هل ستنهار الأخلاق من دون الإيمان والدين؟ 2/1قراءة في كتاب بول كيرتز: "الفاكهة المحرمة.. أخلاقيات الإنسانية"
وفق الفيلسوف الأمريكي بول كيرتز، لو جُزم بأن الإله غير موجود مثلا، حينذاك فقط يمكن أن يعرف البشر أن لديهم استقلالا ذاتيا يحملهم المسؤولية على أقدارهم وعلى أقدار غيرهم من البشر.
لو أن الإله غير موجود، فهل سيستمر كل شيء؟ لو أن شخصا يرفض الإيمان بخالق سماوي، هل سيكون كل شيء مباحا له؟ هل ستنهار الأخلاقيات من دون الإيمان والدين؟
بهذه الأسئلة، يطأ الفيلسوف الأمريكي، بول كيرتز[1]، كتابه “الفاكهة المحرمة.. أخلاقيات الإنسانية”[2]، الذي اعتبر فيه أن الأخلاق المبنية على أساس ديني، بدائية وغير متطورة، وأن الحاجة تفرض نفسها، نحو مرحلة أخرى من التطور الأخلاقي.
ينطلق كيرتز في تصوره هذا، من رواية الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، “الجريمة والعقاب”، التي يسطو فيها البطل راسكولينكوف ويقتل امرأتين عجوزين، دون أي بنية أخلاقية تحد مشاعره؛ إذ أن قاعدة المنفعة الذاتية هنا ليس لها أي حدود، وحولت المؤمن الشاب إلى كائن عدمي. هكذا، نجد دوستويفسكي يقول: “إن الحياة والعالم ليس لهما من معنى من دون رب”.
اقرأ أيضا: “جهنم” في الديانات السماوية 2/2
من دون قانون إلهي، لا يجد دوستويفسكي أي أرضية للواجب الأخلاقي، ولا إحساسا بالواجب أو المسؤولية تجاه الأخرين. بعبارة أخرى، ليس ثمة أي قيم أخلاقية فيما وراء النزوات الذاتية، فكل شيء يصبح مباحا، لا معيار للتميز بين الخير والشر، ولا غرض أخلاقي من وراء الواقع البشري.
هذه الصورة وفق كيرتز، تقويم غير موثوق للحالة البشرية!
هل الذين يرفضون اللاهوتية أشرارٌ ومن دون أخلاق حميدة؟ المؤكد أن الإيمان بالإله لا يكون ضمانة لهذه الأخلاق، فثمة أناس لا حصر لهم ممن آمنوا بالدين، ورغم ذلك عاشوا حياة غير أخلاقية.
خلاف ذلك تماما، لو جُزم بأن الإله غير موجود مثلا، وفق الفيلسوف الأمريكي، حينذاك فقط يمكن أن يعرف البشر أن لديهم استقلالا ذاتيا يحملهم المسؤولية على أقدارهم وعلى أقدار غيرهم من البشر.
حينذاك، فقط، ربما يمكن تطوير قيم أخلاقية عقلانية مبنية على تثمين الطبيعة والوعي لمركزية الآداب الأخلاقية العامة، وخلق مجتمع علماني يعيش فيه الإنسان وفق مبادئ وقيم إنسانية.
اقرأ أيضا: هكذا نشأت فكرة “الشيطان” لدى الإنسان الأول وتطورت حضارة بعد حضارة ودينا بعد دين 1\4
اللاهوتيون، وفق كيرتز، ينكرون إمكانية الأخلاق من دون إله. حسب الإنجيل -وهذه القصة ترد في الإسلام بنفس الملامح تقريبا-، هبط آدم وحواء من نعيم الإله؛ لأنهما خالفا مشيئته، فقد سمح لهما بأن يأكلا من كل أشجار جنة عدن؛ إلا من شجرة معرفة الخير والشر.
من ثم، نفهم أن الإله منع أي بحث مستقل ذاتيا للإنسان عن المعرفة الأخلاقية. الدرس الأخلاقي، حسب كيرتز، يكمن في أن الإله لم يرد أن يميز البشر بين الخير والشر بأنفسهم بعيدا عن السلطة الإلهية.
لكن، هل هذا يعني أن الذين يرفضون اللاهوتية أشرارٌ ومن دون أخلاق حميدة؟ المؤكد أن الإيمان بالإله لا يكون ضمانة لهذه الأخلاق، فثمة أناس لا حصر لهم ممن آمنوا بالدين، ورغم ذلك عاشوا حياة غير أخلاقية.
اقرأ أيضا: لننس “الدين الصحيح” ولنتحدث عن “حرية الاعتقاد”
فهل ينبغي للإنسان أن يظل على أخلاقياته الدينية؟ أم يجدر به أن يحاول الخطو إلى أخلاقيات إنسانية عقلانية؟ ذاك ما سنتابعه في الجزء الثاني من هذا الملف.
[1] كاتب وفيلسوف أمريكي، ولد عام 1925 وتوفي عام 2012، درس قيد حياته الفلسفة بجامعتي نيويورك وكولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
[2] تعريب: ضياء السومري.
لقراءة الجزء الثاني: الأخلاقيات الدينية، أم الأخلاقيات الإنسانية العقلانية؟ 2/2
إنهم كاذبون
لا شيئ
وان لم يكن الله لتعلق الانسان بشيء اخر