحدث ذاته، أن جزءا كبيرا منه “لا يزال يحتفظ بالعديد من القيم المحافظة، ويتجلى ذلك في العديد من المظاهر، سواء في الملبس، أو المأكل أو السلوك، وكل ما إلى هذا من مظاهر ثقافية”.

اقرأ أيضا: الفكر “الداعشي” الذي يسكننا

من حين لآخر يظهر هذا العمق المحافظ، يقول الشعباني، خاصة إذا “ابتعدنا عن المدن الكبرى، حيث نجد أنفسنا بعيدين عن الحضارة، بخاصة في ما يسمى بالمغرب العميق”، مبرزا أنه “حتى داخل المدن الكبرى نفسها، نجد أنفسنا في مغرب القرن التاسع عشر إذا خرجنا عن المحاور الرئيسية”.

“كل مظاهر التدين المظهري التي اجتاحت البلد لا تؤشر على أن منسوب الايمان ارتفع داخل المجتمع المغربي، بل إلى تفطن شرائح واسعة من المجتمع إلى منافع تحويل الدين إلى أداة للوصول إلى ربح سريع ومضمون”.

بالمقابل، من البديهي أن نلاحظ تطورا في المجتمع، يوضح الشعباني لـ”مرايانا”: “في القوانين مثلا، القانون الشرعي أصبح محاصرا. بينما كنا نلجأ إلى العدول، صار هنالك اليوم موثقون وانحصر دور العدول في الزواج. قس على ذلك نظامي المحاماة والتقاضي”.

ويضيف الشعباني: “التعليم أيضا، العتيق منه أصبح مقصورا على جهات صغيرة، بينما التعليم العصري والنظام الأكاديمي المتطور أصبح هو السائد الآن. حتى اللباس التقليدي، لم يعد اليوم كذلك سوى في بعض المناسبات الدينية أو الاجتماعية”.

اقرأ أيضا: أطفال مغرب اليوم… لكل زمن بيئته ولكل بيئة سلوكاتها! 2/1

“لم نقطع بعد مع ثقافة المجتمع المحافظ. لكن، هناك تطلع إلى الحداثة، خاصة في الأوساط المتمدرسة أو التي لها مستوى معين، أو بعض الفئات الاجتماعية الميسورة وغيرها”، يؤكد الشعباني، موضحا في ختام حديثه إلى “مرايانا”:

“نلاحظ هذا أساسا في المدن الكبرى. علينا فقط أن نلاحظ بعض حفلاتهم أو علاقاتهم، أحاديثهم، لغاتهم. سنجد أنها تبتعد يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، عن ما كان سائدا في المجتمع المغربي، وأن هناك نزوعا نحو تبني قيم أخرى تنتمي إلى مجتمعات غربية، أو ثقافات غربية، أو لنقل سائدة في الغرب”.

لقراءة الجزء الأول: المجتمع المغربي… محافظ أم منفتح؟ 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *