حزب دولة… حرب وطن: ثم ماذا بعد أخنوش؟
… يبدو أن الحملة الانتخابية المنتظرة بالمغرب سنة 2021، ما لم تجر قبل أوانها، قد انطلقت بالفعل، على الأقل داخل مكونات أحزاب الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية. انتخابات، …
… يبدو أن الحملة الانتخابية المنتظرة بالمغرب سنة 2021، ما لم تجر قبل أوانها، قد انطلقت بالفعل، على الأقل داخل مكونات أحزاب الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية.
انتخابات، ينتظر أن تجرى في ظل حالة احتقان اجتماعي وسياسي غير مسبوقين، وفي ظل تغير العديد من المعطيات على الأرض، أهمها، الشروخ والندوب التي أصيب بها الحزب الإسلامي، سواء ما تعلق منها بأدائه وحصيلته الحكومية، أو ما ارتبط منها بسيل الفضائح التي تلاحق عددا من قياديه.
على الجانب الآخر، هناك أيضا تغييرات تتعلق بـ “الجوكر” الذي تم اختياره للعب دور “البديل” للمشروع الإسلاموي، أو لنقل، للعب دور مرشح الـ “establishment”. فبعد فك الارتباط عمليا، بمشروع حزب الأصالة والمعاصرة، الذي شكل لفترة عنوان “حزب العهد الجديد”، تمت العودة مؤخرا للمراهنة على أحد أهم أبناء ما سمي بـ “الديمقراطية الحسنية”، من خلال حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي جيء له بأخنوش، بعد الاستغناء عن مزوار الذي جيء به إليه أيضا في السابق، حين كان “البام” هو الرهان.
هي مقامرة سيكون أفضل الرهان فيها، أن يفوز أخنوش أو يخسر، لكن… سيكون أسوأ الإفلاس فيها… أن نضطر جميعا لرهن البلد في يد لاعبين سيئين، وأن ننتظر تعويض الخسارة. وعتاة المقامرين يعرفون، أن الخسارة لا تعوض.
المثير في الحكاية هنا، هو أن جزء من “المخزن”، بمعناه المؤسساتي في المغرب، يبدو وكأنه يتعامل بعقلية المنتصر، وليس بعقلية الفائز… إذ الفرق بين المعنيين هو ببساطة، إعادة الرهان على التجمع الوطني للأحرار وأخنوش.
إقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: من يحكم المغرب؟ … “جهات ما”
لم يتقبل جزء مهم من المخزن، على ما يبدو، فكرة أنه خرج فقط فائزا من تداعيات ما سمي بالربيع العربي وحركة 20 فبراير بالمغرب، وأنه في النهاية، لم يكن المنتصر. أنه كان فائزا… إلى جانب فائزين آخرين، يفترض أن يقتسم معهم البوديوم، عوض أن يفكر بعقلية المنتصر، ويستحوذ لوحدة على الغنيمة.
ما لم يفهمه هذا الجزء المؤثر من المخزن، (أو لعله يفهم ذلك جيدا ويصر على المقامرة)، أن شروط اللعبة قد تغيرت، شاء ذلك أم أنكره؛ وأن خروجه فائزا من معركة 20 فبراير، بكل الذكاء والحذقة التي أبان عليها، لم يكن سوى إعلانا عن كونه طرفا قويا في المعادلة، لكن…
هذه المرة، لم يكن وحده الطرف القوي، ولم يكن وحده الطرف الذكي والحاذق. على العكس… إحدى الأطراف المهمة في اللعبة، خرجت بفوز أكبر، وتعاملت بذكاء أكبر… وحققت فوزها بمجهود أقل، والحديث هنا طبعا، عن ممثل الإسلام السياسي بالمغرب، الذي لم يبذل أي جهد يذكر خلال حراك 20 فبراير، ولم يستنزف طاقته كثيرا في مواجهة سؤال جوهر الدولة على حساب شكلها، لكنه في النهاية، حقق في بضعة أشهر، ما كان يحتاج لسنوات من أجل تحقيق ربعه.
هناك أيضا فائزون آخرون في المعركة لم ينتبه لهم أصحاب نظرية “انتصار المخزن”، وهم كل تلك الأصوات التي حققت، بمستويات مختلفة، فوزا حقيقيا على الأرض، سواء ما تعلق منها بالجانب الحقوقي أو بمسألة الحريات أو بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (وإن كان هذا الملف بالضبط يحتاج لرجة أخرى)… لكن…
الفائز الذي لم يوله “منتصرو المخزن” أي اهتمام، يبقى في النهاية، هو المغربي البسيط. المغربي الذي، على الرغم من كل ما يجري الآن، انتصر ــ بشكل أو بآخر ــ على عقدة الخوف، والذي يريد هذا المخزن المنتش بانتصاره، أن يدفعه نحو الحائط، رغم أنه يعلم جيدا… أن المغربي البسيط، لا يملك في الأصل حائطا وأنه… لا شيء لديه ليخسره.
طبعا… كل هذه المعادلات وكل هذه الأطراف التي تحدثنا عنها، سنعود لها بكثير من التفصيل مستقبلا، لكننا هنا، سنقف على الجانب الملغز في الحكاية.
المخزن في المغرب، بكل تعابيره ومصالحه، يعرف جيدا أن أسطورة “الاستثناء المغربي”، هي في النهاية، مجرد ماركة تجارية منتهية الصلاحية ولم تعد قابلة للاستهلاك. ويعرف أكثر، أن المغاربة والمغرب، مرتبطون بالضرورة بالسياقات والواقع المتحول الذي يعيشه العالم.
جزء من “المخزن”، بمعناه المؤسساتي في المغرب، يبدو وكأنه يتعامل بعقلية المنتصر، وليس بعقلية الفائز… إذ الفرق بين المعنيين هو ببساطة، إعادة الرهان على التجمع الوطني للأحرار وأخنوش.
من هنا السؤال: لماذا يصر “المخزن” في النهاية على اقتراف نفس الأخطاء، بنفس الأدوات، بنفس المنطق… وبنفس الإصرار على الخطأ؟
في كثير من تجارب الدول الديمقراطية، أصبح الحاصل اليوم، رقمان لا ثالث لهما:
1ــ ارتفاع عدد العازفين أو المقاطعين للعملية الانتخابية
2ــ الأقلية المصوتة، تتجه أكثر فأكثر نحو الانتصار لمرشح الــ “anti-establishment”.
بما فيها الـ “ماما” فرنسا التي يتدفؤ المخزن بحضنها، وبما فيها ولايات “ترامب” وانتخابات إيطاليا وعدد من دول أوروبا وأوروبا الشرقية… أصبح التوجه العام في النهاية، هو خلخلة السائد، والرهان على الفوضى.
اليوم، حين يصر أصحاب نظرية “انتصار المخزن”، على المراهنة على عنوان أخنوش وحزب التجمع الوطني للأحرار المعدل جينيا حتى قبل الولادة، فهم في النهاية، يقامرون ليس بسلطهم وامتيازاتهم ونفوذهم فقط، ولكنهم بالأساس، يقامرون على ذلك المواطن المغربي البسيط الذي تحدثنا عنه سابقا.
إقرأ أيضا: مسيرة الحفاة…أيام البصري وبنكيران!
ذلك المواطن الذي لم يعد لديه ما يخسره بالتأكيد، لكنه بالأساس، لم يعد يهمه تأبيد كذبة الاستقرار والاستثناء و…
ذلك المواطن الذي لن يستسلم بسهولة لمدفعية أخنوش المكونة من شبه صحافة هنا وأشباه خبراء هنا، لأنه يعرف جيدا أن “الفرشي ما يقتلشي”… على رأي الأغنية الشعبية الجميلة.
هي في النهاية، مقامرة برصيد بلد وانتظارات شعب…
مقامرة … سيكون أفضل الرهان فيها، أن يفوز أخنوش أو يخسر، لكن…
سيكون أسوأ الإفلاس فيها… أن نضطر جميعا لرهن البلد في يد لاعبين سيئين، وأن ننتظر تعويض الخسارة.
… وعتاة المقامرين يعرفون، أن الخسارة لا تعوض.