عذرية المرأة… حين يصبح “العار” بالزواج شرفا! (الجزء الثاني)
غشاء البكارة كما تابعنا في الجزء الأول، لا وظيفة له حسب ما يؤكد الأطباء، لكن للمجتمع مع ذلك رأي آخر؛ فهو الدليل الدامغ على عذرية المرأة، وعذرية المرأة مجتمعيا دليل …
غشاء البكارة كما تابعنا في الجزء الأول، لا وظيفة له حسب ما يؤكد الأطباء، لكن للمجتمع مع ذلك رأي آخر؛ فهو الدليل الدامغ على عذرية المرأة، وعذرية المرأة مجتمعيا دليل على شرفها!
في الواقع، الحديث عن الشرف في المغرب ومجتمعات كثيرة أخرى، بخاصة منها الإسلامية، حديث يؤدي حتما إلى العذرية، بيد أنها قضية تظل حبلى بالتناقضات؛ فما هو “عار” بغير زواج، هو نفسه شرف بالزواج.
منذ نعومة أظافرها، تنشأ البنت على تربية تعمل على حشو ذهنها بالمحظورات ذات العلاقة بالوظيفة الجنسية… بيد أن هذه المحظورات “تتعرض فجأة لانتهاك عنيف، يجعل من ليلة الدخلة ظاهرة مثيرة للاستغراب”.
تحت سلطة الأب والأم والأخ والجد -شجرة العائلة بكاملها أحيانا-، تنشأ الأنثى على ضروب شتى من المحظورات ذات العلاقة بالجنس، مخافة من “العار” الذي سيلحق بهم إن هي فقدت عذريتها.
لكن ذلك كله، سيضرب بعرض الحائط بين ليلة وصباحها؛ ليلة الدخلة، فإن هي عذراء عمت الأفراح، وإن هي غير ذلك؛ فجحيم العائلة والمجتمع بانتظارها.
ليلة الدخلة: ليلة الانقلاب على القوانين!
“… وضعتني حماتي في غرفة زفافي، ودخل علي الزوج، فانتابني خوف شديد… وسرعان ما وضعني فوق زربية وحاول أن يفترعني، لكني بقيت أتخبط بين يديه بقوة لم يجد أمامها بدا من المناداة على النساء، فقمن بتوثيقي، لكنه لم يفلح برغم ذلك في فعل ما أراد بي، إذ عضضته وأطلقت عقيرتي للصراخ… أخذت أمي وأختي الكبرى تشتكيان، إذ خشيتا أن يعتقد الجيران أنني لم أكن عذراء. حينئذ تدخلت أخته، فركزتني في الأرض، وسدت فمي بمنديل، وبذلك تسنى لزوجي أن يفتضني أمام ناظري أخته”.
هكذا تحكي عالمة الاجتماع سمية نعمان كسوس في كتابها “بلا حشومة.. الجنسانية النسائية في المغرب”[1] التفاصيل “المثيرة” لليلة دخلة إحدى النساء، على مرأى ومسمع من عائلتها وعائلة عريسها.
في أذهان الكثيرين، عذرية المرأة شرط أساسي لدخولها مؤسسة الزواج، مع أنه لا الدين ولا القانون المغربي يشترطان ذلك… الإسلام مثلا يمنع العلاقات الجنسية خارج الزواج للرجل والمرأة، لكنه لا يشترط عذرية المرأة للزواج ولا أن يسيل دم البكارة ليلة الدخلة.
تنشأ البنت وسط عائلتها، وفق كسوس، في دونية منذ ولادتها، ذلك أنها تخضع لسلط كثيرة، منها سلطة الأب، والجد، والأم، والأخ… وإلى غاية بلوغها المراهقة، يتحول جسدها إلى ملك عام للعائلة يجب الحفاظ عليه، لكن ظهور بوادر أولى العلاقات الغرامية/الجنسية، يحتم عليها السعي إلى التوفيق بين الأمرين.
منذ نعومة أظافرها، تنشأ البنت على تربية تعمل على حشو ذهنها بالمحظورات ذات العلاقة بالوظيفة الجنسية… بيد أن هذه المحظورات تتعرض فجأة لانتهاك عنيف وفق كسوس، يجعل من ليلة الدخلة ظاهرة مثيرة للاستغراب.
