عبد الله بن سبأ: شخصية تاريخية مثيرة للجدل… بين من ينكر وجوده ومن يعزو إليه إثارة الفتنة الكبرى والدعوة إلى التشيع 2/2
بينما يقول البعض إن نعبد الله بن سبأ هو أصل الفتنة الكبرى وإليه ترجع الدعوة إلى التشيع أول مرة، يرى آخرون أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير ليس إلا!
بعدما تابعنا في الجزء الأول بعضا من حكاية عبد الله بن سبأ، وعرفنا أن غموضا كبيرا يكتنف ظهوره على مسرح التاريخ الإسلامي، إذ ينسب إليه البعض إثارة الفتنة الكبرى ويقول آخرون بـ”تأليهه” لعلي بن أبي طالب… نتابع في هذا الجزء الثاني والأخير حكاية هذا الرجل، لنعرف ما إذا كان فعلا أول من دعا إلى التشيع، كما ونخوض قليلا في أمر وجوده الذي يعتريه تضارب كبير.
إليه ينسب البعض التشيع!
ذكر سعد بن عبد الله القمي[1] أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن عليا أمره بذلك، وأن التقية لا تجوز. ولما سأله علي عن ذلك، أقر به، فأمر بقتله إلا أن الناس صاحوا إليه من كل ناحية: “يا أمير المؤمنين، أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهلَ البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟”، ولما كان كذلك، نفاه إلى المدائن.
أما ابن المرتضى[2] وهو معتزلي ينتسب لآل البيت، فهو لا يؤكد وجود ابن سبأ فحسب، وإنما يؤكد أن أصل التشيع منسوب إلى عبد الله بن سبأ؛ ذلك أنه “أول من أحدث القول بالنص وبإمامة اثني عشر إماما”.
اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1
لكن مصادر شيعية أخرى، تؤكد أن شخصية ابن سبأ “وهمية” ولا وجود لها، وأن قصته اخترعها “السنة” كمؤامرة لكي يصوروا الشيعة في صورة “خبيثة”.
تضارب “كبير” في أمر وجوده!
يقول علي الوردي[3]، إنه يخيل إليه أن “حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير”. ومن ثم، فابن سبأ لم يكن له من وجود حقيقي حتى يختفي؛ ذلك أنه لم يكن سوى وهما.
حسب ذات الباحث، فإن من يقصد بابن سبأ هو الصحابي عمار بن ياسر، فهذا الأخير كان أيضا يكنى بابن السوداء ومن أب يمني وينسب إلى سبأ وشديد الحب لعلي، ومن المحرضين على بيعته، ثم إنه ذهب إلى مصر أيام عثمان وحرض الناس عليه، بل ويشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل.
إن الباحث في شخصية ابن سبأ ليخرج منه وهو لا يعرف عن نسبه وأهله شيئا سوى أنه يهودي وأن أمه كانت “سوداء” ولذلك سمي بابن السوداء.
نفس الرأي نجده لدى عبد الله بن فياض[4]، إذ يقول إن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة؛ وأن دوره، إن كان له دور، قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة لأسباب دينية وسياسية.
أما طه حسين[5]، فهو يرى أن ابن سبأ استغل الفتنة ولم يثرها، ويورد أنه لا يجد ذكرا لابن سبأ في المصادر المهمة التي روت خلاف عثمان. هكذا، نجده يشك في ما يرد في الروايات المتداولة عن ابن سبأ، فيقول: “وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا إن كان كل ما يروى عنه صحيحا، إنما قال ما قال ودعا ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف”.
اقرأ أيضا: في الذكرى الـ40 للثورة الإيرانية: ثورة إسلامية أم ثورة… أمريكية؟
بالمقابل، يردّ محمود قاسم[6] على طه حسين بالقول إن تواري ابن سبأ بعد العام الأول من خلافة علي، يمكن تعليله بأنه قد تاب حينها ربما، وأما عودته بعد مقتل علي فأمر يمكن تعليله أيضا، في حين أن اختفاءه في موقعة صفين، يمكن تعليله أيضا، فلربما كان في المدائن أو وجد من الأفضل ألا يظهر في كل فتنة.
هناك رأي آخر، يدافع عنه سعيد الأفغاني[7]، إذ يعظم دور ابن سبأ في الفتنة، ونسب إليه كل المؤامرات والفتن والملاحم الواقعة بين الصحابة، بل ووصفه بأنه رجل في غاية الذكاء وصدق الفراسة والنظر البعيد والحيلة الواسعة والنفاذ إلى نفسية الجماهير.
ويذهب الأفغاني حد القطعية في أن ابن سبأ كان “أحد أبطال جمعية تلمودية سرية غايتها تقويض الدولة الإسلامية”، ويكاد يقرر أنه كان يعمل لصالح دولة الروم التي انتزع المسلمون منها قبل فترة قريبة، بلدين مهمين هما مصر والشام.
اقرأ أيضا: صراع “ولاية الفقيه”: هل يسطو خامنئي على شيعة العراق؟ خلاف ديني أم صراع سياسي؟
إجمالا، يشير جواد علي[8] في بحث له عن ابن سبأ إلى الغموض الذي يكتنف شخصيته، فيقول: “إن الباحث فيه ليخرج منه وهو لا يعرف عن نسبه وأهله شيئا سوى أنه يهودي وأن أمه كانت “سوداء” (لذلك عرف بابن السوداء)”، مع تسجيله لملاحظة مفادها أن “الشيعة قد غالت في ذم ابن سبأ والتنصل منه والتبرؤ من آرائه وزادت في نسبة الغلو إليه، وهذا ما يستحق الدرس”.
لقراءة الجزء الأول: عبد الله ابن سبأ… أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي؟ 2/1