بعد سنوات من انطلاقها… المغاربة ما زالوا “يهابون” التبليغ عن الرشوة في الخطوط الخضراء 1/2
تفيد إحدى الدراسات بأن المجتمع المغربي قد استوعب الرشوة داخل ثقافته الشعبية، وأضفى عليها ألقابا تسمح بتداولها في المتن الشعبي دون حرج، حتى غدت متجذرة في الثقافة اليومية المغربية.
القهوة، الكاميلة، الحلاوة، الكاضو، كلها أسماء بالعامية لنفس الفعل: الرشوة. البعض يرى أن هذه الأسماء تحمل في طياتها تمثلات المغاربة لمدى تقبل الرشوة وإعطائها صيغا تلغي عنها طابع الجريمة.
دراسة أجرتها جمعية الشعلة للتربية والثقافة سنة 2012 بتعاون مع الاتحاد الأوروبي، خلصت إلى أن المجتمع المغربي قد استوعب الرشوة داخل ثقافته الشعبية، وأضفى عليها ألقابا تسمح بتداولها في المتن الشعبي دون حرج، حتى غدت متجذرة في الثقافة اليومية المغربية.
من جهته، أكد فؤاد عبد المومني، الكاتب العام لجمعية “ترانسبارنسي المغرب”، في لقاء سابق أن الرشوة في المغرب ما زالت “مزمنة وشاملة ونسقية”، وأن الأخير، بالرغم من اعتماده استراتيجية وطنية لمحاربة الرشوة، إلا أنه لم يفعل أي إجراء لتطبيق ما جاء فيها.
اقرأ أيضا: هشام روزاق: دولة تجدد نــ(ــحــ)ــبها!!
عبد المومني كشف أيضا أن قضايا الرشوة في المحاكم المغربية تعرف “بطءا كبيرا” في مسطرة البت فيها، مشددا على أن التركيز ينصب “فقط على قضايا الرشوة الصغرى التي ليس فيها مصالح كبرى، في حين أن القضايا الكبرى لا تصل إلى القضاء أو تقبر أو تتبخر في ردهات المحاكم بسبب التقادم”.
المغاربة “يهابون” التبليغ عن الرشوة في الأرقام الخضراء، و7 آلاف قضية رشوة بالمحاكم المغربية سنويا…
يبلغ المعدل السنوي لقضايا الرشوة بالمغرب 7 آلاف قضية. هذا هو الرقم الذي كشفت عنه وزارة العدل في حصيلة منجزاتها لسنة 2017. الوزارة أوضحت أن 31 حالة صدرت في حقها أحكام سالبة للحرية، في جرائم الرشوة، بين يونيو/حزيران 2015 وشتنبر/أيلول 2017.
وكانت الوزارة قد أطلقت في يونيو/حزيران 2015، خطا أخضر خاصا بالتبليغ عن الرشوة، يسعى إلى تقديم آلية سهلة وسريعة من أجل ضبط الجناة في حالة تلبس مع ضمان الحماية للمبلغين.
أطلقت النيابة العامة في ماي/آذار 2018 رقما أخضر، أسفر وفق معطيات غير رسمية عن إسقاط 37 حالة متفرقة وتسجيل 300 مكالمة أسبوعيا للتبليغ عن الفساد والرشوة إلى حدود شتنبر/أيلول 2018.
الرقم الأخضر الذي تشرف عليه وزارة العدل، جاء وفق وزير العدل محمد أوجار، بغية تكريس النزاهة والشفافية وسياسة تخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة، في أفق أن يتم تطوير آلية اشتغاله بإحداث مركز للنداء لاستقبال مكالمات المواطنين للتبليغ عن الرشوة.
اقرأ أيضا: ملايين “العبيد” يعيشون بيننا في عالم اليوم… 2/1
لكن، بالرغم من ذلك، تؤكد المعطيات التي أعلنت عنها الوزارة أن حالات كثيرة للتبليغ عن الرشوة، عبر الرقم الأخضر، لا يتم ضبطها في حالة تلبس، بسبب توقف المشتكي عن التعاون أو بسبب فطنة المشتكى به ورفضه تسلم مبلغ الرشوة.
من جهتها، ولذات الغاية، أطلقت النيابة العامة في ماي/آذار 2018 رقما أخضر، أسفر وفق معطيات غير رسمية عن إسقاط 37 حالة متفرقة وتسجيل 300 مكالمة أسبوعيا للتبليغ عن الفساد والرشوة إلى حدود شتنبر/أيلول 2018.
في ذات السياق، أحدثت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرنسي المغرب) في وقت سابق، مركزا للدعم القانوني ضد الرشوة، لتلقي الشكاوى بهذا الصدد. التقرير السنوي الذي يصدره المركز لسنة 2017، كشف عن توصله بـ301 شكاية برسم هذه السنة، جلها عن مدينة الرباط.
السلطات العمومية، وفق ذات التقرير، تحتل الصدارة من حيث القطاعات موضوع الشكوى، متبوعة بقطاع الصحة، ثم العدل والشرطة. ويعكف المركز على مراسلة وزارتي الداخلية والعدل بخصوص هذه الشكاوى، مراسلات أسفرت عن القيام بعمليتين، تم ضبط إحداهما في حالة تلبس أدت إلى اعتقال عون سلطة بإقليم تاونات.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب:”الميتروقراطية” المغربية… بنسودة، الخازن العام لخدام الدولة
التقرير سجل تراجعا في عدد الشكايات المتوصل بها مقارنة بسنة 2016، مبرزا أن المواطن لا يهتم بالتبليغ عن الرشوة الصغيرة، لكونه يعتبرها مصدر دخل إضافي للموظف البسيط حتى يتمكن من مواجهة ارتفاع تكاليف العيش.
كما خلص التقرير إلى أن التبليغ عن الرشوة يعد خطرا كبيرا في نظر المواطن، إذ يمكن أن يعقد حياته، ويسقطه في دائرة مفزعة من الإجراءات غير الضرورية كما يعرضه للانتقام دون حماية قضائية. بل إن محاربة الرشوة، بالنسبة للبعض، خطاب سياسي مليء بالأكاذيب والقضاء عليها مهمة مستحيلة.
بالمقابل، يفيد ذات التقرير أنه لا يزال هناك بعض المواطنين، وإن كانوا قلة، ممن يؤمنون بأهمية التبليغ عن الرشوة، ويعدونه واجبا مدنيا.
في الجزء الثاني من هذا الملف نتابع إجراءات أخرى تنفذها الدولة على أمل القضاء على الرشوة أو التقليل منها، كما نتعرف على الخسائر المالية التي تتكبدها جراء هذه الظاهرة “المتفشية”.
لقراءة الجزء الثاني: المغرب ومحاربة الرشوة: إجراءات عدة… لا تأتي أكلها في الواقع والتصنيفات العالمية! 2/2