هذه الاستباحة مبررها طقس ليلة الدخلة… طقس انتقال العروس من مرحلة إلى أخرى، من بنت إلى امرأة… طقس يتخلص فيه المجتمع من الإثم والعار وكل ما يلازم الجنس من محرمات تراكمت عبر سنين طويلة.
ليلة الدخلة وفق عالمة الاجتماع المغربية، خاصة بكل المقاييس، بل هي ليلة ثورة المجتمع على المحظور، ففيها يثبت كل من العروس والعريس للمجتمع ولعائلتيهما، ذاتيته، في لحظة افتضاض البكارة التي تعتبر بمثابة قطب الرحى في حياة المرأة، بها تثبت شرفها وعفتها… “سوف أغلق أفواه جميع أولئك الذين اغتابوني وأشاعوا أنني لست عذراء”، تورد الباحثة على لسان إحدى البنات.
“لقد عانى أبواي الكثير من أجلي، فمن العدل أن أكافئهما يوم زفافي بأن يحمل إليهم قماش مبقعا بدمي”، تؤكد البنت أهمية العذرية… إنها الحجة القاطعة على الاستقامة والشرف والعفة، بل إنها مكافأة ومقابل رمزي تزهو وتفتخر به العائلة!
العذرية شرط وإن بدأ طقس القماش يختفي!
في أذهان الكثيرين، عذرية المرأة شرط أساسي لدخولها مؤسسة الزواج، مع أنه لا الدين ولا القانون المغربي يشترطان ذلك… الإسلام مثلا يمنع العلاقات الجنسية خارج الزواج للرجل والمرأة، لكنه لا يشترط عذرية المرأة للزواج ولا أن يسيل دم البكارة ليلة الدخلة.
من جهته، القانون المغربي يفرض تقديم شهادة عزوبية بالنسبة للمقبلين على الزواج، كركن من أركان عقد الزواج؛ وهي شهادة إدارية تثبت أن المعنيين غير متزوجين. نفس القانون يفرض، كما رأينا في الجزء الأول، تقديم شهادة طبية تثبت عدم إصابة الخطيبين بأي مرض معدي. لكنه لا يشترط العذرية ولا أي وثيقة تثبتها.
هل نحن اليوم بصدد ثورة مجتمعية هادئة تتعلق بسؤال الجنسانية عند النساء، وسؤال العذرية تحديدا؟
هكذا، مع أن طقس السروال الملطخ بالدم قد أخذ يختفي تدريجيا، فاشتراط العذرية، مع ذلك، لم يختفِ…
في حوار لها لصحيفة “لوموند” الفرنسية، تؤكد الطبيبة النفسية والجنسية، إيمان قنديلي، أن الحياة الجنسية في المغرب قبل الزواج موجودة وغير مرفوضة أيضا، ورغم الاختفاء التدريجي لطقوس إظهار قطعة قماش ملطخة بالدماء ليلة الدخلة كدليل على عذرية الفتاة، فإن الغالبية العظمى من الرجال مازالوا يشترطون عذرية الفتاة قبل الزواج”.
هكذا، في ظل التحولات الطبية الحاصلة (عمليات استرجاع البكارة التي يقوم بها عدد من الأطباء في المغرب وخارجه)؛ إضافة إلى التحولات الصناعية والتجارية (غشاء البكارة الصيني الذي يباع على الأنترنت وفي عدد من الأسواق بمبلغ لا يتجاوز المائتي درهم في أغلب الحالات)، وفي ظل الحركة الحقوقية التي تدفع عددا من الأطباء إلى رفض إجراء فحص العذرية كما تابعنا في الجزء الأول، هل نحن اليوم بصدد ثورة مجتمعية هادئة تتعلق بسؤال الجنسانية عند النساء، وسؤال العذرية تحديدا؟
[1] نشير هنا إلى أن الكتاب صدر، في طبعته الأولى، سنة 1996، قبل أن تصدر منه أزيد من 12 طبعة وأن يترجم إلى اللغة العربية. لذلك، فقد تحتاج بعض معطياته السوسيولوجية، ربما، لبعض التحيين.
لقراءة الجزء الأول: هل هي نهاية “فحص العذرية”؟ أطباء مغاربة يمتنعون عن منح شهادة العذرية ويدعون إلى مقاطعتها
– اقرأ أيضا: