التمييز بين الجنسين: هل يظل هدف المساواة بين الرجل والمرأة في المغرب مجرد حبر على ورق؟ 2/2
ثمة شرخ شاسع بين التطور القانوني والتطور الاجتماعي يستحيل معه تغيير المجتمع بموجب مراسيم قانونية؛ ذلك أن الترسانة القانونية التي تجرى مطابقتها أكثر فأكثر مع المعايير الدولية، على أهميتها، تتطلب آليات للتطبيق تؤثر في جيوب المقاومة ضد التغيير عبر سياسات اجتماعية واقتصادية ملائمة.
الواقع معضدا بعدد من التقارير الرسمية وغير الرسمية، كما رأينا في الجزء الأول، يفيد بأن صورة المساواة بين الجنسين في شتى المجالات، صورة يغزوها السواد في المغرب… في هذا الجزء الثاني، نتابع الملف مع معطيات أخرى، تؤكد هذه الصورة على الرغم من تأكيد دستور 2011 على المساواة بين الجنسين في المغرب.
عمل المرأة أصبح يقابل بـ”لامبالاة عدائية”
أبرز التقرير الذي قدمته لجنة تتبع الخطة الحكومية للمساواة سنة 2015 أن المرأة تعاني من الأمية والبطالة على نحو أكبر بكثير مقارنة بالرجل، إضافة إلى ضعف إدماجها في المجال الاقتصادي.
وفق ذات التقرير، نلاحظ انخفاضا على مستوى الإدماج الاقتصادي للنساء وتقلص قدرتهن على الاستقلال المالي؛ ذلك أن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل لم تتجاوز 25 بالمائة في 2012، في مقابل 30 بالمائة في 1999، على الرغم من تحسن مستوى وصول النساء إلى التعليم والانخفاض الواضح في معدلات الخصوبة.
قسم كبير من المغاربة يميلون إلى تأييد عمل النساء خارج البيت إذا كانت لديهن المؤهلات اللازمة، غير أن هذه المواقف العامة لا تعني إعادة النظر في الأدوار الاجتماعية التي تُسند إلى النساء الأشغال المنزلية وتربية الأطفال، بينما تسند إلى الرجال مهام العمل خارج البيت وإنتاج الدخل العائلي.
في ذات السياق، خلص رأي عممه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي[1]، سنة 2014، إلى أن وضعية النشاط الاقتصادي النسوي قد عرفت تراجعا واضحا ومثيرا للقلق، مؤكدا أن عمل النساء كان في الماضي مقبولا بكيفية إيجابية باعتباره عملية تحرر شخصي، ومصدر افتخار واعتزاز للأسر المغربية. لكن، في السنوات الأخيرة، ظهر نوع من اللامبالاة العدائية إزاء عمل النساء.
اقرأ أيضا: ثريا الشاوي: أصغر وأول قائدة طائرة في المغرب، إفريقيا والعالم العربي! 1\3
يتفق العديد من المراقبين على أن النساء متمركزات في الأنشطة ذات المردودية والقيمة الضعيفة في سوق الشغل، وأنهن ضحايا التمييز على مستوى الأجور، في حين أن من تابعن تعليمهن أكثر عرضة للبطالة، على حد تعبير رأي المجلس الاستشاري.
المجلس لفت أيضا إلى أن المقاولات الخصوصية لا تحترم في غالب الأحيان الالتزامات الواردة في قانون الشغل، فيما تظل الوظيفة العمومية غير مؤنثة بما يكفي على مستوى القيادة. أما وصول النساء إلى مراكز اتخاذ القرار، فيبقى محدودا جدا.
ويرجع الرأي الاستشاري للمجلس الازدواجية في تصور عمل المرأة، إلى التناقضات المجتمعية والثقافية؛ ذلك أن قسما كبيرا من المغاربة يميلون إلى تأييد عمل النساء خارج البيت إذا كانت لديهن المؤهلات اللازمة، غير أن هذه المواقف العامة لا تعني إعادة النظر في الأدوار الاجتماعية التي تُسند إلى النساء الأشغال المنزلية وتربية الأطفال، بينما تسند إلى الرجال مهام العمل خارج البيت وإنتاج الدخل العائلي.
اقرأ أيضا: تقرير حديث: نسبة النساء اللاتي يدرن الأسر المغربية ارتفعت في السنوات الأخيرة
التمييز الإيجابي لم يعط أكله والمناصفة حلم بعيد المنال
تعتبر الباحثة الأكاديمية في القانون الخاص، مليكة الهيلالي[2]، أن “مشاركة النساء في مراكز القيادة واتخاذ القرار ضعيفة، إذ يمكن ملاحظة ممارسات تمييزية في حقها في المجتمع وداخل الأحزاب من قبيل تهميش دورها السياسي”، مشيرة إلى أنها “حين تقدم في الواجهة، تقدم فقط كديكور لربح رهان انتخابي وليس دفاعا عن كينونتها وكفاءتها، وهو ما يمكن اعتباره استغلالا للمرأة سياسيا وإعلاميا”.
الهيلالي تؤكد أن هذا الوضع يترجم الشرخ الشاسع بين التطور القانوني والتطور الاجتماعي الذي يستحيل معه تغيير المجتمع بموجب مراسيم قانونية؛ ذلك أن الترسانة القانونية التي تجرى مطابقتها أكثر فأكثر مع المعايير الدولية، على أهميتها، تتطلب آليات للتطبيق تؤثر في جيوب المقاومة ضد التغيير عبر سياسات اجتماعية واقتصادية ملائمة.
حينما نعرف أن لدينا 81 امرأة في مجلس النواب، فقط 10 نساء منهن جئن من داخل الدوائر المحلية، نعرف أننا إذا أوقفنا الكوطا سنرجع إلى حالتنا الأولى، وهو ما يعني أن التمييز الإيجابي لم يعط بعد أكله في المغرب.
ذات الرأي ذهب فيه أستاذ القانون العام، عبد الحميد بن خطاب، في ندوة احتضنتها الرباط عام 2018 عن المشاركة السياسية للمرأة، إذ قال إنه “هناك ترسانة قانونية جد مهمة في المغرب تساعد بشكل أو بآخر على اقتحام السياسة، وبالرغم من ذلك نجد أننا لم نصل بعد إلى مستوى الثلث في تمثيلية النساء، 27 بالمائة بالنسبة للجماعات الترابية، 21 بالمائة بالنسبة لمجلس النواب، و13 امرأة من أصل 120 في مجلس المستشارين”.
بن خطاب أكد أن “المناصفة فكرة الهدف منها سياسي، أكثر منه إعطاء تمثيلية حقيقية للمرأة داخل المؤسسات التمثيلية”، مضيفا أن “الهدف منها أساسا هو محاولة قلب ما يسمى بالهيمنة الذكورية وإحلال نوع من التوازن بين الجنسين، لكن هذا التوازن حتى الآن شكلي، صوري ونظري، أكثر منه عملي على أرض الواقع”.
اقرأ أيضا: سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…
وتشير النائبة البرلمانية فاطمة الزهراء برصات، في تصريح سابق لها، إلى أن التمييز الإيجابي (الكوطا) أسهم في حضور المرأة داخل المؤسسة التشريعية ذلك أنه كان قبل ذلك هزيلا، مع أنه آلية انتقالية فقط سترفع يوما ما، والمفروض أنها جاءت ليرى المجتمع المرأة التي ألفها في البيت، كفاعلية سياسية وبرلمانية ووزيرة، من أجل تغيير تدريجي لهذه الصورة النمطية.
بالمقابل، أبرزت برصات أن التمييز الإيجابي لم يقدم إضافة كبيرة حتى الآن، قائلة: “حينما نعرف أن لدينا 81 امرأة في مجلس النواب، فقط 10 نساء منهن جئن من داخل الدوائر المحلية، نعرف أننا إذا أوقفنا الكوطا سنرجع إلى حالتنا الأولى، وهو ما يعني أن التمييز الإيجابي لم يعط بعد أكله في المغرب”.
لقراءة الجزء الأول: التمييز بين الجنسين… فروق شاسعة يحاول القانون حظرها بينما يكرسها المجتمع! 2/1