زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
لمن يتساءل كيف لا تطبق مدونة 2006 للدواء والصيدلة على صرف هذا النوع من الأدوية في المغرب عوضاً عن محاكمة صيادلة بتهمة “الاتجار في القرقوبي”، أسأله بدوري كيف سيتفنن أصحاب العقد والحل في تعذيبنا إذا لم يضعواْ عراقيل في كل خطوة يومية نقوم بها؟
قرأتُ خبراً مفاده أن صيادلة المملكة مستاؤون نتيجة الاستمرار في تطبيق قانون استعماري يعود لسنة 1922، يتعلق بأدوية علاج الأمراض النفسية، بل والتشدد في تطبيقه إلى درجة أن بعض الصيادلة هم الآن متابعون أمام القضاء طبقاً لنفس القانون الذي يضعهم في مصاف تجار المخدرات والسلاح!
نعم، لقد قرأتم جيداً، ولا يتعلق الأمر هنا بزغلَلة العين المرتبطة أحياناً بالصيام، فمن مخاطر مهنة الصيدلة في هذا البلد السعيد هو أن يتابعوك بتهمة ثقيلة مثل الإتجار في ممنوعات “فتاكة” و”قاتلة”؛ وبدلا من أن تجني لقمة العيش من مهنة تعلمتها لسنوات حتى شاب مفرقك على مقاعد كلية الطب والصيدلة، تجد نفسك في قفص الإتهام كأنك “بابلو إيسكوبار” (من دون ثروته الطائلة قيد حياته وشهرته العالمية بعد وفاته) وتواجه تُهماً جنائية من هذا القبيل!
تجد نفسك أمام أمرين أحلاهما مر: إما أن تستعد لنوبات الانقطاع عن تناول الدواء التي قد تودي بحياتك أو حياة من تحب، أو تلجأ إلى “السوق الموازية” لتهريب الأدوية، أو “فقهاء” يصرعون ذلك الجن الذي بداخلك والذي يوسوس لك بأنك مواطن (ة) ولست مجرد رقم!
في نفس السياق، أفاد “مصدر مطلع” بأن رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي استقبل، يوم الثلاثاء 7 مايو \ أيار، حمزة كديرة رئيس المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب، قصد التباحث بشأن إكراهات ممارسة مهنة الصيدلة في ظل قانون 1922 والذي يُشَرعُ لصرف الأدوية المرتبطة بالأمراض النفسية والعقلية والعصبية.
لمنْ يتعجب من استمرار العمل بقانون يعود إلى قرن من الزمان، حيث لم تكن مهنة الصيدلة الحديثة موجودة أصلاً، أقول: لا تستغرب! فنحن في بعض مناحي الحياة ما زلنا متأخرين بقرن وربما أكثر. ولمن يتساءل كيف لا تطبق مدونة 2006 للدواء والصيدلة على صرف هذا النوع من الأدوية في المغرب عوضاً عن محاكمة صيادلة بتهمة “الاتجار في القرقوبي”، أسأله بدوري كيف سيتفنن أصحاب العقد والحل في تعذيبنا إذا لم يضعواْ عراقيل في كل خطوة يومية نقوم بها؟
إقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: في الرقية الشرعية: طوبى للذين لا يَسْتَرقون
أي خطوة، من شراء لوازم العيش الذي صار عقوبة، إذ عليك أن تنتظر في الصف لكي تدفع أو تظل تدور باحثاً عن مكان تركن فيه “قَصديرَتْك” أو تذهب إلى مقصدك راجلاً وتظل تحوم حول المكان المقابل باحثا عن ممر الراجلين؛ وإن وجدته، ما أن تضع رجليك عليه أخيراً حتى تكاد تفقدهما…
ثم إن أردت أي “ورقة” إدارية أو القيام بأي معاملة سواء في القطاع العام أو الخاص، عليك طلب “التفرغ” من عملك والتحلي بصبر أيوب إن لم يجُد عليك “زهرك” بمسؤول أو بموظف يقوم بعمله، أو على الأقل يعرف أبجديات أدب التخاطب في أي مجتمع بشري يحترم نفسه.
بدلا من أن تجني لقمة العيش من مهنة تعلمتها لسنوات حتى شاب مفرقك على مقاعد كلية الطب والصيدلة، تجد نفسك في قفص الإتهام كأنك “بابلو إيسكوبار” (من دون ثروته الطائلة قيد حياته وشهرته العالمية بعد وفاته) وتواجه تُهماً جنائية
المهم هو أنك، حين تتجاوز معاناة طويلة بعدد سنوات عمرك، طبعاً دون أن تودع لا هذه الحياة ولا هذه البلاد (يا للشجاعة!)، لكن بأمراض مزمنة أو أزمات صحية حادة تلحق بك وبذريتك وتتطلب أدوية للعلاج النفسي والعصبي وربما العقلي، تعبئ كل ما تبقى من طاقتك المادية والنفسية لتذهب أو تحمل ابنك أو ابنتك عند الطبيب المختص في تتبع حالتكم، وطبعاً يصف لكم الدواء اللازم (مع العلم أن أدوية الاكتئاب والقلق والفصام والصرع وغيرها تتطور باستمرار للتخفيف من أعراضها الجانبية). لكنك، عندما تقصد الصيدلية، تفاجأ بالصيدلي يطلب منك بطاقة تعريفك وعنوانك وأشياء أخرى كأن الطبيب محل شبهة أو كأنك أنت وذريتك مدانون حتى تثبت براءتكما.
إقرأ لنفس الكاتبة: على أعتابِ رمضان…اِنتظروا الفيلمْ!
الأدهى هو أنه، بسبب الرٌهاب الذي يعيشه بعض الصيادلة من قانون عام الفيل ذاك، قد يتحجج بعضهم بأن ذلك الدواء غير متوفر (en rupture de stock) ضاربين عرض الحائط بأخلاقيات مهنتهم ومعرضين نفسهم للمتابعة كذلك بتهمة عدم تقديم مساعدة لشخص في خطر! أما أنت، فتجد نفسك أمام أمرين أحلاهما مر: إما أن تستعد لنوبات الانقطاع عن تناول الدواء التي قد تودي بحياتك أو حياة من تحب، أو تلجأ إلى “السوق الموازية” لتهريب الأدوية، أو “فقهاء” يصرعون ذلك الجن الذي بداخلك والذي يوسوس لك بأنك مواطن (ة) ولست مجرد رقم!